لا يجوز لأحد أن يدّعي “احتكار” واجب خدمة القرآن الكريم، ولا أن يتهم الآخرين، خصوصا العاملين بالمجال ذاته، بتعمد محاصرته، أو إغلاق المؤسسات التي تقوم بذلك، ما لم يثبت ذلك بالدليل. كما لا يمكن لأي مسلم، لديه وازع إيماني، أو ضمير حيّ، وزيرا كان أو خفيرا، أن يقف ضد القرآن والجمعيات التي تتشرف بالعناية به، تحفيظا وتدريسا، كل منصف يدرك أن الدولة الأردنية، منذ تأسيسها، انتصرت لقيم الدين وتعاليمه، ودعمت مؤسساته، وكرمت علماءه، كما يدرك تماما أن جمعية المحافظة على القرآن نهضت، على امتداد 28 عاما، بدور كبير يستحق التقدير والدعم والاحترام. الواجب هنا أن نتوافق على هذه المسلّمات، لأن تجربتنا مع “الاستقواء” على بعضنا بعضا أضرت بنا جميعا، دولة ومجتمعا، كما أن تجربتنا التاريخية والمعاصرة مع استخدام الدين، ورفع المصحف، سواء لغايات دينية أو سياسية، أفرزت منا أسوأ ما لدينا، لكي نتجاوز ذلك، لا يوجد إلا طريق واحد، وهو الحوار والتفاهم، بدل التشاحن والتطاحن، واستخدام “الدروع الدينية” لخوض معارك متخيلة، تلهب مشاعر الناس، وتدغدغ عواطفهم، فيما النتيجة هي الخسارة، وشماتة المتربصين بالقرآن وأهله. ما حدث هو أن وزارة الأوقاف، طلبت من الجمعيات التي تعمل بالإطار الديني (عددها 28) أن تنضبط بالقانون والأنظمة والتعليمات الجديدة، وأعطتها مهلة لتصحيح أوضاعها، معظمها استجاب، لكن جمعية المحافظة على القرآن الكريم، للأسف، وعدت وأخلفت، ربما كانت تراهن على استمالة الرأي العام، من خلال ما تمتلكه من ترسانة على وسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما وأن خدمة القرآن هي الشعار المرفوع. الوزارة، على ما يبدو، لا ترغب بذلك، وبالتالي ظلت حريصة على حل الاختلاف بأضيق نطاق، فهي من جهة لا تريد أن تفتح ملفات تجرح سمعة الجمعية، وتضعف إقبال الناس عليها، ولا تقبل، من جهة ثانية، أن تتحمل مسؤولية تراكم الأخطاء، أو التجاوزات التي ضبطتها، المسؤولية هنا، على الجبهتين، ليست قانونية فقط، وإنما دينية، وأخلاقية أيضا. يخطئ إخواننا في جمعية “المحافظة” إذا ما تصوروا أن حملتهم ضد وزارة الأوقاف، ستصب في رصيد “الجماعة” أو رصيد خدمة القرآن، وبالتالي خدمة المجتمع، ما أخشاه هو أن تفتح هذه الحملة ملف تجاوزات جسيمة، حسب وزير الأوقاف، ليس من مصلحة أحد فتحها. أريد أن أشير فقط إلى أربع نقاط؛ الأولى أن الأموال التي تصب في صناديق المراكز وإدارات الجمعيات، هي أموال “صدقات عامة”، دفعها أصحابها لخدمة القرآن، وبناء جيل قرآني، وبالتالي يجب أن تصرف ضمن أدق المعايير، والدفاتر المحاسبية، وأن تخضع للمراقبة. صحيح من حق العاملين فيها أن يكون لهم نصيبهم من الأجور والرواتب، لكن هذا النصيب لا يجوز التوسع فيه، أو استخدامه بصورة انتقائية، أو استرضائية، أو على مسطرة المحاسيب والمعارف. النقطة الثانية، يفترض، لا بل يجب، أن يتحرر القائمون على خدمة القرآن، تماما، من أي أجندات حزبية، وألا يضعوا أنفسهم بخدمة أي طرف على حساب طرف آخر، مهمتهم وواجبهم أن يكونوا نماذج ملهمة لمن يتلقون القرآن، سواء بالتزامهم بتعاليم الدين، أو بحدود القانون، أو بـ”الحسنى” في الفعل والخطاب. النقطة الثالثة، من حق الجمعية، أو غيرها من الجمعيات، أن تتوسع في نشاطاتها، ضمن سياق المحافظة على القرآن، سواء لبناء مراكز تعليم للأطفال، أو رياض لرعايتهم، أو حتى بناء مدارس وجامعات، لكن على أن يتم ذلك بموجب قوانين الدولة، ووفق أنظمتها. ما حدث، للأسف، وخاصة في بعض مراكز رياض الأطفال، كان عكس ذلك تماما، لا يكفي اتهام الوزارة بأنها علقت عمل هذه المراكز لتحميلها مسؤولية ذلك أمام الرأي العام، لأن من يتحمل الإغلاق هو الجهة التي رفضت السير بإجراءات الترخيص، حسب المعمول به رسميا. تبقى النقطة الأخيرة، وهي سؤال: هل نريد أن نخدم القرآن أم نستخدمه؟ الإجابة معروفة للجميع، لكن لكي نسير على السكة الصحيحة، أرجو أن تبادر وزارة الأوقاف، باعتبارها المرجعية للشأن الديني، لفتح حوار مع المسؤولين في إدارة الجمعية، للتوافق معهم على خطة عمل محددة للخروج من الاختلافات، وتطمينهم على سلامة الإجراءات.