حتى نفهم

12 نوفمبر 2017
حتى نفهم

صراحة نيوز – بقلم سهير جرادات

على مدار اسبوع، تابعنا جميعا بشغف ما يجرى في المملكة العربية السعودية من أحداث مفصلية مهمة، امتازت بغرابتها وانفرادها ، حتى وصفها المحللون بـ”زلزال” نتج عنه اعتقالات واسعة لأمراء ورجال دولة ،ووزراء حاليين وسابقين، ورجال أعمال، تبعهم وفيات لمسؤولين بحادث طائرة.

وفي محاولة لفهم ما يدور في السعودية من أحداث، تعيدنا الذاكرة إلى العبارة الشهيرة التي أطلقها الفنان القدير نهاد قلعي الذي جسد شخصية «حسني البورزان» ، في المسلسل التلفزيوني الشهير«صح النوم»، والتي تقول : «إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في إيطاليا، فعلينا أن نعرف ماذا يجري في البرازيل».

هذه العبارة يتبادر إلى الأذهان عند تذكرها، أنها ذات بعد كوميدي ، إلا أنها في واقع الحال تنم عن نظرة فلسفية تحليلية عميقة، توضح العديد من الأمور الغامضة والمُبهمة التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط ، بعد ربطها بأحداث بعيدة في المكان، ولكنها متشابهة معها في الظروف والأحوال.

بعيدا عما ذهب إليه المحللون السياسيون من أن هذه الاعتقالات تعزز قبضة ولي العهد على السلطة في المملكة ، فإنها تؤكد عبارة “حسني البرزان، فإذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في السعودية من أحداث خطرة ، علينا أن نعرف ماذا يدور في أمريكا؛ حيث المطبخ السياسي الذي يتم فيه التخطيط حسب مصلحة الحركة الصهيونية وأهدافها ، لوجود قواسم مشتركة كثيرة بين نشأة أمريكا وقيام دولة إسرائيل ، فالمبدأ الذي قامت عليه هاتان الدولتان على أرض غيرهما ، بإحلال شعب محتل محل اهل الارض الاصليين وتهجيره قسرا ، واحلال ثقافة بثقافة أخرى .

ليست مصادفة ، اذ تم قبل أيام قليلة من “زلزال السعودية ، وحملة الاعتقالات ” ، تم الاعلان في التوقيت ذاته في السعودية ومصر والأردن عن اقامة مشاريع مدن جديدة، حيث بدأت الانطلاقة من ولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي أعلن عن مشروع مدينة استثمارية تسمى “نيوم”، وستكون أول منطقة خاصة تقام على أراضي السعودية ومصر والأردن ، وبتكلفة تقدر بنصف تريليون دولار ، على مساحة حوالي 27 ألف كيلومتر مربع ، لتكون جاهزة فى العام 2025 ، وذات إطلالة على ساحل البحر الأحمر ، الشريان الاقتصادي الأبرز ، الذي يربط القارات الثلاث( آسيا وأوروبا وأفريقيا)، وستمكن المنطقة 70% من سكان العالم من الوصول للموقع خلال 8 ساعات كحد أقصى.

وأكثر ما يميز مشروع “نيوم” هو التنقل الذكي للقيادة الذاتية للسيارات والطائرات ، والأساليب الحديثة للزراعة والرعاية الصحية و الشبكات المجانية للإنترنت الفائق السرعة، أو ما يسمى بـ”الهواء الرقمي”، والتعليم المجانى بأعلى المعايير العالمية، والخدمات الحكومية الرقمية المتكاملة بمجرد اللمس ودون ورق .

وفي التوقيت ذاته أعلنت حكومتنا رسميا عن إطلاق ما أسمته (مشروع المدينة الجديدة)، الذي يعد أحد أهم المشاريع الريادية والحيوية ،والهادف إلى تقديم نوعية حياة أفضل وتحسين نوعية الخدمات للطبقة الوسطى ،ويتيح من خلاله لموظفي الدولة والنقابات ومؤسّسة المتقاعدين العسكريين التملك بأقل تكلفة في تلك المدينة الجديدة الذكية التي تقوم في موقع عصري – كما وصفته الحكومة – بمحاذاة العاصمة ، جنوب عمان ، وعلى بعد 30 كيلومترا منها، ومن مدينة الزرقاء وفي منطقة اسمها “الماضونية” إلى أن يتم اطلاق الاسم الجديد الذي تم اختياره لها وهو ” العبدلية “، نسبة إلى الملك عبدالله الثاني بن الحسين ، على أن يتم إنشاء ميناء بري كبير وجديد ، ومن المتوقع انتهاء العمل بالمشروع عام 2050.

مدن جديدة ، بتصميمات عصرية ، في الواقع ما هي إلا تفكيك لمخيمات اللاجئين ، ونقلها من مكان الى آخر ، مع سكانها ، تعويضا لهم ، بحيث يتشاركون بسكن عصري مع من شردتهم النزاعات والخلافات الداخلية في دولهم ، الذين سيتم منحهم جنسيات الدول الموجودين بها ، مقابل اغلاق ملف قضية اللاجيئن وطي الصفحة ، لنشهد بداية جديدة ذات طابع وتقسيمات جديدة.

حتى نفهم ما يدور في الأردن والسعودية ومصر ، علينا أن نفهم ما يدور في أمريكا وإسرائيل .. هذا إذا كان يراد لنا أن نفهم .. إذ ان المطلوب في هذه المرحلة عدم الفهم .. والله الساتر.

Jaradat63@yahoo.com

الاخبار العاجلة