صراحة نيوز – بقلم أحمد سليمان العمري
تعتبر روسيا أهم وأقوى حليف ومساند لبشار الأسد في الحرب السورية الأهلية، في الوقت الذي تلعب أمريكا الدور القيادي في التحالف الدولي على داعش والتنسيق مع دول الجوار ومنظمات المقاومة العسكرية في المنطقة.
ذينك القوتين يلعبان دوراً معقداً بين تعاون وتنسق بين الجبهات بحيث يبدو الأمر تارة غير واضح في الحرب بين المليشيات متعددة الاتجاهات والأهداف، غير أن الواضح بجلاء هو تنفيذ خطة استراتيجية دقيقة من قبل روسيا وأمريكا بتنسيق كامل مع اسرائيل وتقديس عربي مذل.
وأما تسارع الأحداث أو إبطاؤها تارة، وتصعيد أو عدم تصعيد أو وقف إطلاق نار ما هو إلاّ مدّ وجزر مدروس أقدّمه في نظرة بسيطة متمعنة.
شهدت الأيام الأخيرة تنامياً في الأساليب البشعة المدروسة التي ارتكبها النظام السوري وانتهاكاته للقانون الدولي مدعمّاً بالغارات الروسية الغاشمة التي قتّلت آلاف المدنيين وجعلت درعا رماداً وزقاقَ أشباح، ممّا أدى إلى هروب المواطنيين العزّل جنوباً إلى السهول الممتدة مع الحدود الأردنية بحثاً عن الأمان ظنّهم بقرار رحيم إنساني من المملكة الأردنية الهاشمية يُمكنَهم عبور الحدود.
هل دخول النساء والأطفال والشيوخ من الحدود السورية إلى الأردن يهدد أمنها؟ أم أن التزام الحكومة باتفاقية “خفض التصعيد” المخترقة في جنوب غرب سوريا 2017 م من الشهر السابع مع روسيا وأمريكا هي الضابط الوحيد لترك الأهل في درعا بين النار والدمار؟
إذا كانت الذريعة الوحيدة بعدم فتح الحدود هي الخوف من الفِرَق المعارضة المسلحة التي “قد” تهدد أمن المملكلة، كما تُقدّم الحكومة والناعقين بتمجيدها، فلماذا لا تُقرّ إدخال من هم تحت السن القانوني من الرجال ومعهم النساء والعجزة؟ وبهذا تضمن عدم حدوث خلل أمني مزعوم يأرّق القرار الأردني في الوقوف مع الأهل في درعا.
بيننا وبين سوريا جوار ودم ودين ونسب، فبأي عرف نقف متابعين القتل اليومي عبر الشريط الحدودي ونسجل في التاريخ مهانة وذل أكثر من التي سُجلت للغرب والعرب المسلمين في آن إبّان الإبادة العرقية في البوسة التي أنكرها العالم بعد الممارسات الشنيعة التي أدت بأكثر من 300 ألف قتيل و2,2 مليون نازح ومشرد حسب إحصائيات مركز التحقيقات والوثائق البوسنية IDC.
فهل ننتظر إيعاز أمريكي لرفع الظلم عن الأهل في سوريا أو فتح الحدود مع درعا؟ أم نسستقبلهم بقرار مستقل يمليه علينا الضمير العربي دون الرجوع إلى مشاورات واتفاقيات من شأنها رفع راية إسرائيل في المنطقة؟ وما هو دور الخليج المعدوم، لا بل المتعاون حيناً حيال القتل الأخير في درعا؟ أم أن الخليج تبرأ بشكل غير صريح بكل من هو خارج المنظومة الخليجية؟ وبهذا جاز له عدم التدخل حتى يُطلب منه تنفيذ أمر أمريكي من شأنه الضغط على دول الجوار العربية.
ولماذا تهمش الحكومة الأردنية رغبة الشارع في فتح الحدود ومعهم قرارات حقوق الإنسان التي تملي على دول الجوار بفتح الحدود إنسانياً دون الرجوع إلى خلفيات قرارت الهدف منها تجويع درعا واستسلام مقاتليها أمام الجيش وكأنها تصفية طائفية بحتة، لا بل دراسة ممنهجة، فقد بيّنت صحيفة “جيروزاليم بوست” 28 من الشهر الخامس لهذا العام الاتفاقية الإسرائيلية الروسية السماح للجيش السوري بإعادة السيطرة على جنوب سوريا من درعا حتى حدود الجولان مع إسرائيل بشرط عدم السماح لإيران وحزب الله بالمشاركة في هذه العملية، وبالمقايل تساعد إسرائيل قوات الأسد في السيطرة على الحدود المذكورة، مع العلم أن الأردن دخلت الاتفاقية بشكل صريح وهذا الذي دفع الحكومة لإبقاء الحدود مؤصدة أمام الحشود السورية في درعا لإضعاف المقاومة، وقد بيّنت الأيام الأخيرة مسار التخطيط الناجح الذي راح ضحيته آلاف الضحايا بين قتل وتشريد ونزوح.
استراتجية النظام السوري باتت مكشوفة للجميع، فطريقة التجويع والتهجير إلى إدلب في الشمال هي في الدرجة الأولى إخلاء واضح للبلاد لأهداف تخدم روسيا وأمريكا معاً وحليفهما إسرائيل، ومن باب جعل المقاومة بين المِطْرقة والسَّندانِ، فإيجاد ممرات آمنة بين الجنوب قرب مدينة درعا وإدلب لإجلاء أكثر من 1000 شخص حسب وكالة إنتر فاكس للانباء في الوقت الذي شنت به روسيا والقوات السورية والحليفة في 19 من الشهر السابع أعنف حملة جوية على مراكز حضرية، والذي أدّى إلى أوسع موجة نزوح منذ بدأ الأزمة قبل سبعة أعوام، حيث فاق عدد النازحين الــ 320 ألف حسب إحصائيات الأمم المتحدة، هذا مع بدء عودة كثير منهم إلى منازلهم في ريف درعا بعد اتفاقية “وقف إطلاق النار” مساء الجمعة بين قوات النظام والفصائل المعارضة في الجنوب.
والذي تضمن إجلاء الرافضين للتسوية من مقاتلين ومدنيين. مناقضة واضحة بين قتل وإبادة وإجلاء لأغراض إنسانية.
ما أشبه اليوم بالبارحة، فجرائم التطهير العرقي التي حصلت في قلب أوروبا وهي من الأبشع والأعنف ضد الإنسانية والتي استمرت من عام 1991 م حتى عام 1995 م إبّان حكومة رئيس جمهورية الصرب السابق رادوفان كراديتش.كان العالم يقف متفرجاً على المجازر الجماعية حتى شارف البوسنيون على الإنقراض دون أي تتدخل دولي.
هل الذي يحدث الآن في سوريا يشبه ما كان في الأمس في البوسنة والهرسك؟ لقد كانت خلفية الحرب الصربية على المسليمين هي تشكيل الدولة متجانسة العرق، فما الذي تريده روسيا والحكومة السورية من وراء الإبادة الجماعية للشعب السوري؟
هل الإجلاء الدائم إلى إدلب هو خلق دويلة جديدة للسورين قد تسبب الأرق لتركيا مستقبلاً وتمهيد لإسرائيل للدخول إلى سوريا عبر الجولان؟ أم إنشاء قاعدة جديدة فيها من 60 إلى 70 ألف مقاتل؟ – حسب دراسات معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وقد يفوق العدد الــ 130 ألف حسب المراقبين – من فصائل متعددة الولاء والانتماء وظيفتها تقديم خدمات لضعضعة المنطقة لمصلحة أمريكا وروسيا كما القاعدة في الماضي القريب.
هناك معادلة أخرى تم صياغتها أيضا كقوة إقليمية تجسدت في تركيا، فالأخيرة عمدت إلى اقتناص الفرصة والحصول على امتياز عسكري وسياسي باتفاق مع القوتين العضمتين روسيا وأمريكا، هذا من باب، ومن أخر وعلى الصعيد العسكري ضمنت لنفسها الاحتفاظ بالقوات المعارضة المدعومة من قبلها عسكرياً ولوجستكيا منذ بداية الحرب الأهلية لتصبح القوة المهددة للملشيات الكردية الهاربة من الضغوط العسكرية التركية نحو الأراضي السورية.
“عملية غصن الزيتون” اسم أطلق على معركة “عفرين” التي بدأت أحداثها يوم السبت 20 كانون الثاني “يناير” 2018 م، هي الدليل القاطع في الدور المحوري في حسم المعركة لصالح تركيا، ولأن تركيا قامت بتمهيد الأرض من خلال سلاح الجو فقد كانت المهمة سهلة في مباشرت قوات المعارضة مع المقاتلين الأكراد من قبل الحدود السورية، في الوقت ذاته واجهت القوات التركية من خلال أراضيها بحيث تمكنت من حصرها والإيقاع بها.
وعلى الصعيد السياسي فقد حظيت تركيا بموافقة دولية، روسية وأمريكة على امتياز حدودها مع سوريا من أقصى الشرق حتى الغرب بحجة مكافحة الارهاب.
هذا وذاك وغيرهم وكل ما بينهم يزيد من تراجع القرار السياسي العربي وتفاقم الأزمة بين دول الجوار الذي بدوره يضعف من الموقف العربي عربياً وعالمياً ويزيد من حجم الضائقة المالية ومعه الفساد والمتنفذين في الأردن وموقف الآن سيحسب له أو عليه.