صراحة نيوز – كانت ارض العرب في 12 ربيع الاول من عام 570 للميلاد (عام الفيل)، على موعد مع اكثر لحظاتها اشراقا واستعدادا لاجابة أسئلة التكوين والنهوض؛ اذ كان مولد رسول الله الى البشرية جمعاء محمد صلى الله عليه وسلّم، حدّا فاصلا اطلق طاقة هائلة لبدء تحول قبائل العرب الى أُمّة.
وتلقي ذكرى مولد الرسول الكريم، برزمة من أسئلة النهوض والتخلف والحداثة والتفاعل الحضاري، التي تواجهها الامة العربية اليوم، ولها في سيرة المصطفى اكثر الدروس العالمية، استيعابا لصدمة الانتقال من البناء القبلي الى فضاء الدولة التي واجهت تحديات غير مسبوقة (غربا وشرقا) ووطأة تدخله وعلاقته مع البنى القبلية المهيمنة، وهو ما يشبه الى حد بعيد ما تواجهه الامة العربية اليوم.
يظهر التاريخ أن دولة الاسلام التي اسسها الرسول العظيم وضعت أُسسا مرجعية لفضاءات العقل العربي بتسييد ايديولوجيا الاسلام التوحيدية، فاوجدت ذاتية خاصة لمعالجة قضايا العصر الملحّة، وهو ما عبرت عنه مقاربات العدل والمساواة والاحتكام للقانون الجمعي الجديد، المدخلات التي أمّنت مناخات جاذبة لدولة الاسلام وتوسعها الامبرطوري اللاحق.
كذلك يظهر التاريخ أن أسئلة النهضة شكلت الهواجس الأساسية التي تصدت لها دولة الاسلام، لتخرج الامة من مأزق التمزيق الى ولوج مرحلة من التفاعل الفكري والحضاري بين العرب والامم والشعوب التي دخلت الاسلام، ما ادى الى ما يمكن وصفه بعولمة ذات مركز عربي بأفق إسلامي.
ويرى مفكرون عرب واجانب، أن الانتقال الحضاري العربي الذي قادته دولة الاسلام ما كان ليحدث لولا الجرأة السياسية والفكرية العالية في مواجهة اشكالات الموروث العربي المستقر واطلاق طاقة هائلة لسلسلة من التحولات التي تفاعلت بدورها مع المعطى الجديد في بلاد الفتح شرقا وغربا.
وشهدت بلاد العرب قبل الاسلام سجالات عسكرية وفكرية وسياسية لم يكتب لها ان تفضي الى نتائج ملموسة على صعيد تشكيل الدولة في المنطق التاريخي آنذاك، الا بفضل تراكمها الكمي والنوعي الذي ادى الى بزوغ رسالة الاسلام العظيم على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
ورأي ابن خلدون في معجزة القرآن، أعظم المعجزات وأشرفها وأوضحها، والقرآن بنفسه هو الوحي وهو الخارق المعجز، وإعجازه في داخله ولا يحتاج إلى دليل على صدقه من خارجه، ففيه يتحد الدليل والمدلول.
واستشهد بحديث: “ما من نبي من الأنبياء إلا وأوتي من الأنبياء ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحي الي، فأنا أرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة”.
المفكر الجزائري مالك بن نبي ألّف كتابه “الظاهرة القرآنية” في مسعى لتقديم قراءة معاصرة للسيرة النبوية الشريفة تعتمد على أدوات المعرفة المعاصرة في علم النفس والاجتماع والأنثربولوجيا وفلسفة اللغة، حتى يفهم غير المسلم روح الإسلام كما يفهمها المسلم (أو يفترض أن يفهمها!)، وبهذا النَّفَس كتب الكتّاب الأدباء مثل توفيق الحكيم وطه حسين والعقاد وغيرهم بهدف إزالة غبار الجهل والواقع الإسلامي المرّ عن صورة مشرقة هي أشد ما تكون عليه الصورة إشراقا في عالم البشرية المرتبط بالوحي، والتوفيق بين شريعة السماء وفلسفات الأرض، غير أن هذه الجهود أبطأت مسارها منذ منتصف القرن العشرين، ولم نعد نجد كتّابا يحملون نفس المشعل ويتفاعلون مع البيئة الثقافية الجديدة وعصر التقنيات الرقمية، مع أن الداعي إلى التعرف عليهم أشد وأكبر وأيسر.
أمّا الكاتب العربي الكبير محمود عباس العقاد، فيسجل ان فصاحة سيدنا محمد صلَّى الله عليه سلم تكاملت له في كلامه، وفي هيئة نطقه بكلامه، وفي موضوع كلامه، فكان أعرب العرب، كما قال عليه الصلاة والسلام: “أنا قرشي واسترضعت في بني سعد بن بكر”، واتفقت الروايات على تنزيه نطقه من عيوب الحروف ومخارجها.
ويضيف: وسيدنا محمد كانت له مع الفصاحة صباحة ودماثة تحببانه إلى كل من رآه، وهي صفة لم يختلف عليها صديق ولا عدو، وكان مشهوراً بصدقه وأمانته كاشتهاره بوسامته وحنانه، وشهد له بذلك أعداؤه، فقد وقف يومًا، وقال عليه الصلاة والسلام: “أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح الجبل أكنتم تصدقونني؟” فيقولون: “نعم، أنت عندنا غير متهم”.
تقول إيفلين كوبلد ابنة العائلة البريطانية الأرستقراطية التي أسلمت، في كتابها (البحث عن الله): “كان العرب قبل محمد – صلى الله عليه وسلم – أمة لا شأن لها، ولا أهمية لقبائلها، ولا لجماعتها، فلما جاء محمد – صلى الله عليه وسلم – بعث هذه الأمة بعثاً جديداً يصح أن يكون أقرب إلى المعجزات فغلبت العالم وحكمت فيه آجالاً وآجالاً، لقد استطاع النبي – صلى الله عليه وسلم – القيام بالمعجزات والعجائب، لَمّا تمكن من حمل هذه الأمة العربية الشديدة العنيدة على نبذ الأصنام، وقبول الوحدانية الإلهية، لقد وُفّق إلى خلق العرب خلقاً جديداً، ونقلهم من الظلمات إلى النور”.
ويتحدث الباحث الأميركي جورج دي تولدز( 1815-1897)، عن فضل الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – على العرب حين نقلهم من الهمجية إلى المدنية، وعن دور الرسالة في تبديل أخلاق عرب الجاهلية، حين عمّر ضياء الحق والإيمان قلوبهم”.
سليمان قبيلات – بترا