303 أرامل ومطلقات يعِشْن بدون رجال في مصر

17 مايو 2017
303 أرامل ومطلقات يعِشْن بدون رجال في مصر

صراحة نيوز – رصد

يعتقد الكثير من الرجال أن النساء لا يستطعن أن يعشن وحدهن منعزلات عن الذكور، فلا يأكلن ولا يشربن ولا يعملن وحدهن إلا فى وجود رجل، لكن الواقع أثبت عكس ذلك وبرهانه ليس فى كوكب آخر غير كوكبنا الأرضى، وإنما فى صعيد مصر، حيث قرية “السماحة ” بمحافظة أسوان.

“السماحة” قرية تقع فى أقصى صعيد مصر، وتبعد عن شمال مدينة أسوان بنحو 120 كيلو متر تقريباً، ويعيش فيها النساء دون الرجال، يعملن بالنهار فى الأراضى الزراعية، ويتفرغن فى الليل لتربية أولادهن “ولا عزاء للرجال”.

“اليوم السابع” انتقل إلى قرية “النساء” ليكشف تفاصيل جديدة عن أوجه المجتمع المصرى، التى قد لا يعرف الكثير منا عنها شيئاً، ففكرة وجود هذه القرية كما يحكى عنها المهندس حمدى الكاشف، المراقب العام لمشروع وادى الصعايدة بمركز إدفو شمال محافظة أسوان، بدأت فى عام 1998 عندما اتخذت وزارة الزراعة قراراً بتخصيص قريتين جديدتين قاصرتين على السيدات المطلقات والأرامل فقط، وتقع الأولى منهما فى مشروع النوبارية بمحافظة البحيرة شمال مصر، وتقع الثانية فى مشروع وادى الصعايدة بمحافظة أسوان جنوب مصر”.

وتابع المراقب العام لمشروع وادى الصعايدة بأسوان،حديثه قائلاً:”الفكرة نفذتها وزارة الزراعة فى قريتين فقط على مستوى الجمهورية، وكان الهدف منهما هو الحفاظ على مستقبل الأبناء داخل الأسر التى فقدت عائلها، وخوفاً عليهم من الانحراف أو التشرد أو الضياع، بجانب مساعدة الأسر المعيلة التى فقدت الأب على توفير مصدر رزق لهم”.

وأضاف أن قرية السماحة ضمن قرى مشروع وادى الصعايدة، الذى يتبع مراقبة مصر العليا للتنمية والتعاون، وهى إحدى مراقبات قطاع استصلاح الأراضى، ويضم مشروع وادى الصعايدة 6 قرى، وهى “الشهامة وعمرو بن العاص والإيمان والسماحة والأشراف والنمو”، إلا أن القرية تم تخصيصها للسيدات فقط من الأرامل والمطلقات والمرأة المعيلة التى يعانى زوجها من عجز كامل، ويعيش فى قرية السماحة 303 أسرة من النساء وأولادهن فقط، وتم منح كل أسرة منهن منزلاً وقطعة أرض مساحتها 6 أفدنة، وتبلغ إجمالى مساحة الأراضى الزراعية بالقرية 1818 فداناً، وأكد أنه فى حال ثبوت زواج امرأة منهن يسحب منها التخصيص، لأنها أخلت بشروط الانتفاع والإقامة بالقرية، وعلق قائلاً:”هناك سيدات يتزوجن زواجاً قبلياً ليس رسمياً، وفى هذه الحالة لا نستطيع أن نسحب منها التخصيص لأنها ما زالت مقيدة فى الأوراق الرسمية بمطلقة أو أرملة”.

وأوضح “الكاشف”، أنه فى بداية تسكين القرية خلال السنوات الثلاث الأولى، كان يقدم العديد من المساعدات لسيدات القرية، سواء ما يمنحه مشروع العون الغذائى، أو الجهات والمنظمات الدولية التى ساعدت فى النهوض بالفكرة، وكان من ضمن ما يقدم لسيدات القرية أثاثات ومفروشات منزلية، بالإضافة إلى أدوات الزراعة من جرار زراعى وماكينات وغيرها من مستلزمات الزراعة، بجانب منح قروض قصيرة الأجل قيمتها 3 آلاف جنيهاً تسدد بعد مرور عام واحد فقط، وقروض إنتاج حيوانى عبارة عن 5 أغنام وكبش، وتسدد قيمته خلال ثلاثة سنوات.

وأشار المراقب العام للمشروع، إلى أن قرية السماحة تعد مجتمعاً زراعياً يتيح للسيدات زراعة شتى أنواع المحاصيل باستثناء قصب السكر نظراً لانتشاره بكثرة داخل محافظة أسوان، ولإتاحة الفرصة فى تنوع المحاصيل الزراعية التى تساعد على سد الاحتياج والاكتفاء الزراعى، لافتاً إلى أنه فى حالة مخالفة هذا الأمر تحرم السيدة الفلاحة من صرف سماد زراعى لها.

وقال:”بالتأكيد تعلم سيدات القرية أن المجتمعات الزراعية فى بدايتها تحتاج إلى جهد كبير حتى تصبح منتجه، ولكن هذا الأمر لم يتحقق بنسبة 100 % ضمن الهدف المنشود من إنشاء القرية، فقرية الأرامل والمطلقات فى مشروع النوبارية بمحافظة البحيرة أفضل حالاً من قرية السماحة بمحافظة أسوان، وهو ما يفسره جودة الأرض بمشروع النوبارية والتى تسمح بزراعة جميع أنواع الفواكه مثل الفراولة والبرتقال والخوخ والليمون، بخلاف قرية السماحة التى تقع فى منطقة صحراوية نائية، وتبتعد عن العمران، وتحتاج إلى مجهود كبير من أجل استصلاح الأرض”.

وعن أحوال السيدات داخل قرية السماحة، تروى السيدة نبيهه عبد الله، 60 سنة، من سيدات القرية قائلة:”انطبقت علىّ الشروط اللازمة للانتفاع بهذا المشروع لأنى أرملة ولا أمتلك حيازة زراعية، ورزقنى الله من زوجى قبل وفاته بخمسة أبناء، وبعد استلامى المنزل وقطعة الأرض فى القرية منذ حوالى 12 سنة، قمتُ خلالها باستصلاح جزء من قطعة الأرض المخصصة لى، بمساعدة أبنائى خلال السنوات الماضية بعد تقدم عمرى، وصارت الأرض التى نعيش فيها مصدر رزق لى ولأبنائى الخمسة”.

وحول البرنامج اليومى لسيدات القرية، توضح سناء عبد الستار، أن معظم سيدات السماحة يستيقظن فى الصباح الباكر، ثم يوقظن أبنائهن للذهاب إلى المدرسة بعد إعداد الإفطار لهن، فى حين تشد الأم أدواتها إلى الأرض الزراعية المخصصة لها راكبة على”حمارها” ولا تبالى بمشقة العمل فى الزراعات فهى اعتادت على هذا الأمر، وعلقت قائلة “فالجميع يعمل هنا فى مجتمع زراعى يزرع ويحصد دون مساعدة أزواج”.

وأشارت سناء عبد الستار، إلى أن السيدات فى قرية السماحة مضى على إقامتهن فى هذا المجتمع النسائى حوالى 18 سنة، اعتادت خلالهن أن تعتمد على نفسها فى إدارة الشئون المعيشية، فهى تحرث الأرض وتربى الماشية والطيور المنزلية وتأكل من منتجات الألبان وتصنع الخبز البلدى دون الاعتماد على زوج لها، ولكن لا مانع من مساعدة الأبناء خاصة فى فترة الأجازات التعليمية.

سيدة فرغلى شعيب، من سيدات القرية، أوضحت أن الحياة ليست بالأفضل داخل القرية، فالإهمال قتل حلم القرية، وأصبح يعانى سكانها مما يعانيه قرى الصعيد من نقص الخدمات، والذى تسبب فى عزوف نحو 40 % من السيدات عن الإقامة فيها، ويرجع ذلك للعديد من الأسباب يأتى فى مقدمتها نقص مياه الشرب ولجوء سيدات القرية إلى شراء المياه، نظراً لتعطل مرشح مياه القرية واختلاط مياه الشرب بالمياه الجوفية، كما أن مرشح القرية مبنى فى سهل منخفض، مما يؤدى إلى غمره بالمياه الجوفية.

وأضافت:”تقدمت بطلب إلى اللواء محمد عاطف، السكرتير العام لمحافظة أسوان سابقاً، لنقل موقع مرشح المياه وهو ما وافق عليه سكرتير عام المحافظة، وجارٍ تنفيذ العمل فيه ضمن مبلغ 2 مليون جنيهاً التى وردت مؤخراً لشركة مياه الشرب والصرف الصحى”.

سعدية حسن، 62 عاماً، من سيدات القرية، علقت على أحوال القرية قائلة:”توفى زوجى منذ 23 عاماً متأثراً بمرض فى الكبد، وترك لى أربعة أطفال صغار، ففرحت فى البداية بحصولى على قطعة أرض ومنزل فى قرية السماحة بمشروع وادى الصعايدة، واعتبرتها هدية من السماء لكى أحصل على قوت أبنائى اليتامى، لكن بعد مضى حوالى 4 سنوات على الإقامة بالقرية شعرت كأننا فى سجن كبير بسبب نقص الخدمات وصعوبة المواصلات وقسوة الحياة داخل القرية”.

“سناء نور” من سيدات القرية التى تعيش فيها منذ 12 عاماً، توضح صورة أخرى من المعاناة فتقول:” الحياة فى قرية السماحة تتأخر ولا تتقدم إلى الأمام، بسبب المعاناة الصحية لنساء القرية، ومن جوانبها ما تعرضت له ابنتى ليلة عيد الفطر المبارك السابق من لدغة عقرب، ولم أجد من يسعف ابنتى فى لحظات كادت أن تفارق فيها الحياة، نظراً لعدم توافر طبيب وحدة صحية بالقرية حتى تحولت الوحدة الصحية إلى مقر يشبه سكن الأشباح”.

وتابعت سناء الحديث:”اضطررنا لدفع مبلغ 100 جنيهاً حتى يمكن أن نستأجر سيارة ربع نقل، والتى تخص أحد الشباب من أبناء سيدات القرية الجيران لنا، ونقلتنا السيارة مسافة تبعد 33 كيلو متراً حتى وصلنا إلى مستشفى إدفو المركزى، ونجت ابنتى من الموت، ولكن هناك آخرين ماتوا من لدغات العقارب والثعابين والطريشات السامة قبل أن يجدوا من يسعفهم، كما أننى أعانى من الإصابة بنوبات قلبية ولا أجد من ينقلنى إلى أقرب مركز صحى لعدم توافر وسيلة مواصلات واحدة للقرية”.

الحاجة بسطاوية بكير، والتى تبلغ من العمر 61 عاماً وجدناها تغسل فرش المنزل “الحصيرة” من مياه الترع لعدم توافر المياه فى منزلها، وتحدثت عن أحوال القرية، قائلة “فوجئنا بعد استلامنا للأرض الزراعية بسنوات قليلة، بوجود نقص حاد فى الخدمات بالقرية وتعطل ماكينات الرى عقب استلامها، علاوة على سوء حالة الأرض وحاجتها لنفقات كثيرة حتى تؤتى ثمارها، بالإضافة إلى انتشار المياه الجوفية فى أراضى المشروع والتى تسببت فى تلف الكثير من الأراضى الزراعية وهجر عدد من الأسر للقرية، كما اضطرت بعض السيدات إلى بيع الأرض والمنزل عقب استلامهما مباشرة بمبلغ 30 ألف جنيهاً لعدم قدرتهن على الزراعة”.

وأكدت الحاجة بسطاوية، أن أوضاع الأرامل والمطلقات فى القرية أصبحت بائسة للغاية وتغيرت الصورة عما كانت عليه فى الماضى، فالمياه يتم شرائها على حسابهم الخاص بسبب تلوث مياه الشرب بالقرية، كما أن الخدمات الصحية معدومة، علاوة على عدم توافر وسيلة مواصلات عامة، لذا يضطررن إلى تأجير سيارات خاصة للوصول إلى مدينة إدفو، مشيرة إلى أن القرية تعانى من عدم صلاحية مياه الشرب للاستهلاك الآدمى بسبب اختلاطها بمياه الصرف الزراعى لذلك يقوم المسئولون بجلب كميات من مياه الشرب لأهالى القرية بواقع خمسة جراكن لكل أسرة أسبوعيا، وهى بالطبع كمية غير كافية لذلك تضطر السيدات إلى شراء مياه للشرب على نفقتهن الخاصة.

وتتابع قصص المعاناة من نقص الخدمات الحاجة زكية على مصطفى، 59 سنة، إحدى المنتفعات بالقرية، قائلة:”بعض الأراضى الزراعية جيدة للغاية وتعطى إنتاج متميز سنوياً، لكن غالبية أراضى القرية تعانى من ارتفاع منسوب المياه الجوفية لدرجة أن هذه الأراضى أصيبت بالتلف والبوار، ولا تزرع نهائياً وأصبحت عبارة عن برك من المياه وتنمو فيها زراعات الهيش والبوص”، موضحةً أن معظم المبانى الخدمية بالقرية باتت معطلة، حيث تحولت الوحدة الصحية ومرفق الإسعاف بالقرية إلى مقر يشبه سكن الأشباح لانتشار زراعات الهيش والبوص حوله حتى أخفت معالمه، وأصبح مركز شباب القرية هيكل فقط بعد أن تحطم زجاج المبنى وسكنته الثعابين والحشرات، وتحول السوق التجارى من محال تجارية لبيع السلع الغذائية إلى مأوى للمواشى والحيوانات المريضة.

لم يختلف لسان حال السيدات اللاتى سبق ذكرهن عن حال “فاطمة”،إحدى الفتيات بالقرية، والتى أكدت أن أسرتها قررت تزويجها ووقف تعليمها من الصف الثانى الإعدادى، بسبب مشاكل العملية التعليمية بالقرية، لعدم وجود مدرسة ثانوية أو تجارية بنظام الفصل الواحد فى القرية، وهو ما يضطر السيدات فى القرية إلى وقف بناتهن الإناث عن التعليم أثناء وعقب الشهادة الإعدادية، لعدم قدرتهن على تدبير مصاريف الانتقال والتى تصل لخمسة جنيهات يومياً على الأقل، بينما يضطر بعض الأهالى إلى دفع 15 جنيهاً يومياً للطالب الذكر من أجل الذهاب للمدرسة الزراعية فى مدينة إدفو”.

وطالبت سيدات القرية المسئولين فى الدولة، بالاهتمام بالمشروع الذى بدأت فكرته مستقبلاً للأرامل والمطلقات وأبنائهن، إلا أنها اختتمت بزيادة أعباء معيشية بدلاً من التخفيف عنهن “على حد وصفهن”.

فى المقابل، أوضح المهندس حمدى الكاشف، الأسباب التى هددت ببوار مجموعة من الأراضى الزراعية بالقرية، وهى اختيار هيئة استصلاح الأراضى فى بادئ الأمر لنظام الرى الحديث وأصرت عليه، علماً بأن هذا التصميم لا يتناسب مع طبيعة التربة لقرى وادى الصعايدة عموماً، وهو ما اضطرهم إلى تحويل نظام الرى بالقرية إلى طريقة الغمر بدلاً من الرى الحديث، نظراً للظروف الصعبة – على حد قوله – لافتاً إلى أن الرى الحديث يحتاج إلى مياه رى دائمة والمتاح بمشروع وادى الصعايدة هو نظام المناوبة فى رى الأراضى، نتيجة أن المحطات التى تضخ المياه غير كافية لرى جميع الزراعات الموجودة بمنطقة وادى الصعايدة، حيث تبعد آخر محطة ضخ، وهى المحطة رقم 5 مسافة تقدر بحوالى 9 كيلو متراً، كما أن أدوات الرى الحديث لا تتناسب مع المزارعين فى قرى وادى الصعايدة ومنها قرية السماحة، بجانب أن صرف الزراعات يصب فى الترع الرئيسية لمياه الشرب وهى قاطع 1 و2، مؤكداً أنه تقدم بالعديد من الشكاوى للمسئولين فى الرى وتلقينا منهم وعوداً ولكنها لم تحل إلى اليوم.

مصر – اليوم السابع

الاخبار العاجلة