ما جدوى حُرّية التَعبير .. إذا لم تؤدِ الى تَغيير

17 أبريل 2022
ما جدوى حُرّية التَعبير .. إذا لم تؤدِ الى تَغيير

صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه

في جلسة حوارية خاصة مع عديلي وصديق عمري الإعلامي المتميز رُقياً وإستقامة وكفاءة الدكتور / ذيب القرالة ، تحدثنا فيها عن الشأن الوطني العام . ففاجأني بسؤال ، أحدث دوياً في عقلي عندما قال : المتابع يلحظ رحابة مساحة حرية النقد في كل أشكال وسائل التواصل الإجتماعي ، وعليه أوجه لك سؤالاً : هل اتساع مساحة حرية التعبير والنقد هذه يُستجاب لها من قبل الحكومات ؟ وهل ترصد الحكومات ذلك وتتجاوب معه وتهتم به ؟ لأنه اذا لم يكن هناك إستجابة ما الجدوى من هكذا حرية !؟ مما حفزني لتناول هذا الموضوع الهام .

سبحان الله ، كل حكوماتنا الأردنية المتعاقبة منذ ما يزيد على عقدين من الزمان ، كأنهم ( قاريين على يد شيخ واحد ) يتوارثون إحتراف التهميش و ( التطنيش ) لرأي المواطن . فالبرغم من قصور وتخلّف تلك الحكومات في الخدمات المقدمة للمواطن — وهم يعرفون ذلك ، ومتأكدون منه — الا انهم لا يلقون بالاً للمواطنين . وأفسحت وسائل التواصل الاجتماعي المجال للمواطنين ببث شكاواهم ، وإحتجاجاتهم على نقص الخدمات ، وعيوب في التعامل ، وسوء في التنفيذ ، وقصور في الأداء ، وفسادٍ في الإدارة … وخلافه ، لكن يبدو ان ذلك يذهب دون جدوى . عندما يلجأ المواطن الى بث شكواه بإرسال رسالة عن طريق وسائل التواصل الإجتماعي ، او يُبلغ شكواه الى برامج إذاعية خدمية يُقدِّمها ويُشرف عليها عدداً من المذيعين الأكفّاء ، او الى كُتّاب يحترفون متابعة قضايا الشأن العام ، او أشخاص يَبعثون رسائل نقدية لأداء الحكومات بشكل مستمر ، علّ صوتهم يُسمع ، ويُستجاب للشكوى وتُحل المشكلة .

ما يحدث ان الحكومات الأردنية المتعاقبة : لا ترى ، لا تسمع ، لا تتكلم . والمصيبة انها (( ما بِتْشِمْ ، ولا حتى بتُگرُف )) !؟ وكأن لا المواطن ، ولا الوطن يعنيها ، ولا يهمها في شيء . حتى انهم لا يُفكرون في سبب وجودهم وإعتلاء مناصبهم ، ولا يسألون أنفسهم عن الأسباب التي أوصلتهم لِشُغل هكذا مواقع متقدمة في الدولة الأردنية . نعرف ان غالبيتهم المُطلقة لم يأتوا ، ولم يصلوا لإرتقاء تلك المناصب بكفاءاتهم ، وانما بالواسطة ، او المحسوبية ، او القرابة ، او النسب ، او الرشاوي ، او إرضاءاً لأصدقاء الليالي الحُمر ، التي فيها الخمر أقل الرزايا ، او بالأمر من قبل سيده صاحب الفضل عليه ، الذي أوصله لمركز مُتقدم لا يستحقه وعليه ان يستمر في خنوعه وخضوعه لسيده ما دام حيّاً ، لذلك يُدمن ، ويستمرأ الذل والخنوع .

هم يتعالون ، ويستكبرون على المواطن ، وينزعجون من طلباته ، وينسون او يتناسون ، انهم بالأصل موجودون لخدمة المواطن ، ولولاه لبقوا في دائرة الظل والنسيان ، ولا يقوون على إطعام أنفسهم وعائلاتهم ، لذلك يُعتبرون متخاذلين في أداء مهامهم ، وواجباتهم ، ويخونون أماناتهم ، ويَخدعون وطنهم ومواطنيهم . بينما ما يجب ان يكون ، ان يتلطف المسؤول حَدَّ التذلل للمواطن ، لأن المواطن سيد نعمته ، وسبب إعتلائه منصبه .

منذ سنوات وأنا أكتب ، ويكتب غيري ، مقالات ، ومنشورات ( بوستات ) ، بالآلاف ، يؤشر فيها الجميع على أسباب الخلل ، وأماكن التقصير ، ويصفونها بدقة متناهية ، وبأساليب مُختلفة ، تتأرجح بين العقلانية والإنفعالية ، ولاحظنا في الفترة الأخيرة زيادة مساحة حرية التعبير بشكل ملحوظ جداً ، ومُقدّر جداً ، حتى وصل حَدَّ الإفتخار بالنسبة لي تحديداً . لكن يبدو ان لا أحد يَلتفت الى ما يُقال او يُكتب . وأظن أن أصحاب القرار في الدولة الأردنية قد عقدوا عزمهم على ان ينتهجوا أُسلوباً مُغايراً للواقع وغير متوقع يتلخص بما يلي : (( دعوهم يقولون ما يشاؤون .. ونحن نعمل ما نشاء وما نريد )) .

في هكذا ظرف ، طابعه السقوط ، والتخلي عن القيم ، واعتبار الإنتماء للوطن تَخلُّف وتَحجر ، وان الأنانية هي المسيطرة والموجِهة لسلوك كبار المسؤولين ، وان الحصافة عندهم ان يُشْغِل نفسه في التفنن في سلب الوطن ، والتعالي على المواطن وتجاهله حَدَّ الإحتقار . وان فترة المسؤولية هي (( مشمشية )) لابد من نهب أكبر مبلغ بأقصر وقت . عندها تضيع الأمور ، ويُغبن المواطن ، وينحدر الوطن ، ويسود الساقطون الناهبون للوطن . وإذا استمر هذا الحال (( المايل )) إقرأ على الوطن السلام ، وهذا ما حصل ويحصل لوطني مع كل الألم والأسف .

هم لا يأبهون بنا ، ولا ينتمون للوطن . ولو كان عندهم ذرة من خُلق ، وجزءٍ يسير من إنتماء ، ومسحة من دِين لحَللوا رواتبهم ومزاياهم ، بعدها (( ليتبرطعوا )) مثلما يريدون . مع ان المطلوب منهم شيء واحد فقط : ان يتجاوبوا مع طلبات المواطنين ويراعوا مصلحة الوطن . لكن يبدو انهم لا يُفكرون في الحلال والحرام ، لا بل قد يكون طعم الحرام عندهم أزكى من الحلال لأنهم يستمرءونه !؟ وعليه ما جدوى حرية التعبير اذا لم تؤدِ الى تغيير في النهج ، والتجاوب مع شكاوى الناس !؟

وأختم بأبيات مُنتقاة من قصيدة طويلة للشاعر النبطي / حمود جلوي ، حيث يقول :—
الوضع فالت والديار محكومة / وشلون أجل لو ما فيه حكومة
اللي تهادن كل ساقط ولاقط / عشان تتفادى غثاه .. وهجومه
وتسلمه أعلى الرتب والمناصب / وهو معاها سيئاتٍ علومه
ناس تحارب مصلحة شعبها دوم / كن بينها وبين المواطن خصومه
من حولنا نشوف الديار تتطور / وكلٍ مع نفسه يسابق حلومه
ونقول احسن ناس والوضع ماشي / بس الخطط والرؤيه شبه معدومه
فساد مستشري بكل المجالات / وسياسة الترقيع قعده وقومه
نعشق بلدنا لكن نخاف منه / ومنه عليه نخاف تكثر سهومه
من صادها عشى عياله وربعه / والا البلد والناس آخر همومه
المسأله بالمختصر سوء إداره / ما كل ولد فلان يملا هدومه
وما كل مناسب بالمكان المناسب / كم واحدٍ أطول من مقاسه كمومه
والله ما دورت منصب ولا جاه / لكني شايل مع بلادي همومه .

الاخبار العاجلة