صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
تصدّرت قضايا التطرف والإرهاب المشهد العام في العقود الأخيرة، وشكلت تحديا واجه وما زال يواجه مختلف دول العالم، لما لها من تأثير سلبي على عقول الشباب وأفعالهم. وقد اختلطت المفاهيم بينهما بحيث أصبح الاعتقاد السائد بين عامة الناس أن مصطلحي التطرف والإرهاب، هما وجهان لعملة واحدة.
ورغم أنهما يتعلقان بالنواحي الأمنية، إلا أن هنالك فَرْق ٌكبير بين مغزى ودلالات كل منهما، علما بأنهما قد يتلازمان في بعض الأحيان. فكلمة التطرف تعني لغويا الوقوف في الطرف البعيد عن الوسط، جنوحا إلى التشدد والتعصب. بينما الإرهاب يعتمد الفعل الإجرامي الذي تقع نتائجه وتأثيره على الآخرين. ومن المؤسف أنه قد ألصق هذان المصطلحان مؤخرا بالدين الإسلامي، علما بأنهما ظاهرتان غزتا مختلف الأديان منذ أقدم العصور، وأصبح لكل دين متطرفيه وخوارجه.
وللإرهاب تعريفات عديدة، قد يكون ابسطها التعريف التالي : ” الإرهاب هو استعمال العنف أو التهديد باستعمال العنف من قبل أفراد أو جماعات لأغراض سياسية، سواء تعمل لصالح سلطة حكومية قائمة أو ضدها، بقصد إحداث صدمة أو فزع أو رعب لدى المجموعة المستهدفة. وعادة ما تكون الغاية منها أوسع نطاقا من دائرة الضحايا المباشرين للعمل الإرهابي نفسه “.
ولابد من الإشارة هنا بأن ليس كل متطرف إرهابي بالضرورة، ولكن كل إرهابي هو متطرف بصورة مؤكدة، نظرا لما يمارسه من عمل إجرامي، يُقْدِم عليه عن سبق إصرار وتعمد. والفارق الرئيسي بين الاثنين أن التطرف كفعل منفصل، يتعلق بالغايات والأهداف، بينما الإرهاب يتعلق بالوسائل والأساليب.
إن الدين الإسلامي في جوهره كما هو معروف دين الرحمة والوسطية، وهو دين العقل وحرية الرأي والاعتقاد، يحارب الإرهاب ويحرّم قتل النفس البريئة، كما جاء في محكم كتابه تعالى : ” ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلك وصاكم به لعلكم تعقلون “. وكذلك فإن الدين المسيحي يحارب الإرهاب واللجوء إلى القتل، إذ قال عيسى عليه السلام معنفا القديس بطرس : ” ردّ سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون “.
لقد واجه الأردن العديد من عمليات الإرهاب ابتداء من عقد السبعينات الماضي، حيث تركزت تلك العمليات على خطف الطائرات، والاعتداء على السفارات الأردنية في الخارج واغتيال الدبلوماسيين وغيرها. ولكن ازدادت خطورة تلك العمليات الإرهابية في العقدين الأخيرين، والتي تراوحت بين العمليات الفردية والجماعية بعد ظهور ما سمي بالدولة الإسلامية ( داعش )، على حدود الأردن الشمالية والشرقية مع كل من سوريا والعراق، حيث أوقعت العديد من الخسائر البشرية في حوادث : فنادق عمان، الركبان، البقعة، قلعة الكرك، والحاث الأخير في مدينة السلط.
من أهم الأسباب التي تؤدي إلى التطرف والإرهاب النواحي التالية :
1. الفقر والبطالة اللذان يعاني منهما الشباب، ويجعلانهما عرضة للإغراءات المادية التي تقدمها المنظمات الإرهابية.
2. الجهل والانقياد وراء المتطرفين مدّعي التدين، واستعداد الشباب غير الواعي لاستيعاب ما يسمى ” بالفكر الجهادي ” طمعا بدخول الجنة.
3. الفراغ وعدم وجود ما يشغل وقت الشباب لعدم توفر المراكز الرياضية والثقافية والنشاطات الاجتماعية، مما يؤدي إلى انحرافهم سلوكيا ولجوئهم لتعاطي المخدرات والقيام بعمليات إجرامية وإرهابية في وقت لاحق.
4. الشعور بالظلم وعدم المساواة في المجتمع، مما يدفعهم للقيام بأعمال انتقامية من خلال انضمامهم إلى المنظمات الإرهابية، أو تشكيل خلايا إرهابية محلية تمارس النهب والسلب وعمليات السطو المسلح على المؤسسات الحكومية والأهلية.
إن محاربة الفكر المتطرف والتصدي للعمل الإرهابي، لا يعالج بالقوة وبالوسائل الأمنية، فهذا علاج مسكّن قد يؤجل عمل الإرهاب لفترة محدودة ولا يستأصله من جذوره. ولكن محاربة الفكر وتقويمه بين الشباب – وهم عماد الدولة – لا يتم إلا بالفكر المستنير، من خلال مقاربات ثقافية وإعلامية، وإرساء قواعد الديمقراطية والحرية والعدالة، وتحسين أوضاعهم المعيشية، بحيث يجري ممارسة ذلك على نطاق واسع، لتحصّن الشباب وبقية أفراد الشعب، وجعل موقفهم عصيا على الاختراق من قبل الفكر المتطرف، وعدم النزوع تبني الإرهاب الذي يقوض الأمن والاستقرار ويعطل تقدم المجتمع.
أما من ناحية الإجراءات العملية التي يجب إتباعها لمهاجمة موقع الإرهابيين، فهذا يعتمد على طبيعة العملية القائمة بذاتها. فإن كانت العملية الإرهابية تتضمن رهائن بشرية مهددة بالقتل، أو أن هناك شيء يمكن أن يتأثر بتأخر الإجراءات، فهذا يستدعي الاستعجال بتنفيذ عملية اقتحام الهدف. وإن كانت بعكس ذلك فلا استعجال في تنفيذ العملية حتى لو أخذت فترة طويلة نسبيا، يجري خلالها أضعاف قدرة الإرهابيين على المقاومة، وإفساح المجال لوضع خطة اقتحام محكمة بعيدا عن الحماس والارتجالية، من أجل تخفيف الإصابات بين المهاجمين، ولا مجال للتفصيل في هذا المقال لأسباب أمنية.