صراحة نيوز- بقلم د صبري الربيحات
الصورة الذھنیة للأردني أنھ جدي ویفتقر لحس النكتة والدعابة. للبیئة وقساوتھا ومسلسل الھزائم والانكسارات وخسارة الأراضي وتشرد الأسر أثر في تشكل ھذا المزاج الجدي الأمیل للغضب والانفعال. في حالات قلیلة تسمح المواقف للاشخاص بالتعبیر عن الفرح لبرھة قصیرة ینظر للاستغراق فیھا على انھ خروج عن المألوف.
الجدیة والتجھم وخشونة المظھر والملامح كانت وما تزال سمة یربطھا البعض بالحكمة والعقل والاتزان . في سبعینیات القرن الماضي احضر احد كبار ضباط الجیش المتقاعدین مجموعة من نجوم الكومیدیا المصریة لإحیاء حفل زفاف نجلھ الذي دعا لحضوره العشرات من رفاق السلاح وعائلاتھم.
ما ان بدأ الحفل وباشر النجوم استعراضھم وسط تجھم الحضور حتى ادركوا انھم في اجواء غیر قابلة للمشاركة ولا الاستمتاع فقد استمر العرض لأكثر من نصف ساعة دون أن یبدي الحضور أي استجابة الامر الذي دفع بالفنان سعید صالح لمخاطبتھم قائلا ”البئیة بحیاتكم“ في إشارة إلى ان حالة الوجوم توحي وكأن الحضور في مأتم اكثر من كونھم في فرح.
المزاج الأردني الذي بقي حادا وغاضبا وحذرا یشھد تغیرا یمزج بین الغضب والنقد السیاسي والتھكم من جھة والنكتة والخیال والابداع الذي لا یخلو من خفة الدم من جھة اخرى . وسائل التواصل الاجتماعي والتطبیقات المتعددة لھا مكنت المغردین والناشرین من التفاعل مع المواد والمنشورات والتغریدات بطرق واسالیب مدھشة وخارجة عن المتوقع والمألوف.
الشخصیات السیاسیة والاجتماعیة والاعلامیة مواضیع مفضلة للقصص والتعلیقات والصور والدبلجات التي یقوم بھا الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي ومسارح الفن وشاشات التلفزة. بعض ھذه الاعمال تعكس موھبة حقیقیة وخیالا خصبا للأشخاص الذین ینتجونھا وتؤدي وظیفة مھمة في تجسید التعبیر الجمعي عن مواقف الاستیاء او الغضب او السخط والبعض الآخر یستخدم للنكایة والانتقام. مھما تكن الاسباب تسھم النكت والقصص والصورالناقدة في مساعدة الافراد والجماعات على تجاوز المشاعر السلبیة المرتبطة بالأزمات والاحداث التي لازمت ظھورھا.
الملفت في تطور المزاج الشعبي الأردني تقبل الشخصیات المستھدفة بالنقد لھ باعتباره احد مظاھر وجودھم على مسرح العمل العام. بعض الشخصیات التي تؤلف حولھا القصص والروایات یرون في ذلك مناسبة لاختبار الصور التي تحملھا القوى والفئات الاجتماعیة الثقافیة حولھم وتجعلھم في حالة من الاشتباك الایجابي الذي قد یفضي الى مزید من التقبل والاحترام.
التقلید والنقد السیاسي تسلل الى الثقافة الأردنیة في تسعینیات القرن الماضي وبالتزامن مع الانفتاح الرسمي على الشباب وعودة الحیاة الدیمقراطیة وبدء عملیة السلام، في ھذه الفترة أنتج مسرح ھشام یانس ونبیل صوالحة مسرحیة ناقدة ألقت الضوء على بعض الاحداث السیاسیة والعلاقات العربیة وقام النجوم بتقلید بعض الزعماء العرب حیث حضر جلالة الملك حسین والملكة نور عرض المسرحیة واعتبر ذلك قبولا لھذا النوع من الأعمال وإیذانا بقبول ھذا النوع من النقد الساخر.
لاحقا أنتج الفنان موسى حجازین العدید من الاعمال التي شاركه في كتابتھا الكاتب احمد حسن الزعبي وتطور ھذا النوع من الفن لیتحول الى برامج واعمالا تلفزیونیة حیث انتج الفنان بشتو والاعلامي البزور وغیرھم اعمالا تتوجھ بالنقد لكثیر من جوانب النشاط السیاسي وسلوك وتفاعلات الشحصیات العامة.
ملاحقة الشخصیات العامة وتركیب الصور والنقد لمسیرتھم اصبحت أحد میادین الكتابة والتعلیقات والبورتریھ والنكتة السیاسیة التي اصبح لھا جمھورھا ومتابعوھا الذین یرصدون ویشاركون ھذه الاعمال.
تقبل النكتة والتغیر في المزاج الأردني خصائص یمكن رصدھا ودراستھا وتوظیفھا في تغییر الوعي وإحداث التغییر المرغوب في الواقع لبناء مجتمع اكثر تقبلا وتسامحا وانفتاحا.