يرى فيها بحر المستقبل بتلاطم أمواجه وهدوء أعماقه، ذلك هو أحدنا عندما ينظر إلى عيون أولاده محاولاً إستقراء مستقبلهم في قادم الأيام، مع ما يدور في قلبه وعقله من دعوات وأمنيات أن تكون هذه الأيام مليئة بكل ماهو جميل، ويبقى دور هام لما نزرعه في هذه العيون والقلوب الصغيرة مما سيطرح ثماره أمامنا عندما تكبر ويصبح قرارها من عصارة فهمها للحياة.
إضربه وإكسر أنفه وإفقأ عينه، كلمات نسمعها أحياناً للأسف من بعض الآباء والأمهات لأولادهم عند تعرض أحدهم لأي محاولة إعتداء ولو كانت فاشلة، فنجد الأب أو الأم يكشرون عن أنيابهم ويطلبون من الابن أن يبادر بتكسير وتهشيم الولد الذي أمامه لأنه إعتدى عليه أو حتى فكر في الأمر، فتكون النتيجة معركة شرسة بين طفلين نجحنا في زرع العداوة والبغضاء والوحشية في رؤوسهم بدلاً من زرع البراءة والمحبة فيها، لنصنع وحوشاً جاهزة للانقضاض على فرائسها في المستقبل بدلاً من غرس مبادئ العفو والاعراض عن الجاهلين، وأن يكون نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم قدوة لهم وهو الذي تعرض للأذى حتى سال دمه ورغم ذلك لم يقبل إلا الدعاء للمعتدين بالهداية، تماماً كحال كل الأنبياء والرسل عليهم السلام الذين سبقوه والذين كانوا بقدر زيادة الأذى لهم يزدادون محبة للعالم وحرصاً على هدايتهم للخير.
ولا يفسر أحداً هذه السطور دعوة للضعف والخنوع، بل على العكس فديننا لم يأمرنا يوماً إلا أن نكون أقوياء ولكن بالحق وليس بالاعتداء على الغير، فإن كنا نسعى لمحاربة الفساد في مجتمعاتنا ولا نريد أن نرى فاسداً يتطلع لأخذ حقه وحق غيره فيها والاعتداء على غيره ومحاوله تهميشه وتهشيم رأسه فلنحرص على أن نبدأ ذلك من أنفسنا بأولادنا غراس المستقبل بأن يكونوا غراس خير في مجتمعاتهم، وأن نعلمهم بأنهم إن كان لهم الحق في أخذ حقهم ممن إعتدى عليهم فعليهم هم قبل غيرهم أن يحرصوا أن يكون ذلك “بمثل” القدر الذي تعرضوا له لا يزيد ولا ينقص، ويتذكروا دائماً كيف أنه حتى نبي الرحمة محمد عليه الصلام والسلام عندما شاهد عمه حمزة بن عبدالمطلب مستشهداً وممثلاً به بعد معركة أحد وكان من أحب الناس إلى قلبه توعد أعداءه بأن يمثل بثلاثين منهم مثل ما فعلوا به وفي رواية بسبعين، فأنزل الله عليه الآية 126 من سورة النحل:{{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}} للتأكيد على أنه لا مكان للاعتداء والتجاوز في أخذ الحق ولا حتى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ولعلنا في هذه الأيام التي نستقبل فيها شهر الخير والبركات شهر رمضان المبارك الذي نسأل الله عزوجل أن يكون شهر خير وبركة على البشرية جمعاء، نتذكر أن ما سيرسم شخصية أولادنا في المستقبل ليس فقط العلوم والرياضيات واللغات بل وواحدة من أهم أساسيات الحياة التي علينا أن نعلمهم إياها، وهي أن من ضربك على يدك لا يحق لك أن تضربه على رأسه وتكسر له رقبته، بل تأخذ حقك ممن أخذه منك ولكن تذكر دائماً “بمثل” ما أخذ منك لا تزيد عليه قيد أنملة وبالقانون ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فعندما نعلم أبنائنا “أجيال المستقبل” الالتزام بأخذ حقهم فقط من دون تجاوز أو إعتداء يمكن أن نكون معهم في المستقبل يداً واحدة تنبذ الفاسدين ممن يسعون لبلع غيرهم والاستئثار بكل شئ عنهم، وعندها سنساهم في تربية أجيال تتعلم الحق والعدل ومحاربة الفساد والظلم من نعومة أظافرها، ولن نترك مجالاً لأن نفاجأ بهم بين الفاسدين يوماً ما في المستقبل.
م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدرانبمثل …!