صراحة نيوز – بقلم جميل النمري
تزايدت الدعوات لفصل الدين عن السياسة مع ابتلاء الدول والمجتمعات بظواهر العنف والارهاب بإسم الدين، وهذا لم يسرّ قوى الاسلام السياسي التي بنت وجودها ونفوذها على اساس ديني، فهي تشارك الخطاب العام والخطاب الرسمي في القول أن الجماعات الارهابية والعنيفة تنتحل الدين وتدعي به وهو منها ومن أفكارها وممارساتها براء وأن تعاليم الاسلام على النقيض مما يقوم به هؤلاء ترفض القتل والعنف والكراهية، لكنها تذهب خطوة أبعد وتقود حملة التشكيك بأصل وجود هذه الجماعات. وتفترض انها صنيعة مشبوهة من الغرب لتشويه الاسلام وتبرير العدوان على بلاد المسلمين، وعلى مستوى آخر العداء لأهل السنة بخلق وحش من داخلهم لإضعافهم والاستقواء عليهم. ويتم الاستثمار بهذه الفكرة للتعبئة السياسية الدينة ضدّ الآخر وجعل موضوع الصراع مرة أخرى داخليا وخارجيا دينيا عقائديا وهو ما يعيدنا الى نقطة الصفر بشأن الفصل بين السياسي والديني.
الحقيقة أنها مسألة شائكة جدا وملتبسة وهي واضحة فقط بحدود المبدأ العام للعلمانية التي ترى الفصل التام بين الدين والدولة بإعتبار أن الدولة هي قاسم مشترك لتنظيم شؤون الأفراد وفق مبادىء عامة أساسية تشمل الجميع على خلاف قناعاتهم وعقائدهم، والدين يقع في الحيز الخاص لقناعات الأفراد الضميرية وممارستهم الحرة لهذه القناعات في العبادات والمعاملات دون تعد أو انتقاص من حرية الآخرين. لكن في الواقع العملي للمجتمعات المسلمة فالمسافة عن هذا المبدأ ما زالت واسعة والسؤال المباشر هو كيف ننقذ الدين من التجاذبات السياسية والتوظيف الخطير في الصراع على السلطة أو بين السلطات المتجاورة بإستخدمام تعاليم ونصوص ونزعها من سياقها ومعناها الظرفي والتاريخي وتوضيفها لخدمة أجندة وقناعات بعض الفئات.
حتى الآن الخطاب العام ينحى فقط لتكذيب ادّعاءات الجماعات الارهابية والمساجلة معهم حول تعاليم الدين الحنيف أي من يملك التفسير الصحيح للدين وهو منهج يرى البعض عدم جدواه ولعل الصديق ابراهيم غرايبة أبرز من انتقد هذا المنهج واعتبره عقيما ينطلق من ذات الأساس الذي تقوم عليه الجماعات الارهابية أي الصراع على من يمثل الدين ويفسره وينطق بإسمه ويطبقه، وهو لذلك يذهب الى مقاربة معاكسة وجذرية تقول برفع يد الدولة عن الدين أساسا، أي أن تكف الدولة عن الوصاية على الدين وتتركه كشأن خاص للمجتمع دون تدخل منها وفي مقال أخير دعى مثلا أن تكون المساجد مؤسسات أهلية تمويلا وادارة، وهو بالتأكيد يعني أن تكون كذلك جميع المؤسسات الأخرى التي تتبع جميعا وزارة الأوقاف.
هناك منطق معين في ذلك فإذا كنا ندعو الى منع استخدام الدين من القوى السياسية والحزبية فمن باب أولى أن تفعل الدولة ذلك أيضا. أي ابعاد الدين عن السلطة السياسية العامة كما نبعده عن السلطات السياسية الفرعية أي الأحزاب والقوى السياسية التي تنافس بصورة دستورية ومشروعة على السلطة السياسية العامة أو حصّة فيها. أشك أن الدولة ترغب بالتخلي عن هذا الدور ولديها مبرر يجب الاجابة عليه، فالمساجد والافتاء و المؤسسات الدينية الأخرى يمكن ان تقع تحت هيمنة فئات سياسية دينية ونتذكر هيمنة الاخوان المسلمين على منابر المساجد في حقبة ما وتحويل دور العبادة الى مراكز للتعبئة والتحشيد لتيار معين تحت عنوان الدروس الدينية وغيرها، بينما الدولة تمثل ( نظريا ومبدئيا على الأقل) جهة محايدة فوق الأطراف تضمن حيادية الدين في الصراع السياسي. وعلى كل حال ستكون الدعوة لانهاء هيمنة الدولة على الدين معقولة اذا ضمنا عدم هيمنة أطراف أخرى عليه وعلى مؤسساته !!