صراحة نيوز – بقلم الدكتور ابراھیم بدران
بعد صمت الطبول واطفاء الانوار حول كوشنر في ورشة المنامة ینبغي التفكیر فیما ھو وراء الحفل والكلمات والمشاریع. وتدل جمیع المؤشرات على أن ھناك أھدافا أربعة غیر معلنة للقاء المنامة: الأول خاص بالمسألة الفلسطینیة والثاني بالانتخابات الأمیركیة القادمة والثالث .
بالخلیج العربي والرابع بالجماھیر العربیة عموماً صحیح أن أھم ما میز الورشة ذلك المكر والخبث السیاسي في غلاف من الضحالة والسذاجة والسطحیة المفرطة التي اتسم بھا خطاب كوشنر وما عرضه من مشاریع التي في الغالب اقترحھا علیه بنیامین نتنیاھو وعدد من مستشاریه ذلك أن النظر إلى موضوع الصراع الفلسطیني الصھیوني الاسرائیلي على مدى 120 عاما على انه یمكن انھاؤه بمجموعة من مشاریع تحفیز وھمي لاقتصادات 5 دول أمر فیه تفاھة وسذاجة وفیه في نفس الوقت المكر والخبث.
ففي المسألة الفلسطینیة لم یتعرض كوشنر إلى الدولة الفلسطینیة وحق الفلسطینیین في إقامة للقرارات الدولیة ابتداء من قرار التقسیم العام 1947 دولتھم على ترابھم الوطني تنفیذاً وانتھاء بقرارات مجلس الأمن 232 و238 وما بعدھا كما تجاھل الحقوق السیاسیة وحق تقریر المصیر وحق اللاجئین بالعودة. ھذا ھو موقف نتنیاھو تماما الذي یعتقد أن جر الفلسطینیین والأقطار العربیة خاصة تلك المحیطة بفلسطین إلى تشبیكات اقتصادیة ومالیة ولوجستیة مع .
ویتجاھل نتنیاھو اسرائیل سوف یجعل الفلسطینیین والعرب ینسون الموضوع السیاسي كاملاً إن مفتاح الصراع الفلسطیني الاسرائیلي ھو جملة بسیطة: انتھاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطینیة وعاصمتھا القدس. وان صاحب القرار في تناول الموضوع لیست الولایات المتحدة ولا الدول العربیة وانما الشعب الفلسطیني ذاته المتجذر في أرضه وسلاحه الصمود سنة بعد لتوقع بن غوریون وأتباعه بأن الجیل الثاني سنة وجیلا بعد جیل حتى ینتھي الاحتلال.
وخلافاً من الفلسطینیین سوف ینسى فلسطین والجیل الثالث لن یذكرھا نھائیا فأطفال فلسطین من الجیل الثالث أشد تمسكا بوطنھم. فلذا لا قیمة لما یقترحه نتنیاھو من خلال كوشنر على الأنظمة العربیة أو رجال الأعمال.
إن الأرقام التي عرضھا كوشنر من الھزالة التي تعكس استخفاف العقل الصھیوني بالأمة العربیة. یتحدث كوشنر عن 50 ملیار دولار على مدى 10 سنوات بین 5 دول وكأنه یشتري قطعة أرض بالتقسیط ناھیك على وطن بأكمله یرید شراءه بھذه المبالغ. وبسبب ارتفاع البطالة تحدث كوشنر عن مشاریع سوف تخلق ملیون فرصة عمل. أو 100 ألف فرصة عمل سنویا .
أي سذاجة ھذه حین یكون احتیاج الدول الخمسة 5.1 ملیون فرصة عمل سنویاً أما الأموال التي ستأتي للانفاق على تلك المشاریع ”المخیفة“ فستكون قروضا وتسھیلات مالیة موجھة للبنیة التحتیة ولیس للانتاج، وعلى الشعوب أن تسددھا. ویتحدث عن مشروع تحلیة المیاه لربط شبكة المیاه الأردنیة بالشبكة الاسرائیلیة على أمل أن التشبیك المائي سیجعل مناطق من الأردن معتمدة على میاه اسرائیلیة وبذا بالاضافة إلى الغاز یتم وضع سقف لأي تحرك سیاسي أردني. إن جمیع المشاریع التي تحدث عنھا كوشنر تستطیع الدول المعنیة
اقامتھا وبامكاناتھا الذاتیة إذا احسنت الإدارة وأحسنت التعاون فیما بینھا.
وفي المسألة الأمیركیة یحاول ترامب أن یبین للوبي الصھیوني انه اعطى اسرائیل ما لم یعطھا ایاه أي رئیس امیركي سابق، ومكنھا من العرب والفلسطینیین من خلال سیاسته التي خرقت القانون الدولي والاعراف السیاسیة وضربت بعرض الحائط القانون الانساني ابتداء من بمحاولة تدمیر الاونروا وتغافل حق اللاجئین
اعترافه بسیادة اسرائیل على القدس ومروراً وانتھاء باعترافه بسیادة اسرائیل على ارض لا تملكھا ھي الأراضي الفلسطینیة بما علیھا من مستعمرات وكذلك الجولان السوریة. وھو أي ترامب یرید المقابل ویرید الثمن وھو أن یعاد انتخابه مرة ثانیة بأقصى دعم ممكن من اللوبي الصھیوني.
وفي مسألة الخلیج العربي فإن انظار نتنیاھو والیمین الاسرائیلي تتجه بلؤم وخبث إلى الخلیج كمصدر للمال، تماما كما فعل ترامب حین راح یضغط على دول الخلیج بكل اتجاه لشراء مزید من المعدات والأسلحة والمشاریع الأمیركیة. ولذا فإن الھدف البعید لاسرائیل إقامة منصة اقتصادیة مالیة لھا في الخلیج، وجاءت ورشة المنامة كمنطلق علني لذلك. ویتحدث كوشنر عن شبكة سكة حدید لتمتد عبر الأردن إلى الخلیج. والھدف الاسرائیلي الذي أعلن عنه أكثر من وزیر اسرائیلي ربط ھذه الشبكة بخط حدیدي من میناء حیفا إلى اربد إلى دول الخلیج
ومن ثم تشجیع المستوردین والمصدر على التصدیر والاستیراد عبر میناء حیفا على طریق تعمیق التشبیك الاقتصادي واللوجستي العربي مع اسرائیل.
ولابد من القول بأن ایران بتدخلھا المسلح وغیر المبرر في شؤون دول المنطقة تساعد اسرائیل في اھدافھا لأنھا أصبحت مصدر تھدید لدول الخلیج. ومن خلال الضغط الامیركي والتلویح بمسألة الحمایة وتكالیف ھذه الحمایة یجري فتح الابواب للتعامل مع اسرائیل على الرغم من الرفض الشعبي لذلك في جمیع دول المنطقة.
وفي مسـألة الجماھیر العربیة فإن الھدف الاسرائیلي من الورشة ھو اقناع العرب بأن اسرائیل موجودة ومقبولة واصبحت جزء من المنطقة. وھذه النقطة واحدة من دفاعات نتنیاھو ازاء اتھامه بأنه یدفع باسرائیل إلى العزلة لتنتھي إلى حائط مسدود. ومع ھذا فإن الجماھیر العربیة ترى في اسرائیل عدوانا دائما وخطرا محدقا لابد من وضع حد له مھما كانت المواقف الرسمیة.
وأخیراً لا بد من التأكید على 3 نظریات تتصارع في المنطقة العربیة: نظریة نتنیاھو القائلة بأن التشبیك الاقتصادي العمیق في المرافق الأساسیة (الطاقة والمیاه والنقل والمال) بین اسرائیل والأقطار العربیة سیجبر ھذه الدول على السكوت عن كل ما تفعله اسرائیل حاضراً ، وسوف توصله إلى أموال النفط. والثانیة نظریة الفلسطینیین وھي أن صمودھم على ومستقبلاً ترابھم الوطني بأي ثمن ومھما كانت التضحیات سیجبر اسرائیل عاجلا أو آجلا على الاعتراف بحقوقھم السیاسیة وقیام دولتھم الوطنیة في فلسطین. والثالثة نظریة الشعوب العربیة وھي أن التفاف الشعوب حول أنظمتھا ھو الذي یمنح الأنظمة القوة والمنعة التي یمكن من
خلالھا مواجھة الضغوط والخدع التي تخفیھا اسرائیل. وأن مستقبل الأمم لا تصنعه المعونات والقروض ولا المنح والحمایة الأجنبیة بقدر ما یصنعه العقل والعلم والعزیمة والمشروع الوطني.