صراحة نيوز – بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
بداية لا بد من توضيح معنى كلمة ” فسيفساء ” ، كلمة فسيفساء من الإغريقية ، وتعني فنّ وحِرفة صناعة المكعبات ، وهي المعنى العلمي لكلمة ” موازييك ” الذي عُرف من قِبل الرومان ، كما تعني : كنوز ودفائن البشرية ، وفي اللغة العربية تعني : قِطعٌ صِغارٌ ملونة من الرخام أو الخرز أو نحوها يُضَمُّ ( لاحظوا كلمة ” يُضَمُّ ”) بعضها الى بعض فيكوّن ( لاحظوا كلمة ” يُكوّن ”)منها صور ولوحات .. الخ .( لاحظوا جمال وروعة المُنتج ” لوحات ”).
هل هناك أجمل من الوطن !؟ هل هناك أغلى من الوطن !؟ الإجابة بكل تاكيد، لا طبعاً ، لكل إنسان رشيد ، رأيه سديد ، والدليل أن الإنسان يَفتدي وطنه بروحة ، إذاً الوطن أغلى من الروح .
على مدى علمي المتواضع ، لا يوجد وطن واحد على وجه البسيطة خالٍ من التنوع ، أي يتكون شعبه من عِرق واحد غير ممتزج مع دم من عرقيات أخرى ، ويدين بنفس الدين دون وجود إثنيات وعرقيات ومذاهب أخرى ، وهذا يدل على أنها مشيئة ربانية أن تتمازج وتختلط الأعراق والأديان وتتعدد في الدين الواحد عدة مذاهب وتفرعات . سكان الأوطان يشبهون ألسهول أو ألمروج الممتدة المكسوة بأزهار وورود الربيع ، التي يَكمُن جمالها في تنوعها ، الربيع وهو أجمل الفصول ، يكمن جماله في تعدد ألوانه وعدم تجانس أطواله ، وأوراقه ، وأفنانه ، جماله في تنوعه ، سكان الأوطان يكمن ثراء مجتمعاتهم في تنوعهم ، الذي يُثري هذه المجتمعات ، فالتنوع خير ، وليس شر ، التنوع محبب للانسان السوّي ، ومُنفر للغبي ، منغلق الفكر ، قليل الإدراك ، سلبي التفكير . اللوحات الفسيفسائية يكمن جمالها ، في تعدد ألوانها ، وإختلاف أشكالها ، ولو كانت بنفس اللون والشكل ، لإختفى الجمال ، وغاب الخيال ، وحلّت الكآبة والرتابة ، بدل الجمال ، والإبداع .
التنوع فيه إثراء ، وعطاء ، وإبداع ، وجمال ، وتعدد ، وتنوع ، وعليه من الطبيعي أن يتكون الشعب من أصول ، ومنابت ، وقوميات ، وأعراق ، واديان ، وإثنيات ، ومذاهب ، مختلفة ، تنضوي ، وتتمازج ، وتتماهى ، وتنصهر ، في بوتقة الوطن ، والانتماء اليه ، والعطاء والتضحية لأجله . الإنسان صحيح العقل ، المستنير ، المتحضر ، يؤمن بالتنوع ، ويعتبره خيراً ، وليس شراً وإبتلاءاً ، ويَعرف ، ويَفهم ، ويَتصرف ، ويتعامل مع الآخرين ، وفق مفهوم أنه ليس من حقه فرض معتقده ، أو مذهبه ، أو حتى عاداته ، وسلوكياته ، وقناعاته على الآخر .
لكن مشكلة الأوطان ، التي تود أن تعيش بسلام ، تكمن في الاستهداف من الدول القوية ، المستبدة ، المسيطرة ، الطامعة ، التي يكمن الشر في سياساتها العدائية ، العدوانية ، التي تخطط لتعكير صفو الأوطان المسالمة ، وذلك بإستغلال إختلاف الدين او العرق ، وتعزف بخبث على أوتار الطائفية أو العرقية أو الجهوية ، أو المناطقية ، أو حتى الكثرة العددية ، لخلق صراعات بين أبناء الوطن الواحد ، لفكفكة اللُّحمة الوطنية ، وتجزأت الولآءات الوطنية ، وتغييب الإنتماء والولاء الجمعي للوطن ، الى ولاءات فرعية ، هامشية ، تضر بالوطن وكل مواطنيه ، الاستهداف الخارجي الكريه ، يعمل على تشويه الفسيفساء الوطني الجميل ، بعمل نُدبات لتشويه اللوحة الجميلة للوطن ، فيُحطِمها ، بعد أن يَنفذ اليها عن طريق التشويه الجزئي ، فيتحول الجمال الى خراب ، وتُخلق صراعات ، وتتفكك المجتمعات ، بإثارة النعرات العرقية ، أو الدينية ، أو المناطقية ، أو الجهوية ، أو الفئوية ، أو المذهبية ، والنتيجة ، دمار الأوطان ، وفقد الإنسان ، والكل خسران ، والرابح الوحيد الأعداء .
الفسيفساء الوطنية ، حالة ربانية ، فلو شاء رب العباد لجعلنا كُلّنا من نفس العِرق ، واللون ، والدين ، وحتى العادات ، والتقاليد ، والطباع البشرية ، والسبب أو الغاية الربانية تكمن في أن في التنوع ثراء ، وإثراء ، للبشرية جمعاء ، والدليل على أن التنوع آية وغاية ربانية ، الآية الكريمة التي جاء فيها (( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إنا الله عليم خبير )) صدق الله العظيم ، الآية ١٣ من سورة الحجرات ، إذاً الأمر رباني ، وإن الله عليم خبير ، والأفضل عند الله سبحانه وتعالى هو من يتصف بالتقوى والخُلق القويم . اللهم إحفظ وطني من كيد الكائدين ، وتربص المتربصين ، وحقد الحاقدين ، وإستهداف المستهدِفين .
في أحد الأيام سألت أحد وزراء الثقافة : هل لدى وزارة الثقافة نية لوضع إستراتيجية لصهر التنوع الفسيفسائي الأردني الثري الجميل في بوتقة الوطن ليعزز الإنتماء للوطن ويقوي الجبهة الداخلية أمام الخطوب المرتقبة التي تحدق بنا ؟؟ أجاب على جميع أسئلة السائلين دون التفات او تعليق على سؤالي !!؟؟