صراحة نيوز – بقلم اطراد موسى المجالي
لا شكَّ ولأولِ مرةٍ مُنذُ حين، هناكَ لمسةً للإعلام الحكومي أو قد تكون، مخالفةً للرأي السائد عن التصريحات الحكومية التقليدية، ولا ندري هل هي بفعل المؤُثَر الشعبوي المتُطلّب لحكومة بُنيت عليها الكثيرُ من الآمال، وجاءت نتيجةً لغضبةٍ شعبيةٍ مبسترةٍ إذا جاز التعبير؟ أو نُسخةٍ مُعدّلةٍ لثورات الربيع العربي، قادها بشكل عَزَّ نظيره في تاريخ الأردن وحتى عالميا جماعةُ المصالحِ والضغطِ من النقابات وليس الأحزابُ كما تعودنا، أو قادة الرأي من المثقفين. ليس مدارنا الخوضُ بالتفاصيل إنما المدارُ تلك اللمسةُ التي أُسجلّها بعد هذه الخبرة الطويلة في الإعلام لوزيرة الإعلام السيدة غنيمات، بأنها بَدأت ولو ببصيصٍ لما يُقصد بترويج أفكار الحكومة ضمن منظومة كنت قَد حَجزتُ لها من وقتي شيئا على مدار أكثر من عشر سنوات وأكثر بمفردات وملاحظات لما يُسمّى بترويج أفكار الدولة باعتبارها مؤسسة اجتماعية واقتصادية وسياسية جامعة وراعية أساسا لذاك الزبون الذي يُسمّى المواطن، الذي هو فعلا أغلى ما تملك.
لقد أصبح استخدام تكنولوجيا الاتصال – وهذه الهالةُ والفضاءُ الاتصالي الذي أتاح لكلِ من يستطيع استخدامها وبغض النظر عن خبرتهِ العلميةِ أو الثقافية، وحتى مُبتدئي الكتابةِ من التعبير – عبئاً إضافياً لكل من يُصيغُ الرسالة الإعلامية، فقد كانت سابقا تُصاغُ بأقلِ جهدٍ لمعرفة طبيعة الجمهور المتواضع لا أقولُ بثقافتهِ بل بِقيمهِ المحافظة وردّة فعله.
فمن وجهة نظري من يعتمدُ فقط على محورٍ التواصل الاجتماعي دون تطويرٍ للمفاهيم بصورةٍ تعكِسُ واقعا يتمُّ تبنّيه والدفاع عنه وليس فقط معرفته من قبل الجمهور سيخسر، ولا أتنبأ بالوقت، وهذا ما ابتدأت به الحكومة رئيسا وإعلاما مع أن لمسة الفهم المبدئي لماهية الترويج لأفكار الحكومة قد بدأت بالفعل بخُطىً ايجابية لا يُنكرها متخصص بالإعلام.
إن استراتيجية اعلامية تسويقية بخططها وقياس أهدافها منطلقةً من محاور معرفة اختلاف الجماهير المتلقية قد تُنتِج سريعا ليس ترويجا لأفكار الحكومة فحسب، بل قادةُ رأي مستنيرين وتغييرا لكيفية تلّقي تلك الرسائلُ وتبنّيها اعتمادا على القيم الجديدة للمواطن، ودافعيته للمشاركة والتعبير عنها، وتفعيلا لأجهزة الحكومة الإعلامية بشكلٍ متناغمٍ يصبُّ في تلك الأفكار التي تُريد أن توصلها الحكومة للمواطنيين، وتحدُّ من تلك الفجوة التي تتصاعد بين الحكومة وزبائنها إذا جاز التعبير بلغة التسويق والإعلام، وأجزِمُ أنه غالبا ما يُجاز في جميع أدوات البحث العلمي.
أنا الحكومة وأنتم زبائني، فكلُّ حركة تجاهكم ستكون بذات أفكار التسويق المعروفة ومن خلال أدوات الإعلام والترويج، سَتُشارٍكون وتُعبّرون عني وتدعمون قراراتي التي ستنتج معظمها من أفكاركم، أنتم مدارُ بحثي واهتمامي، اهتماماتكم أساس أدواتي، فأنا المؤسسة ولن أخسر يوما زبائني.
إن إسقاط معرفة المجتمعات المحلية هي أساسُ الولوج الحقيقي لأفكارهم وقيمهم والتأثير فيهم، ففي التنمية ومثالا لأهمية معرفة المجتمع، حدث يوما أنه رفع فريق تنموي الراية البيضاء لعدم قدرته إدخال تحديث تنموي بسيط بأحدى القرى في تايلند، وهو إدخال جهاز الغاز المنزلي، فقد قام الفريق التنموي بشراء الأجهزة ووضعها بالمطابخ وتعليم النساء على استخدام الغاز بالطبخ، ولكن المفاجاة، أن النساء ما زلن يوقدن الحطب لغلي الماء وصناعة الطعام، وإذا بأحد السكان يعطيهم المعادلة الذهبية لإدخال هذا التحديث وهي: عليهم أولا معالجة وقتل الدود الذي يتكاثر بسقوف منازل القرية المصنوعة من القصب ولا يقتله إلا دخان الحطب، ومن ثم يُمكِنهم تشجيع النساء على استخدام الغاز. فليس الأساس الميزانيات ولا الفِرق المدُرّبة ولا التحديث بعينه، وإنما معرفة صالح المجتمع من التحديث، وتوقيت ذلك، وما يسبقه، وما يلحقه، ومعرفة طبيعة المجتمع بكافة أطيافه. فمع من نتحدث؟ وما هو الأسلوب؟ وما هي الرسالة ؟وكيف؟ وما مكانها وآلية تلّقيها؟ هذا ما يحدد ترويجا وإعلاما حقيقيا، لا أقولُ يَحدُّ من الفجوة ما بين الحكومة والمواطن بل يلغيها، ويُشكّل فريقا شعبيا يبدأ بفهم إشارات الدولة حتى ولو كانت المعلومة أقل قدرا من الفهم. فالثقة قد بُنِيت وهذا الأساس.
الحديث بالإعلام ونظرياته له شجونٌ جميلةٌ نتائجهُ، مُعقّدة آلياته وأدواته، ولكن يمكن من خلال تَلمُّس الخطوات الأولى أن نبني لاحقا ترويجا عاما لأفكار الدولة بكل سلطاتها، فتعميمُ النتائج الايجابية سهلٌ بالمجمل، ولكن يحتاج لمن يقود ويمضي قدما. ويَذكُرني في العام 2004 أن طَلَبَت رئاسةُ الوزراء آنذاك وكان رئيسها السيد فيصل الفايز تأسيس دائرة تسمى دائرة الإعلام الحكومي في الرئاسة، يكون دورها محوريا لما يصدر عن الحكومة ليس فقط من تصريحات ولكن صناعة الأخبار أيضا، وتنسيق ممنهج للإعلام في كل ما يتبع الحكومة من أجهزة. وشُكّلت للاختيار لجنةٌ محكمّةٌ اعتقد كان من ضمنها مستشارا عربيا في الإعلام، ونَسّقت لاختيار مديرها أقصدُ تلك الدائرة, السيدة هالة بسيسو كمنسّقة للجنة قبل تعيينها في وزارة التنمية بعد إذن، وأذكر جيدا إجابتي على سؤال اللجنة ” إذا قَرَأتَ تصريحا للحكومة ماذا تقول؟” فكانت الإجابة كمواطننا أم كمديرا للدائرة المنوي تأسيسها؟ فطلبت مني اللجنة الإجابتين، فكانت إجابتي الأولى كمواطن”تصريح مشكوك فيه والغالب غير صحيح”، أما إجابتي الثانية التي اعتقد هي التي قرّرت اللجنة على أثرها اختياري مديرا للدائرة المذكورة فكانت تتجاوز الساعة والتصف من الحديث، وللعلم لم أستلم تلك الدائرة وكان السبب ببساطة لمشاركتي في مؤتمر، وتعذري للسيدة هاله بسيسو تلك السيدة الرقيقة التي أقدّرها بأنني خارج البلاد، فقد أبلغتني بضرورة لقاء نائب رئيس الوزراء آنذاك الدكتور مروان المعشر لتوقيع العقد، ولما عُدتُ كان مجلس الوزارة قد ولّى، وجاءت حكومة جديدة. ولكن اعتقد أن هذه التجربة – ولو لم تكتمل- دفعتني من وقتها لأبدأ بوضع تلك الملاحظات حول ترويج أفكار الدولة تسويقا وإعلاما منطلقا من محور الحكومة، فكانت لدي تفصيلات أعتز بها وقد يأتي دورها يوما. أما بالنسبة للجنة فمن محاور الحديث والمناقشات ولأول مرة تم ذكر فكرة الناطقين الإعلاميين، واعتقد نقاط التمثيل للرئاسة بشكل ،أفكار أخرى تم تطبيق بعضها وأخرى لا أعلم أين ذهبت.
” التكنوقراط” ليس شرطا بالنجاح والعطاء، ومهما كانت خبرات من يقود الإعلام الحكومي اليوم ممثلا بالسيدة غنيمات، إلا أني لا أشك بأن البداية مبشّرة نوعا ما بالخير. فقد لمستُ أن هناك من يحوم حولَ القاعدة الذهبية للحدّ من الفجوة ما بين المواطن والحكومة إعلاميا، ويُجيزُ أدوات التسويق في رسائل الإعلام بشكل موضوعي وحقيقي.