حظي بالجلوس على كرسي وزير الزراعة الاردنية مختلف شرائح المجتمع الاردني. ومن كان لهم نصيب في ذلك هم من القطاع الخاص واساتذة الجامعة الاردنية ثم ابناء الوزارة نفسها ومتقاعدي القوات المسلحة ورؤساء البلديات كان آخرهم. بلغ عددهم منذ اكثر من اربعة عقود (46 عام) التي خبرتها حوالي 38 وزيراً للزراعة.
ولو سألت مهندسا زراعيا عن هؤلاء، وهل كان لاحدهم بصمة واضحة في القطاع الزراعي الاردني؟، قد لا تسمع جواباً واضحاً. وأعتقد ان من تعايش مع هذا القطاع لفترة أطول قد يستطيع إبداء الرأي الاقرب الى الصواب.
فالحقيقة هم قلائل من كان لهم بصمة واضحة في هذا القطاع، ومن اسعفهم الوقت الى ذلك.
ان كل من عمل في هذا القطاع الهام في فترة السبعينيات لا بد ان يتذكر المهندس الزراعي صلاح جمعة (ابو عمر) رحمه الله. هذا الرجل كان له بصمة واضحة استفاد منها كل مهندس زراعي بان تحقق في فترته كنقيباً للزراعيين منح المهندس الزراعي علاوة فنية أدت الى مضاعفة راتبه. كما كان له مواقف وطنية تتعلق بالقطاع الزراعي في فترات الاندفاع نحو التكامل العربي.
قابلت الرجل في مكتبه في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في ابريل /1989، حيث كان يعمل فيها بعدما خدم القطاع الزراعي الاردني كنقيباً للزراعيين وكوزيراً للزراعة.
قابلته وكنت قد ذهبت الى مركز منظمة الفاو في روما لكي أشارك مع فريق عمل من أجل إعداد تعليمات لإنتاج البذور المعتمدة للدول النامية.
قابلت أبو عمر رحمه الله وكان يحاول توجيه جهاز الراديو من شباك مكتبه حتى يستطيع سماع إذاعة عمّان من روما. وكان ذلك من أجل متابعة ما يحصل في الوطن من أحداث وخاصة في مدينة معان في حينها.
إستمع الي الرجل وانا اخبره عن بعض تفاصيل الاخبار عن وزارة الزراعة والبحث العلمي الزراعي. وكان يستمع الي بلهفة وشوق عما كان يحصل من احداث في القطاع الزراعي في الاردن.
ودعاني الى الغداء وبدأ يتحدث عن الرؤى المستقبلية لقطاع الزراعة الاردني والذي لم يسعفه الوقت لتحقيقها في فترة خدمته كوزيرا للزراعة. وإحدى هذه الرؤى كانت حول اهمية فصل البحث العلمي الزراعي عن وزارة الزراعة مع إبقاء الارشاد الزراعي فيها.
وكنت قد سألته عن أسباب عدم موافقته لأن تصبح السودان سلة الغذاء العربي، وكان ذلك في إحدى جلسات وزراء المالية العرب التي عقدت في عمّان والتي كان لي شرف حضورها في تلك الفترة. فتبسم رحمه الله وقال ببساطة حتى لا تتعرض السودان الشقيق الى ضغوط التآمر عليه من الغرب.
هكذا شعرت من خلال جلستي القصيرة تلك ومعرفتي الشخصية به قبل ذلك، بان الرجل كان يحمل فعلا الهمّ الوطني والعربي للقطاع الزراعي حتى وهو بعيدا عن الاردن.
رحمك الله يا أبا عمر، لقد أديت بحق رسالتك في خدمة القطاع الزراعي واتعبت كل من جاء خلفك وزيراً للزراعة.
د. ماجد فندي الزعبي / مستشار الزراعة والبيئة