د. محافظة يدعو إلى مراجعة للثقافة والتراث الفكري لوقف الانحرافات عن جوهر الدين ووقف الممارسات العنفية
د. محافظة: الجماعات المتطرفة استغلت تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اللجوء للعنف
د. الأرناؤوط: التحول نحو العنف والإرهاب مرتبط بالتحولات على الأرض وتدخلات الخارج وليس بالسماء
د. الربيع: التطرف الفكري خروج عن القواعد الثقافية والاجتماعية والفكرية للمجتمع
د. أبوحمور: العنف أصاب العرب والمسلمين بنفس المقدار الذي أصاب الشعوب والقوميات الأخرى نتيجة التطرف
عمّان– صراحة نيوز – ناقش متخصصون في لقاء منتدى الفكر العربي، مساء الأربعاء 25/4/2018، كتاب “الحركات الإسلامية المتطرفة في الوطن العربي: الجذور الفكرية والتحوّل إلى العنف والإرهاب” لمؤلفة أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية د. علي محافظة. ويشتمل الكتاب على دراسة شاملة تبحث في الجذور الفكرية لظاهرة التطرف وتطورها في العصر الحديث، وتتناول الخلل في تفكير الجماعات المتطرفة، والعوامل التي دفعت إلى ممارسة العنف والإرهاب من قهر واضطهاد واستبداد، وبالتالي محاذير امتداد هذه الظاهرة بما تحمله من خطر على مستقبل الأمة وشعوبها وهويتها الثقافية، وضرورة إجراء مراجعة فكرية للاتفاق على المبادىء العامة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تجمع عليها الأمة لإنقاذ أجيالها من براثن التطرف والإرهاب.
أدار اللقاء وشارك فيه الأمين العام للمنتدى د. محمد أبوحمور، كما شارك في التعقيب على الكتاب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة العلوم الإسلامية العالمية د. محمد الأرناؤوط، والسفير السابق وأستاذ الحضارة الإسلامية في الجامعة نفسها د. فايز الربيع.
وفي كلمته التقديمية أشار د. محمد أبوحمور إلى أن التطرف نشأ على أرضية الصراع حول الهوية في هذه المنطقة من العالم، وكإحدى النتائج لما تعرضت له المنطقة العربية من تيارات الاستعمار والصراع الدولي للهيمنة عليها، وكذلك الصراع مع إسرائيل، عدا سياسات الاستبداد التي وظِّف فيها الدين وحُرِمَ فيها الفكر من الاستقلالية، وأصبحت بسببها التنمية مشروعاً مرتهناً للصراع على السلطة، مما أوجد فراغاً في البيئة الفكرية العربية، خاصة مع انتكاسة المشروع النهضوي العربي، وزيادة حدة أجندات التدخلات من خارج الوطن العربي، وغير ذلك من تراكمات تاريخية انتجت ظاهرة التطرف الذي عرفته مناطق وديانات أخرى في العالم. وأضاف د. أبوحمور أن التشويه الذي تعرض له الإسلام بوصفه دين وحضارة بسبب التطرف أصاب العرب والمسلمين أنفسهم بنفس المقدار أصاب كل من ساهم في الحضارة الإسلامية من الشعوب والقوميات في ظلها، باعتبارها حضارة تنوع في إطار الوحدة.
ومن جهته قال مؤلِّف الكتاب د. علي محافظة: إن الدين الإسلامي احتوى على منظومة قيمية رفيعة أتاحت له الانتشار بين الشعوب والأمم. ومن الطبيعيّ أن يكون لنصوصه شرّاح من المفسرين والمحدِّثين والمتكلمين. وهؤلاء قد تأثروا بالأوضاع السياسية والاجتماعية. ومع ذلك حافظ النص الإلهي على أن يكون صورة حيّة للحياة الدنيوية والأخروية، وجامعاً توحيدياً للأمة. وظل الأمل معقوداً لدى المسلمين بأن التطبيق المثالي لتعاليم الإسلام سوف تتجدد على يد الحريصين على الصورة النقية للإسلام في كل قرن من الزمان.
وأوضح د. محافظة أن الإسلام قام بدور مزدوج في المواءمة بين التعاليم الدينية من جهة والفلسفة والحداثة من جهة أخرى. وقد نتج عن هذا ما عرف بالصراع بين العقل والنقل، الذي أفرز اتجاهات لا تقبل التأويل للنصوص بل تقرأها قراءة حرفية، ومن ثم تولّد عن مثل هذه الاتجاهات ما عُرف بالأصولية التي برزت في العصر الحديث ببعض الاتجاهات السلفية، وأفرزت تعاليمها بين الأتباع الذين انقطعوا عن حقيقة وروح الدين الإسلامي فغالوا وتطرفوا في فهم النصوص حتى قادتهم إلى الغلوّ في النظر إلى الأفراد والمجتمعات إلى درجة تكفيرهم واستباحة دمهم، مستغلين في اللجوء إلى العنف تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ودعا د. محافظة مفكري الأمة ومثقفيها ومؤسساتها الثقافية والعلمية والدينية إلى إدراك الحقيقة التي تفرض نفسها بعد الدمار الفكري والمادي الذي لحق بالأمة وعدد من بلدانها خلال السنوات الست الماضية، مشيراً إلى أنه لا أمل للعرب بالنهوض أو التقدم والتحرر من الهيمنة الأجنبية ووقف التدخل الأجنبي في شؤونهم الداخلية إلا بوحدتهم وتضامنهم.
كما دعا إلى مراجعة صادقة للثقافة والتراث الفكري في ضوء العلوم الحديثة، وإلى إصلاح ديني لوقف الانحرافات عن جوهر الدين ورسالته الحضارية، ووقف الممارسات العنفية.
وفي تعقيبه على الكتاب، أشار د. محمد الأرناؤوط إلى أن د. محافظة لم يربط تحول بعض الجماعات نحو العنف والإرهاب بالسماء، بل بالتحولات على الأرض والتدخلات من الخارج . كما أن تعثر الإصلاح وانسداد الأفق أمام الشباب جعل الجماعات السلفية الجديدة (التكفيرية والجهادية) تجتذب مثل هؤلاء الشباب إلى تبني التغيير بالعنف لإسقاط الأنظمة القائمة بدعوى أنها لم تعد تحكم بما أمر به الله . أما فيما يتعلق بالجانب الثاني أو دور الخارج الذي لم يعد مجهولا فقد ركّز د. محافظة على دور الحرب الباردة بين الشرق والغرب. ويؤكد المؤلف في الفصل الأخير من الكتاب “الحركات الإسلامية إلى أين؟” أن الإرهاب لم يسقط من السماء بل جاء من الأرض (من الداخل والخارج)، وأن نهايته أيضا لن تكون بواسطة القوة العسكرية للتحالف الدولي وإنما بسلامة العقيدة وصحة توجهها، وانتهاء الاستبداد السياسي والفساد.
وأشار د. فايز الربيع في تعقيبه إلى أن التأليف في الفقه السياسي الإسلامي ينحى أحياناً كثيرة منحى التقرير النظري الذي لا يتفاعل مع مجريات الحياة السياسية الفعلية، مما أدى إلى انفصال علم السياسة الشرعية عن السياسة الواقعية، وانتهى إلى أن الفقه السياسي غدا علماً تراثياً يؤثر في عقول الدارسين، ناهيك عن عملية التطويع للنصوص وتخريجها بما يتلائم أحياناً مع رغبة الحكام، وأن الذين لا يقبلون من الآراء والأفكار إلا ما يجدونه مكتوباً عندهم كاجتهاد بشري، يحكمون على الأمة بالبقاء حيث كانت، فضلاً عن أحادية النظرة والفهم الوحيد للنص، وتطبيق النموذج التاريخي بصرف النظر عن الملائمة الزمانية والمكانية، وهو منهج أصحاب التطرّف الذي يتناقض وروح الاسلام الواسعة في الحوار والتعددية وإقرار مبدأ الاختلاف في الفهم والاجتهاد.
وأضاف د. الربيع أن التطرف هو المغالاه والعصبية، والإفراط وهو عكس الوسطية والاعتدال، فالتطرف مجموعة من المعتقدات والأفكار التي تجاوزت ما اتفق عليه دينياً وسياسياً واجتماعياً، وابتعدت عن نصاب التوازن، ويظهر في التعصب للأفكار تجاوز حد الاعتدال والمبالغة في التمسك بالرأي، ومجانبة الصواب بالمحاججة مع التعصب الفكري. كما يتضمن التطرف الفكري الخروج عن القواعد الثقافية والاجتماعية والفكرية للمجتمع. ومن أنواع التطرف الفكري والعرقي والطائفي والاجتماعي والأمني.