المقاومة الشعبية، أو حرب العصابات، أو حرب الأنصار، أو حرب الغوار، كلها مسميات تصب في بوتقة واحدة، هي بوتقة مجابهة العدو المحتل أو المستعمر. ويتم اللجوء إلى هذا النوع من الحرب من قبل دولة ضعيفة بمواجه عدو محتل أو مستعمر أقوى منها، بغرض طرده واستعادة سيادتها الوطنية وكرامتها.
والمقاومة هي نشاط عسكري محدود، شرّعتها وأجازتها القوانين والأنظمة الدولية، وهي نقيض للإرهاب الذي ينتهك حقوق الإنسان، ويقوض الأمن والاستقرار في المجتمعات المدنية.
وقد تكون النظرة لرجال المقاومة مختلفة من جانبين، ففي حين يصف المواطنون الآخرون المقاومين بِ ( مقاتلي الحرية )، يصفهم المحتلون أو المستعمرون بِ ( الإرهابيين ) وشتان بين الوصفين.
لقد أثبتت أحداث التاريخ، أن الأوطان التي تُنتهك سيادتها وتستباح أراضيها من قبل قوات أجنبية، لا يمكن لها أن تتحرر وتستعيد سيادتها وكرامتها، إلا من خلال مقاومة جريئة وفعّالة، يمارسها الشعب على أرضه، ضد عدو محتل أو مستعمر.
وهناك الكثير من الأمثلة لعمليات المقاومة الشعبية في العالم، التي قاومت المحتلين، واستطاعت بتصميمها وشجاعتها أن تحرر أوطانها، وتحقق استقلالها وسيادتها. وفيما يلي نماذج من عمليات المقاومة في العالم :
* المقاومة الايرلندية ضد الاحتلال البريطاني، الذي هيمن على ايرلندا منذ عام 1919 واستمر حتى حققت البلاد استقلالها بفعل مقاومة الجيش الايرلندي عام 1949.
* المقاومة الأمريكية ضد الاحتلال البريطاني، الذي خيّم على أمريكا منذ عام 1707، إلى أن حققت أمريكا استقلالها، بقيادة جورج واشنطن عام 1783.
* المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية، عندما اجتاحت القوات النازية فرنسا، وطلب الجنرال بيتان استسلام فرنسا للنازيين، إلاّ أن الجنرال ديغول رفض الاستسلام، وقاد المقاومة الفرنسية، من قيادته بالمنفى في بريطانيا، إلى أن تم دحر قوات الاحتلال النازية، وتحقيق استقلال فرنسا في عام 1945.
* هيمنت القوات الفرنسية على فيتنام عام 1949 إلى أن تمكنت المقاومة الفيتنامية من تحريرها في عام 1954 بعد معركة ديان بيان فو بقيادة الجنرال جياب. ثم حررتها مرة أخرى من احتلال القوات الأمريكية التي هيمنت عليها من عام 1962 إلى عام 1973.
* وهناك أيضا المقاومة الصينية ضد القوات اليابانية المحتلة، من عام 1937 وحتى عام 1945 حققت بعدها الصين استقلالها.
أما في إفريقيا، فقد استعمرت فرنسا الجزائر، وهيمنت قواتها على البلاد عام 1830، ولكن تم تحريرها من قبل المقاومة الجزائرية عام 1962، بعد أن قدمت الجزائر مليون شهيد.
وبعد هذا الاستعراض الموجز لعمليات المقاومة الشعبية، التي وقعت في بعض دول العالم المحتلة أو المستعمرة، وحررت أراضيها واستعادة سيادتها، سأعود لأذكّر بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، منذ عام 1948 وحتى الآن فأقول :
لقد جرب العرب ثلاثة حروب رئيسية مع الإسرائيليين لتحرير الأراضي المحتلة لكنهم حصدوا الفشل. ثم جرّبوا – ومن بينهم الفلسطينيون أنفسهم – الحلول والاتفاقات السلمية مع المحتلين الإسرائيليين، لمدة 32 عاما، ولكنهم حصدوا الفشل مرة أخرى. وكان الفشل هذه المرة متوّجا بصفقة القرن البغيضة، التي أفقدت الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، وكرّست القدس عاصمة موحدة لإسرائيل.
وبهذا تكون عملية السلام قد وصلت إلى طريق مسدود، ولم يعد أمام الفلسطينيين، إلا اللجوء إلى خيارهم الاستراتيجي الوحيد، وهو الاعتماد على النفس، والسماح بإشعال فتيل المقاومة الشعبية، لكي تأخذ دورها المقدس، في المقاومة المسلحة غير المخترقة، ضد العدو المحتل، وتحرير أراضيهم واستعادة سيادتهم عليها.
يلخص ماو تسي تونج – الأب الروحي لحرب العصابات والمقاومة الشعبية – استراتيجيته في مثل هذه الحرب بالعبارات التالية :
” على رجل العصابات أن يكون صلباً كالفولاذ، قاطعاً كالسيف، بطّاشاً كالنمر، هارباً كالأرنب، ومراوغاً كالثعلب،متحدثاً بارعاً يستطيع أن يتحدث عن قضيته بلباقةٍ، تكسبه الأنصار والمؤيدين “.
ومن الجدير بالذكر، أن العصابات اليهودية ( الأرجون ، شتيرن، البلماخ، والهاجاناه ) استخدمت هذه الأساليب في قتالها مع العرب، خلال النصف الأول من القرن الماضي عند تأسيس دولتهم عام 1948. ثم تحولت تلك العصابات بعد إعلان استقلال الدولة إلى جيش نظامي تحت مسمى ” جيش الدفاع الإسرائيلي”.
لقد سبق للشباب الفلسطينيين أن طبقوا بالبديهة، معظم شروط حرب العصابات، خلال انتفاضاتهم ضد الإسرائيليين في عقد الثمانينات الماضي وما تلاه.
تلك الانتفاضات التي أقضّت مضاجع الإسرائيليين، وكبدتهم الكثير من الخسائر في الأرواح البشرية. الأمر الذي جعل أصواتا من داخل إسرائيل تنادي بالسلام مع الفلسطينيين، إلى أن جاء المنع والقمع من السلطة الفلسطينية، والتوجه إلى المقاومة السلمية لأكثر من ثلاثة عقود، لكنها لم تحقق ألأماني المرجوة.
واليوم ما على الشعب الفلسطيني، الذي يتدفق حماسا ووطنية، للدفاع عن الأرض والمقدسات والكرامة، إلاّ أن يشكل رأس الرمح أمام الشعوب العربية والإسلامية، ويرفع راية المقاومة المسلحة، لتحرير وطنهم من الاحتلال الإسرائيلي، واسترداد حقوقهم المسلوبة، غير آبهين بكل دعوات الحلول السلمية الفاشلة، ومعتمدين على أنفسهم وعدالة قضيتهم، وإيمانهم بأن النصر من عند الله، مصداقا لقوله تعالى :
أما الانهزاميون والمترددون، الذين يدّعون بأن الحل فقط بيد أمريكا، وأننا لا نستطيع أن نقاوم إسرائيل فهم واهمون. فنحن أقوياء وبأيدينا أوراقا كثيرة، لا ينقصنا إلاّ الإرادة في استخدامها.
وآمل أن يترجم الشعب الفلسطيني البطل في الداخل والخارج، قدرته على استخدام أوراقه، من خلال الفعل الجريء فوق الساحة الفلسطينية، كما استخدمتها شعوب أخرى، أقل منها قدرة وكفاءة.