صراحة نيوز – بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
هلا جئتني ببول أمك فإنه أطهر منه! كلمات لم يقلها أستاذ هنا أو رسام هناك أحب اعتناق الجهل، ولا رئيس هنا أو زعيم هناك لم يجد أفضل من الحماقة رفيقاً، بل قالها رجل كان يعيش بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم وينعم بصحبته، جواباً لولده الذي كان من خيار الصحابة عندما جاء إليه بفضلة من شراب الرسول عليه الصلاة والسلام لعل الله يطهر بها قلبه!
ولا غرابة في ذلك وهو عبدالله بن أبي بن سلول من كان يظهر للمجتمع كأحد الصحابة المقربين وفي قرارة نفسه يتزعم المنافقين ويتقدمهم في الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من أشاع الافتراء بالفاحشة على زوجة نبي الله عليه الصلاة والسلام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهو ذاته من ذهب ولده الصحابي عبدالله إلى النبي عليه الصلاة والسلام غاضباً طالباً منه السماح له بقتل والده بسبب إساءاته المتكررة لنبي الله عليه صلاة الله وتسليمه ولم يكن في المدينة يومها أبر منه بوالده، ليجيبه الرحمة المهداة للعالمين صلى الله عليه وسلم: “بل نترفق به ونحسن إليه ما بقي معنا”!
لم يقتل رسول الله عليه الصلاة والسلام الرجل ولا رد على إهانته، وإنما دفع بالتي هي أحسن لأنه المبعوث ليكمل مكارم الأخلاق، ولأنه من قال يوماً رغم كل ما واجه من أعدائه عندما طلب منه الدعاء عليهم فقط: (إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة)، ولأجل هذا الخلق الذي أضاء الدنيا من مشارقها إلى مغاربها كان من خرج مهاجراً مختبئاً في غار بعد سنوات من صنوف الأذى من قومه وأعدائه ينادى بدعوته على المنابر من حدود الهند في المشرق إلى حدود فرنسا في المغرب بعد أقل من 100 عام فقط من ذلك اليوم برغم أنف كل من عاداه وأساء إليه، ذلك لأن إرادة الله أن يتم نوره ويعصمه من الناس شاء من شاء وأبى من أبى.
كان سعد بن الربيع من زعماء الأنصار، وكان قد افتقده النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة أحد، فطلب من أحد الصحابة الخروج للنظر ماذا فعل بعد المعركة، فخرج الرجل يبحث عنه حتى وجده جريحاً في الرمق الأخير، فقال له: يا سعد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات؟ ليجيبه سعد: فإني في الأموات، أبلغ رسول الله مني السلام، وقل له: إن سعداً يقول لك جزاك الله عني خير ما جزى نبياً عن أمته، وأخبره أنني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة، وقد أنفذت مقاتلي، وأبلغ الأنصار مني السلام، وقل لهم: إن سعداً يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله بينكم وفيكم عين تطرف، فرجع إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأخبره ما قال، فقال عليه صلاة ربي وسلامه: رحمه الله، نصح لله ولرسوله حياً وميتاً.
ولعلنا نبادر اليوم لسؤال أنفسنا ترى هل خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته ونهجه بيننا وفينا عيون تتنعم وتطرف!
هذا هو ببساطة محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب عليه صلوات ربي وسلامه من أكرمه الله بالصلاة والسلام عليه من فوق سبع سماوات وجعلها فرضاً على كل مسلم في صلاته التي يتوجه بها لخالقه كل يوم، الصادق الأمين، نبي الرحمة ومكارم الأخلاق، خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد البشر وخيرهم أجمعين، من أكرمنا الله بإتباع دعوته والاجتهاد في سلوك نهجه ما بقيت فينا روح تنبض، ريحانة الرأفة وعنوان الصبر والإيمان، من يحاول البعض من وقت لآخر من قريب أو بعيد الإساءة إلى نهجه وسيرته وشذى عطره الذي أهداه الله للبشرية جمعاء، ولا يعلمون أن لا جيش ولا قوة ولا جبروت في الدنيا يمكنها نزع محبته من قلوب محبيه، ولمن جهل ذلك في اليابان مثل وعبرة فهل استطاعت القنابل الذرية التي ألقيت عليها إنهاء حضارة اليابانيين أو معتقداتهم أو محبتهم لرموزهم؟
ليعلم العالم بأسره أن كل مسلمي الأرض مهما اختلفوا وتناوشوا وتباعدوا، وأياً كانت درجة التزامهم بدينهم أو بنهج نبيهم عليه الصلاة والسلام إلا أنهم يبقون صفاً واحداً في الانتفاض عند التعرض بالإساءة إلى الأحب إلى القلب من النفس والوالد والولد والناس أجمعين، وأسمى معاني الجمال والرقي والمحبة في عيونهم وقلوبهم في هذه الحياة.
إلا رسول الله ليس شعاراً أو شعراً، بل عقيدة راسخة لكل مسلم يعيش فوق هذه الأرض، فالحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام مقدم على كل معاني الحب في حياتنا بل هو معنى الحب والرقي والجمال بعينه، فهو من تعلمنا في مدرسته وجوب محبة واحترام كل الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام عرفناهم أو لم نعرفهم، وأن الإهانة مهما تعاظمت وتجاوزت حدودها لا تقابل إلا بزيادة التمسك بالعقيدة وتتعاظم معها محبته عليه الصلاة والسلام في القلوب والتمسك بنهجه القويم.
ذلك هو قمرنا وقدوتنا وحبيبنا ونبينا الذي نؤمن به وبكل الأنبياء والمرسلين من قبله عليهم جميعاً منا أفضل الصلاة وأتم السلام، وما ضير القمر من مهاترات عابث هنا أو جهل يائس هناك، فسيبقى القمر قمراً يضئ الدنيا بأسرها وستبقى كل تلك المهاترات لا تجاوز مكانها المناسب في مزابل التاريخ، وقد قيل وصدق من قالها لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها، يا ريحانة قلوبنا وسيدنا ونبينا وتاج رؤوسنا يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، يا من علمتنا الرحمة والإخاء والرقي وطيب الكلام والصبر والوفاء وغيرها الكثير الكثير من أجمل المعاني في هذه الحياة، يا من رأينا فيك أجمل نبي وزعيم وقائد وإنسان، عليك منا ومعك سائر الأنبياء والمرسلين أجمل الصلاة وأتم السلام، وعلى كل من تبع نهجك إلى يوم الدين، وجعلنا منهم وممن يكونون في زمرتك ويفوزون بشربة هنيئة من يديك الطاهرة وقبلة على رأسك الشريفة وشرف صحبتك في ربوع الجنان.