د. الخطيب: الرحلة تطبيق للتواصل الثقافي والتعاون مع الآخر والاعتراف به إلى حدٍ ما
د. جرار: أدب الرحلات على سعة انتشاره في التراث العربي لم يحظ بالعناية الكافية
د. أبوحمور: الرحلات العربية من أغنى الأوعية الثقافية والفكرية في التراث الإنساني
الكيالي: مشروع ” ارتياد الآفاق ” يؤكد مفهوم أدب اللقاء بين البشر المختلفين في شتى الجغرافيات
صراحة نيوز – عقد منتدى الفكر العربي في مقره، مساء الأحد 1/7/2018، لقاءً ناقش فيه موضوع “تراث الرحلات والتواصل الثقافي بين العرب والمسلمين وأوروبا” وعدداً من القضايا المتعلقة بأبعاد الفكر الجغرافي العربي وأدب الرحلة في ضوء كتاب “أحمد بن قاسم الحجري الأندلسي (أفوقاي) المُترجم والرحالة والسفير” للأكاديمية والباحثة الأردنية المتخصصة في الأدب الأندلسي والاستشراق د. رشأ الخطيب المُحاضرة في الجامعة العربية المفتوحة، وهو الكتاب الحائز على جائزة ابن بطوطة لدراسات الرحلات في دورتها للعام 2017/2018 ضمن مشروع “ارتياد الآفاق” للأدب الجغرافي العربيالذي يشرف عليه الشاعر نوري الجراح.
وشارك في اللقاء الذي أداره الأمين العام لمنتدى الفكر العربي ووزير المالية الأسبق د. محمد أبوحمّور، كل من مؤلفة الكتاب د. رشأ الخطيب، وأستاذ الأدب العربي والأندلسي في الجامعة الأردنية ووزير الثقافة الأسبق أ.د. صلاح جرار بتعقيب حول الكتاب وموضوع اللقاء، كما ألقى الناشر مدير المؤسسة العربية للدراسات والنشر الأستاذ ماهر الكيالي كلمة بالمناسبة حول مشروع “ارتياد الآفاق”، وجرى عرض إصدارات هذا المشروع من كتب الرحلات العربية والدراسات حول الرحالة ورحلاتهم ولا سيما إلى أوروبا وغيرها من قارات العالم.
وفي كلمته التقديمية التي افتتح بها اللقاء، أشار د. محمد أبوحمّور إلى أن تراث الرحلات عند العرب والمسلمين على امتداد القرون الماضية يعد من أغنى الأوعية الثقافية والفكرية في التراث الإنساني العالمي، وتنطوي الرحلات على الكثير من الاكتشافات الجغرافية وملامح المجتمعات والشعوب من شمال أوروبا حتى الهند والصين، بما في ذلك الثقافات والديانات وأنظمة الحكم في البلاد التي وصلها الرحالة. كما أشار إلى أن هؤلاء الرحالة اعتنوا بدراسة مختلف الجوانب بما فيها اقتصاديات الشعوب كجزء من تعرف أحوال البلاد التي تواصل معها العرب ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، أو تلك التي أصبحت ضمن نطاق انتشار الحضارة العربية الإسلامية، مما أغنى الحضارة الإنسانية بخبرات وتجارب زاخرة بالفائدة ساهمت في ارتقائها.
وأضاف د. أبوحمور أن أفوقاي الأندلسي يعد أنموذجاً مشرقاً للعطاء الحضاري من المثقف الأندلسي المسلم في فترة تاريخية دقيقة وحساسة برز فيها دور هذا المثقف في مقاومة العزلة والانطواء واستئناف دوره في الحوار الثقافي الهادف والبنّاء وبث الروح النهضوية لتجاوز المِحن والنكبات التي تمرّ بها أمّته. وأشاد د. أبوحمّور بالدراسة التي قدمتها د. رشأ الخطيب من خلال كتابها وقدرتها الذكية على تقديم صورة المرحلة التاريخية التي عاش فيها الرحالة أفوقاي وشهد أحداثها في القرن السابع عشر الميلادي بعد انتهاء الوجود العربي في الأندلس.
وفي محاضرتها أكدت د. رشأ الخطيب أن الرحلات تعد سواء في وجودها الفعلي أو في تمثيلها النصّي – شكلاً من أشكال التواصل الثقافي بين الشعوب، التي لا نملك منها اليوم إلا ما بقي مسطوراً في الكتب. كما تمثّل الرحلات نوعاً من الأدب غير التقليدي الذي يجعل كل رحلة في نصها الخاص المميز- صورةً للتواصل الثقافي يجسّدها رحالةٌ بعينه في بلادٍ بعينها مع شعوبٍ بعينها، تجعله يعيد اكتشاف ذاته إلى جانب اكتشافه الآخر؛ لأنه يقع على مواطن الضعف والقوة ومواطن الاتفاق والاختلاف في الثقافات المتنوعة ومنها ثقافته، مما قد يمهد سُبُـل انتقال الأفكار والمعارف؛ لأن الرحلة تسجيل أو تعبير بصورة أو بأخرى عن التنوع بين البشر من عادات وتقاليد وأفكار ومعتقدات ونظم متباينة بما يُسهم في فهم مسيرة الحضارة الإنسانية.
وحول مضمون كتابها عن رحلة أفوقاي الأندلسي وسيرته، اعتبرت د. الخطيب أن الرحلة تطبيقاً للتواصل الثقافي والتعاون مع الآخر والاعتراف به إلى حدٍّ ما، فرحلة أفوقاي إلى فرنسا وهولندا بين عامَيْ 1611-1613، تعد من الرحلات المبكرة من العالم الإسلامي تجاه أوروبا، في الفترة التي كانت تحمل ملامح نهضة أوروبية ناشئة، وعوارض ضعف تسري في البلاد العربية الإسلامية، لكنها لم تكن تخلو تماماً من بصيص أمل هنا أو هناك، ويمكن القول إن هذه الرحلة تمثل واحدة من تلك الآمال التي أنارتْ النفق الذي كانت ظُـلمتُه تخيّم على بلادنا، وآثر الرحالة أفوقاي بعقليته المنفتحة على الرغم من صعوبة المرحلة التاريخية وحرجها، أن يترك أثراً ثقافياً ما زلنا نحتفي به على مستوى النص والكلمات التي دوَّن بها الرحلة، أو على مستويات أُخَر ما زالت تنتظر منا مزيداً من الدرس والبحث؛ إذ عقد صلات عديدة مع بعض المثقفين والمستشرقين الأوروبيين، أسفرت عن جهوده التي لا تُنكر في دعم الدراسات العربية في هولندا مطلع القرن السابع عشر، وهو القرن الذي يُعَدّ العصر الذهبي للدراسات العربية في القارة الأوروبية.
والرحلة إلى جانب هذا تكشف عن الأنساق المضمرة المتمثلة في مسائل الجدل الديني التي شغلت تفكير أفوقاي في رحلته، واحتلت قدراً غير يسير من لقاءاته بعدد من أبناء الطبقة الرفيعة من النبلاء ورجال الدولة والقانون وأهل العلم في فرنسا وهولندا، بما يشي بانشغاله في إظهار صورة نقية مثالية للذات أمام المتلقي على الضفة الأخرى للمتوسط.
وفي تعقيبه على المحاضرة والكتاب أوضح أ.د. صلاح جرار أن أهمية الموضوع أنه يتناول مرحلة زمنية فاصلة من تاريخ الأمّة هي العصر الموريسكي، لم تحظ إلا بالقليل القليل من الدراسات بالعربية، ولم يسجل فيها من المؤلفات إلا القليل النادر. وأشار إلى أن بعض المراكز العلمية في تونس والمغرب تعنى بدراسة تاريخ الموريسكيين وتراثهم لوجودهم في المغرب وتونس والجزائر على إثر إجلائهم القسري من الأندلس سنة 1609م، إلا أن عناية الأوروبيين ولا سيما الإسبان بهذا المرحلة وتراثها أكبر كون الإسبان يعدون ذلك جزءاً من التاريخ الإسباني، وهناك الكثير من الوثائق عن الموريسكيين ومخطوطاتهم في المكتبات الإسبانية، والمكتوبة بالحروف العربية واللغة الإسبانية فيما يعرف بإلخميادو أي الأعجمية، كما يوجد عدد كبير من وثائق الإلخميادو في المتحف البريطاني بلندن.
وأشار أ.د. جرار إلى أن من المخطوطات العربية للمؤلفين الموريسكيين رحلة أفوقاي الأندلسي، وهي من بين عدد من المؤلفات الموريسكية المتسمة من حيث الموضوعات بكونها رحلات أو سفارات أو معاهدات أو مناظرات أو رسائل استنجاد أو سير ذاتية نادرة الأحداث ومدهشة التفاصيل، وهي من حيث السمات الأسلوبية فيها تشويق وإثارة وفيها تجاوزات لغوية كثيرة تجعلها أقرب إلى العامية الدارجة، وفيها مفردات أعجمية كثيرة ولا سيما من اللغة الإسبانية.
كما أشار أ.د. جرار إلى أن أدب الرحلات على سعة انتشاره في التراث العربي لم يحظ بالعناية الكافية، وربما يعود ذلك إلى صعوبة تجنيسه لمزجه بين الأدب والرحلة واليوميات والسيرة الذاتية والجغرافيا والتاريخ والقصة، ومزجه بين الحقيقة والخيال وبين الصدق والعجائبية. وأشاد في هذا الصدد بما قدمته د. رشأ الخطيب في كتابها الذي تميّز بالجدة والأصالة والالتزام بالمنهج العلمي الدقيق، والإبداع في المنهج واللغة والأسلوب ونتائج البحث.
من جهته، قال الناشر الأستاذ ماهر الكيالي في كلمته بعنوان “الرحلة جسر بين المشرق والمغرب وبين العرب والعالم”: إنه قد مضى أكثر من عقد ونصف العقد على انطلاقة مشروع “ارتياد الآفاق” وهو المشروع الذي انطلق بمبادرة من الشاعر الإماراتي محمد أحمد سويدي صاحب دار السويدي في أبو ظبي وبالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمّان، ويشكل خزانة لأدب الرحلة يعتد بها وذخيرة في رصيد الدارسين والباحثين أكانوا متخصصين في الأدب الجغرافي ، أو في حقول علم الاجتماع والتاريخ والسياسة والعلاقات الدولية ، حيث يمكن لأدب الرحلة أن يزود هذه الحقول بمادة ثرية ، يحتاجها لقراءة العلاقات بين الثقافات ونقل معارف شتى عن المجتمعات المختلفة تبني جسوراً بين البشر ومجتمعاتهم وحضاراتهم .
وأضاف أن أدب الرحلة كما تمكن مشروع ” ارتياد الآفاق ” بمكوناته المتعددة من تعريفه وتقديمه خلال عقد من الزمن هو أدب اللقاء بين البشر المختلفين في شتى الجغرافيات التي بلغها، وطاف فيها قديماً وحديثاً الرحالة العرب، أي أدب ” التعارف”، وما من ثقافة حضت على ذلك بالطريقة التي فعلت ثقافتنا العربية، ولا عجب فالفكرة كامنة في صلب توجهاتها الروحية العميقة : ” وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ” .. ” وقل سيروا في الارض “.
واستعرض الكيالي عدداً من إصدارات مشروع “ارتياد الآفاق” للعام الحالي 2018 الفائزة بسلاسل هذا المشروع.