غدا الأربعاء ينعقد مؤتمر القمة العربي في البحر الميت ، وهذا الحشد الكبير من القادة والوزراء والمندوبين والمراقبين السياسيين والمراسلين الصحفيين يدل على أهمية معينة في الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط والعالم كله ، وليس أكثر سذاجة من أن نضع معيار التوقعات مؤشرا لقياس أي شيء لأنه يلغي الكثير من الحقائق التي تحكم الموقف الراهن من جميع جوانبه .
تلك الحسبة غاية في التعقيد ، والمسؤولية التي يتحملها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في تأسيس موقف عربي قادر على فرض المصالح القومية في مواجهة المصالح الإقليمية والدولية المقابلة أمر لا يقل صعوبة وتعقيدا عن اختلاط الأوراق السياسية واشتباكها مع أوراق أمريكية وروسية وإيرانية وتركية وإسرائيلية ، وفي وقت أصبح فيه هامش المصالح بلا ملامح محددة !
في وضع كهذا الوضع لا يمكن أن تكون القمة العربية مجرد قمة دورية ، وليس معقولا ولا متوقعا حدوث تباين في تحليل الحالة الراهنة ، ولا في تحديد طبيعة التحدي الذي يواجهه الأمن القومي العربي ، ومن المستحيل أن يقبل أي من القادة ترك الأمور على حالها ، لأن ذلك يعني مزيدا من الأخطار ذاتها ، تلك الأخطار التي وقعت على شكل حريق تمت تسميته ” الربيع العربي ” فماذا يمكن تسمية الوضع بعد ذلك إذا مرت هذه القمة من دون تغير كلي ، كأنه يوم آخر منفصل عن كل الأيام التي سبقته بلا قرار ؟
أقول ذلك وأنا على يقين أن قمة البحر الميت ستكون فجر اليوم الآخر الذي أشير إليه وأقصد بذلك أنه مختلف في وضوح ليله ونهاره بقدر ما هو واضح في ذهن رئيس القمة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين الذي قاد موقفا عربيا قبل أن يكون رئيسا للقمة ، واظهر قدرة فائقة على إبقاء الورقة العربية على جميع طاولات المفاوضات والمباحثات مع قادة العالم ، وخاصة أولئك الذين تتحكم دولهم بأزمات المنطقة وأحداثها ومع جميع الأطراف الإقليمية إن لم يكن بالمحادثات المباشرة فبالرسائل الواضحة والحاسمة .
إذا كان لا بد من التذكير فلنتذكر محادثات جلالة الملك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ، والرئيس الأميركي دونالد ترامب ، وقبله باراك اوباما ، وقادة أوروبا ، والتواصل المستمر مع قادة البلاد العربية ، وآخرهم العاهل المغربي الملك محمد السادس ، حيث المغرب التي لعبت دورا مهما في جميع مراحل الصراع العربي الإسرائيلي ، محتفظة بخصوصية علاقاتها مع المملكة الأردنية الهاشمية ، وهي البعيدة القريبة للقدس التي بقيت فيها الولاية الهاشمية آخر معقل لعروبتها وقدسيتها ، وحجر الزاوية في أي حل يمكن أن تخوض به قمة البحر الميت .
في تلك المباحثات وغيرها تركز موقف جلالته على أنه لا يمكن حل الصراعات في هذه المنطقة إلا بالطرق السلمية ، وذلك المبدأ يعني أن جميع الأطراف مهما كان حجمها أو قدراتها العسكرية فهي على قدم المساواة من القضية المختلف عليها ، كما أن الإرهاب في أساسه مرتبط ببقاء القضية الفلسطينية من دون حل ، وأن المآسي الإنسانية هي مسؤولية المجتمع الدولي كله الذي إن تخلى عنها تخلى عن القيم والمبادئ التي تعبر عنها المعاهدات والاتفاقيات والمنظمات الدولية على اختلاف مجالاتها ومقاصدها .
نعم نحن أمام تكوين اليوم الآخر في مصير أمة تصنعه بأيديها ، ولسنا نتحدث عن يوم واعد بأي شيء سوى أنه يوم تتبدل فيه الفصول ، وتتضح فيه الرؤى ، موعده الأربعاء ومكانه الأردن ، الأرض التي بزغ منها فجر كل زمن جديد من أزمان الأمة عبر تاريخ طويل ، ومن عند قائد جعل للسلام والأمن والتعاون معنى إنسانيا وأخلاقيا أكثر ثباتا من القوة الغاشمة وعنجهيتها وجبروتها ومآسيها
الدكتور يعقوب ناصر الدين
yacoub@meuco.jo
www.yacoubnasereddin.com