د. صبري الربيحات – لم يكن التعديل الذي اجري على حكومة الدكتور هاني الملقي مفاجئا في التوقيت ولا في الضرورة لكنه كان صادما في طبيعته وحجم الذين غادروا الفريق ونوعية وخلفيات الوزراء الجدد العلمية والعملية وسماتهم ومواقفهم والرسائل التي يحملها التعديل لكافة الجهات والصحافة والنخب والمهتمين.
فالتعديل غلى الحكومة اصبح استحقاقا لا يمكن للرئيس والجهات المعنية بادارة المشهد تجنبه وذلك لعوامل يتعلق بعضها ببنية الفريق, ويرتبط بعضها الاخر بالاحداث والازمات التي تراكمت موخرا اضافة الى المطالبات النيابية والى الكيمياء المتضادة لاعضاء الفريق والتي بدت انها تتفاعل باتجاه ينذر بالانفجار. فللمرة الاولى ومنذ ستينيات القن الماضي يلحظ المتابع وجود خلافات واضحة وغياب للتنسيق بين اعضاء الفريق يتجاوز الراي والاجتهاد ليصل الى التعبير العلني عن الاحتجاج في العلن بضرب الطاولة واظهار عدم الرضا كما حصل في جلسة مجلس النواب التي طلب فيها نائب الرئيس للخدمات تاجيل التصويت على اقتراح طرح الثقة بوزير الداخلية واعتراض الاخير على المقترح .
حالة اللانسجام ليست طارئة على الفريق ولا على الحكومات السابقة فهي عامة وموجودة في كل الاوساط ومعظم المؤسسات لكن الجديد هو استعداد البعض للذهاب ابعد من ان يختلف في الراي الى التعبير عن ذلك امام عدسات التصوير وخارج غرف الاجتماعات , فقد سبق وان صرح نائب الرئيس للشؤون الاقتصادية بإن تغيير المناهج جاء للحد من كثافة المواد والامثلة التي تغذي التطرف ليرد عليه نائب الرئيس للخدمات وزير التربية بإن المناهج لم تعدل لهذه الغاية وان الوحيد المخول بالتصريح حول المناهج وشئوون التعليم هو وزير التربية مثنيا على اسرة زميله وعلى والده ودوره وكأن الوزراء لا يحملون رؤيا مشتركة وينفذون سياسات موحدة.
العمل على ايجاد خارجية بوزيرين ارسل رسالة ملتبسة للوزراء المعنيين ولفت الانتباه الى وجود ما يستدعي اصدار نظام وتعليمات تعرف صلاحيات كل منهما وفتحت الباب لتكهنات عديدة حول علاقة الرئيس بنائبه للشؤون الخارجية والمغتربين الذي يعمل على ملفات متشابكة تتابع من الحكومة وسائر اركان الدولة ومؤسساتها الاخرى , كما اثار المجيء باربعة وزراء من العقبة ( الصعوب وارشيدات ومنصور وعناب ) تساؤلا لدى النخب حول اذا ما تعجل الرئيس في التشكيل واعتمد على ماهو متيسر من المعارف والاصدقاء , خصوصا وان معظم اعضاء الفريق الاخرين كانوا من بين الاشخاص الذين عرفهم الرئيس شخصيا من خلال المواقع التي اشغلها التي عمل فيها او الاعيان و الجمعية العلمية الملكية وخليفته في القاهرة فتح في الجمعية العلمية الملكية والحكومة والاعيان مما اثار شهية البعض ليتسائل عن مدى احاطة دولته بتركيبة المجتمع والمعرفة بالنخب الواقعة خارج دوائر التماس المباشر.
ومع كل هذا راهن الكثيرون – وانا منهم – على ان ينجح الرئيس في وضع خبراته الاقتصادية والعلمية والتفاوضية و السياسية في تعظيم عوائد مؤتمر المانحين الذي انتهى باعلان استعداد البعض لتخفيف اشتراطات قواعد المنشأ وبالطلب الى الدول المستقبلة للاجئين السوريين التقدم باقتراحات لمشاريع تستوعب العمالة السورية وتحسن من الاوضاع الاقتصادية للمجتمعات المضيفة وتحدثت عنه الحكومة السابقة دون تحقيق الكثير على لرض الواقع .
وتوقعت كما توقع غيري ان يفلح الدكتور الملقي في شحن البيروقراطية الاردنية بشيء من حماسه واندفاعه وحيوتيه خصوصا وان الشارع السياسي والشعبي كان تواقا لان يرى تغييرا في نهج السجال حول اذا ما زادت المديونية او انها ‘ لم تزداد فلسلا واحدا كما كان يقول الرئيس السابق وهو يحرك سبابته الى الاعلى وينظر في عيون من يخاطبهم ‘ قبل ان يستدرك الا المليارات التي تم صرفها على الطاقة والكهرباء .
لقد استهلت الحكومة اعمالها بزيارات ميدانية لمناطق ومحافظات غابت عن اجندة من سبقه فبعث اهتمامه بالناس وقضاياهم وصدقه وطيبته شيئا من التفاؤل في النفوس قبل ان تطفو على السطح بعض المشكلات التي اخذت توتر الاجواء فقد بدأ الناس يتسأءلون عن مصير صندوق الاستثمار الاردني السعودي الذي جرى اقرار تشريعه بلمح البصر ووعد الناس من خلال تصريحات عرابه بالسمن والعسل وطفت الى السطح تساؤلات حول مدى الجاهزية والاستعداد للتعامل مع الطواري والوقوف في وجه التهديدات الامنية واثيرت الاسئلة حول المناهج المدرسية وعادت احداث العنف الى الجامعات وجرى رفع لرسوم التنازل عن ملكية السيارات والغاء اعفاءات الشقق التي تقل مساحتها عن 120 متر اضافة الى الاعلام واحداث الكرك وغيرها من القضايا التي تفاقمت تداعياتها وسط تجاهل حكومي او ضعف الاشتباك مع المشهد.
مع عودة النواب وحاجة بعضهم الى استثمار المارثونات الخطابية للظهور جرى تصعيد جديد القى بثقله على الحكومة وتسارعت رحلة التأزيم الذي دعى الى الاسراع في التعديل.
الجديد في التعديل الحكومي هو الاطاحة باركان الحكومة الاربعة بصرف النظر عن الحقائب والاختصاص اضافة الى التخلص من اكثر عضوين في الفريق حسبا على الرئيس وهما نائبه ابان كان رئيسا لسلطة العقبة وزميله محافظ العقبة فواز ارشيدات.
هذا النمط من الادارة ليس غريبا على الدكتور الملقي فالرجل مثل البحر يكون هادئا احيانا لكنه سرعان ما يتحول الى عالي الموج فقد احال اكبر عدد من السفراء على التقاعد ابان كان وزيرا للخارحية في 2005.. ولم يتردد في التعبير عن موقفه في لحد المؤتمرات العربية ولا اظنه يتباطىء او يخشى اتخاذ القرارات الصعبة حتى وان بدى سلسا احيانا.
مع احترامي الشديد لكل اصحاب المعالي الذين غادروا والذين انضموا الى فريق الملقي اعتقد دائما ان كل من يكلف بموقع عام يحاول ان يعطي افضل ما لديه ان لم يكن للمصلحة العامة فليثبت لنفسه والاخرين بانه قادر على احداث الفرق في الواقع …
بعيدا عن كل ذلك فقد خسر الفريق الحكومي خبرة ودراية ومهارة ناصر جودة في التعامل مع ملفات الاردن الشائكة وقد كان الرجل يعمل بصمت ويتلقى نيران النقد والتجريح من مختلف الجهات بما فيها الصديقة . لناصر جودة الذي اكتسب قيمه المهنية في مكتب الامير الحسن منذ التحاقه به في الثمانينيات وصقلها في تجربيه الاعلامية والسياسية لاحقا فهو رجل حاد الذكاء وله سمت مختلف عن الكثير من اقرانه قلق للحد الذي يدفعه لاستدعاء قدراته الكامنه وغرائزه وفطنته وتوظيفها في الاستحواذ على الموقف اذا ما كان راغبا في ذلك يتمتع بعلاقات دولية واسعة فهو يعرف كل من يعمل في السياسة والدبلوماسية الدولية على مستوى الوزراء والسفراء والمسؤولون الامميون في هذا العالم.
كما خسرت الحكومة وجود نموذج محمد الذنيبات الذي اراد في الموقع الاخير ان يثبت ان بامكانه انجاز عمل مميز بعد انطاف على عدد من الحقائب الوزارية خلال التسعينيات ومطلع الالفية الثالثة شملت التنمية الادارية والثقافة والبيئة والشؤون البرلمانية قبل ان يحل في التربية والتعليم ويولي الامتحانات وادارتها جل اهتمامه ولو كان ذلك على حساب الجوانب الاخرى للعملية التربوية التي شهدت تراجعا في الاختبارات الدولية. لقد كسب الدكتور ذنيبات رضا شعبيا في جانب وخسر في جوانب اخرى لكنه قدم نموذجا لكيف يمكن ان يسهم التركيز وزضزح الهدف في تحقيق نتائج غير متوقعة . اتمنى ان يستفيد الاردن من تجربة الذنيبات الرقابية وان يسند له ملف مكافحة الفساد في الاردن ليطبق ما قام به في
وزارة التربية والتعليم على الفاسدين والمرتشين والغشاشين في بلادنا.
في قاعة القادمين يشكل دخول ممدوح العبادي اضافة نوعية للدبلوماسية الداخلية فهو شخصية جماهيرية منفتحة على اطياف المجتمع وقادرة على الاقناع والتأثير دون عناء ولممدوح افكار ومقترحات مهمة في تطوير السياحة وخدمات الضيافة والبنى التحتية وربما يعمل العبادي على اسناد العديد من الوزارات ويدير مطبخ للسياسات الحكومية ذات الابعاد المتعددة. كما قد يكون لخبراته البرلمانية ومعرفته الواسعة باطياف المجتمع دورا في تقريب الحكومة من النواب والصحافة والناس كنت اتمنى ان ارى ممدوح العبادي وزيرا للسياحة.
لا اعرف كيف ستستقبل اسرة التربية والتعليم الدكتور الرزاز الذي يحمل فكرا تنويريا ورغبة في قيادة التغيير المقترن بدعم العديد من المصادر والجهات…فالتربية ميدان واسع معقد يتسم بالمحلية التي يفتقر لها الرزاز فهو شخصية دبلوماسية هادئة قد يكون مثاليا في التخطيط واعداد الاستراتيجيات لكن التربيو تحتاج الى اشتباك يومي مؤثر ومزج للخطاب الحداثي مع التقليدي الذي قد لا يتقنه الرزاز.
الخبرة الاعلامية وسعة الاطلاع على المشهد العالمي عناصر قوة يمكن ان تسهم في انجاح مهمة ايمن الصفدي اضافة الى مخزون الخبرة الذي اكتسبه طوال سنوات العمل في الديوان الملكي ومراكز الابحاث التي عنيت بمتابعة التحولات الاقليمية والتنبؤ باتجاهاتها .
بقي القول ان دخول غالب الزعبي بخبرته التنفيذية والامنية والتشريعية ستشكل اضافة نوعية للفريق وقد يعمل بالتعاون والتنسيق مع ممدوح العبادي على بناء جسور من الثقة مع مجلس الامة مما سيقلل من فرص التأزيم الذي كان ملمحا من ملامح العلاقة بين السلطتين في الاشهر الماضية.
في وجود كل من بشر الخصاونة وحديثة الخريشة ضمن الفريق الوزاري اضافات مهمة تاتي اولاها من خلال امكانية تبني الحكومة منهجا موحدا في دراسة وصياغة التشريعات التي تساعد على تاطير السياسات الحكومية ورفع كل اوجه التعارض والتناقض بينها,,,,, خصوصا اذا ما جرى توظيف خبرة ودراية ومهارات الوزير في ترشيد القرارات وربما تغيير في صياغة مشاريع القوانين والخروج بها عمن الصياغة التقليدية الراهنة
حديثة الخريشة احد اقطاب فريق المبادرة النيابية في المجلس النيابي السابع عشر وهو شخص واعد يحظى باحترام اعضاء
المبادرة وكل الذين عرفوه ويمكن له ان يضفي على حقيبة الشباب نكهة تنظيمة جديدة اذا ما حدد الاهداف بوضوح وابتعد عن سياسة البروتوكولات التي تستهلك وقت من يحاون في مثل هذا الموقع …اتوقع ان يفلح الخريشه في احداث فرق في برامج الوزارة الناشئة لا سيما وان المبادرة قد اعدت ملفا شبابيا متكاملا ترجمة لسياسة الاشتباك الايجابي التي اعلنتها ابان ولاية حكومة النسور.
الصدمة في التعديل ان الرئيس كرس المناسبة ليعيد هيكلة الحكومة فتتحول من حكومة بثلاثة نواب الى حكومة بلا نواب . ومن حكومة تبشر بنهضة اقتصادية من خلال طاقم اقتصادي ممن اشبوعنا تنظيرا الى حكومة تقول انها ستعالج الملف الاقتصادي بدون الفريق الذي استبعد اثنين من اركانه, وحكومة برهن رئيسها على قدرة على اتخاذ قرارات مفاجئة وصعبة من خلال اجراء جراحة مفصلية لحكومة حديثة التشكيل.
السؤال المطروح على الرئيس يتمثل في ….اذا كان للحكومة ان تمضي بلا نواب للرئيس وبلا وزير خارجية مخضرم وبلا فريق اقتصادي فهل لنا كدولة وموازنة ان نمضي بدون الهيئات المستقلة والشركات الحكومية وجيوش المفوضين في المناطق التنموية وغير التنموية.
اما السؤال الاكبر الذي يراود الملايين من المواطنيين واللاجئين فيتعاق بالاثار المحتملة لهذا التعديل على مسيرة البلاد اي هل بمقدور الفريق الجديد ان يجترح حلولا لمشكلاتنا المزمنة ؟ ام ان اشخاص حلوا محل اشخاص من اجل تحقيق الوفاق وفض النزاع……في السؤال الاخير زبدة القول…. فالحاجة اكثر الحاحا لمعرفة مصير المديونية؟ والاسعار؟ ومكافحة الفساد؟ والدعم العربي ؟ والتعدين الذي جرى الحديث عنه مؤخرا ؟ و ما مصير قضايا المواطنة والحريات والاصلاح السياسي؟
كل هذه الاسئلة والعشرات الاخرى هي التي تبحث عن اجابة….اما التعديل فهو حدث جرى وسينسى خلال ايام…..مع اطيب الاماني للجميع والسلامة للمغادرين والقادمين.