صراحة نيوز – بقلم عبد الفتاح طوقان
أريد أن أكرر عنواني الرئيسي لأسباب ما حدث في الأردن وكيفية فشل الحكومة الحالية و من سبقها في إدارة أزمة الديون التي تعلقت بنشر آلام الشعب الأردني وأدت الي مظاهرات وحراك في الشارع أطلق عليه “حراك الرابع”، بينما يمكن دائماً أيجاد حلول عبر مشاركات و حوارات علي مستوي الوطن و أن يتم ذلك بشكل جيد خصوصا إذا اصبحت ديون الدولة في عملة واحدة خاصة بها ، او تم تثبيتها علي سعر الدولار مقابل الدينار في يوم و ساعه محددة لا ان تترك لتقلبات الأسواق و التي هي متوقعة الحدوث في ٢٠٢٠، علي أن تكون الحكومة غير مرتهنة لقرارات البنك الدولي وقوية ومستقلة في قرارها لا تابعة لاحد سواء في الداخل او الخارج و تتحمل نتيجة ذلك.
واقصد إن المخاطر الأكبر في الأردن ليست من الديون الخارجية نفسها التي تجاوزت ٣٠ مليار او الديون غير المعلنة للمؤسسات التمويلية المحلية والعسكرية، ولكن من فشل صناع السياسة في القيام بالأمور الصحيحة بسبب نقص المعرفة لدي الوزراء وإخفاء المعلومات الكاملة بشفافية تامة عن السلطة التشريعية والشعب ونقص السلطة لدي الجهاز التنفيذي او ما يطلق عليها ” الحكومة “.
و ابسط مثال حتي الان لا يوجد وثائق معلنة عن بيع الشركات و الميناء و غيره من ممتلكات الدولة تحت مسمي الخصخصة ، لمن تم البيع ، عن طريق من تم البيع، العمولات التي دفعت ، القيمة الحقيقية حسب أسعار السوق و قيمة البيع و اين وضعت الأموال و كيف صرفت وأين أدرجت ، هل تم الدفع بالدينار ام الدولار ، الخ، و هي أسئلة طالب بها بعض الساده من النواب و لم يأتي أي رد عليها لتاريخه.
إذا لاحظنا أن الديون الأردنية هي في عملات اجنبية وهناك تغيُّر أجنبي قادم ان اجلا او عاجلا في سعر الصرف للدينار رغم كل محاولات انكار ذلك، لذا فإنه يتعين اتخاذ خيارات أكثر صعوبة للتعامل مع هذه التقديرات بشكل جيد، وعلى أي حال، مع المكابرة والانكار والمماطلة واختيارات حكومية فاشلة لوزراء الترضية والمناطقية دون الكفاءة والخبرات الحقيقية ستكون العواقب أكثر إيلاما، لذا وجب الحذر.
وكما أعلم من تجربتي الشخصية لأكثر من ثلاثين عاما في العمل علي مشاريع عملاقة وإدارة استثمارات تجاوزت ١٠٠ مليار دولار في ١٢ دولة اثناء عملي في دبي القابضة تحت اشراف سمو الشيخ محمد بن راشد المكتوم ، ومن ثم إدارة مشاريع في كندا لسكك الحديد ضمن خطة التطوير للنقل تجاوزت ٢٠ مليار دولار ، وفي مصر مع شركة الاخوان ساوريس عمالقة الاقتصاد المصري والسعودية التي كان كل مشروع خمس اضعاف موازنة الدولة الأردنية في اقل تقدير ومن ثم قراءاتي و برامجي المتلفزة و لقاءتي مع كبار رجال المال و السياسة و الاعمال من مختلف دول العالم ، و مشاركتي كمحاضر في القمة المالية العالمية مع رواد المال و الاقتصاد فإني استطيع القول بكل ثقة أن بعض من فهم صانعي السياسات يختلف كثيرًا عبر الحكومات الأردنية المختلفة ، الأمر الذي أدى إلى نتائج مختلفة بشكل كبير ، وكانت بعض الحكومات لا تميل إلى الرد بقوة كافية حتى اصبحت الأزمة المالية متطرفة و تولد العجز تلو الاخر. وللأسف الحكومات اذن من طين واذن من عجين لا تريد ان تسمع او يوجه لها النصح او النقد.
لقد تباينت سلطات الحكومات الأردنية كدالة حول مدى ضعف تركيبة الحكومات بلا استثناء وغياب الشفافية عن كل الأنظمة الحكومية والسيطرة على مجلس النواب والاعيان من خارج المجلس الذي فقد قراره المستقل، مما أضعف أنظمة التحقق والرقابة وأضر بالموازنة. وتلك مشكلة بحاجة الي معالجة واصلاح سياسي فوري.
و اقصد لقد كانت الحكومات الأردنية ضعيفة بلا سلطة حقيقية او ولاية عامة، و المجالس الرقابية اضعف من الحكومات نفسها و خضع تعيين و اختيار الوزراء الي معايير الشلية و الشخصنة و الموافقات و التنسيقات الأمنية و استبعدت الكفاءة و همش أصحاب الآراء الاقتصادية المخالفة لمن يرتعون في الدوار الرابع علي حساب الشعب و الوطن مما جلب الكثير من الأوضاع المالية الكارثية، مع خطر لم يلاحظه احد وهو أن بعض الحكومات كانت بحاجة إلى خطوات سياسية جريئة لا يمكن تنفيذها لأنها لا تتفق مع القواعد والاتفاقات الصارمة القائمة من قبل صندوق النقد الدولي.
لذا كان من المستحيل على حكومة ضعيفة، ووزراء غير معروفين وغير مؤهلين، أن يكتبوا القواعد بشكل جيد بما فيه الكفاية لإنقاذ الوطن والحفاظ على مقدراته عوضا عن بيعه ورهن قراره وفشلوا أن يضعوا نظاماً لتوقع كل الإمكانيات، وحتى صانع السياسة الأول في الحكومة والأكثر تقاطعاً وتمكيناً كان من غير المرجح أن يتمكن من إدارة الأزمة تماماً ففشلت السياسات وتحقق الافلاس.
وللأسف لم تستجب الحكومات لإرادة الشعب ومتطلباته وتعدت على حقوقه وعلى جيبه وافقرته لظروف غامضة ومنفعة خاصة في إطار نظام كرس غياب قانوني وتنظيمي وليس له قواعد واضحة.
إن الضوابط والتوازنات في النظام الأردني، والتي يجب أن تكون في العادة حماية حاسمة من التركيز المفرط للقوة التعسفية في سوء إدارة الوضع الاقتصادي تسببت في تفاقم الأزمة لأنها أبطأت عملية إبطال الإفلاس وسمحت لمصالح البنوك العالمية وصندوق النقد الدولي في فرض شروطهم وساهمت بمنع التحركات الأساسية الضرورية لمصلحة الشعب والدولة.
السياسة الاقتصادية الأردنية كانت ولا تزال مروعة خلال أزمة الديون والتشويهات والمعلومات الخاطئة منتشرة ولا يزال اختيار غير الاكفاء هي الباقية وتضارب اقوال الوزراء محل تساؤل وخدمة الدين قاربت ان تكون موازية لثلث دخل الدولة خلال سنوات وفي تزايد يهدد الامن الاقتصادي والاستقرار النقدي. والتخوف الأكبر من غياب مقياس الاكتئاب و الذي قد يدفع ان يقوم الموطنين بتحويل مدخراتهم من عملات ورقية الي ذهب مثلما حدث اثناء الازمة التي نتجت عن الحرب الألمانية ١٩١٤ – ١٩٢٨ و هنا الكارثة المؤدية الي التضخم المفرط لا سمح الله.