صراحة نيوز – بقلم د . صبري الربيحات
في نظامنا السياسي الأردني يفترض ان تقدم الحكومة سياساتها وخططها وبرامجها وموازناتها لمجلس النواب وتحصل على موافقة المجلس قبل ان تباشر بتنفيذه. من المؤسف ان ذلك لا يحدث دائما او قد يحدث بطرق لا تسمح بالمناقشة والتدقيق. في هذا العام اتخذت الحكومة سلسلة من الاجراءات للخفض والرفع والزيادة وجرى عرضها عبر وسائل الاعلام في لقاءات جرى الترتيب لبثها حية على الهواء قبل ان يسمع المواطن عن مناقشاتها مع مجلس الامة واقرارها من قبله.
بالامس كانت المرة الثالثة التي تجتمع فيها الحكومة مع القوى والفعاليات الاقتصادية والشعبية والاعلام لتقدم لهم وللمجتمع الاردني حزمتهم الثالثة الموجهة الى تحسين الاوضاع المعيشية للمواطن. وسط ادبيات التحفيز والتشجيع والانعاش ونسب الاعفاء والتخفيض يدقق الأردنيون في البرامج والحزم والمصفوفات باحثين عن الاثر المحتمل على معيشتهم وعن مدى شمولها على مفاهيم النهضة التي طرحها الرئيس في الايام الاولى لتوليه الموقع .
اهداف العقد الاجتماعي الجديد الذي بشر به الرئيس وقال انه سيحقق بناء الدولة القوية والاقتصاد المعافى اضافة الى دولة التكافل التي يتحمل الناس فيها مسؤولياتهم الضريبية ويتلقون خدمات نوعية مميزة تلاشت لحساب حزم ومصفوفات طالت العقارات والسيارات الكهربائية وتخفيضات على اسعار الكهرباء لبعض القطاعات تبعها دمج شكلي لعدد من المؤسسات وزيادات طفيفة على رواتب واجور العاملين دون بيان للأثر الاقتصادي والمالي لهذه الخطوات.
خلافا لكل ما يتهم به المواطن الاردني من سلبية وجلد للذات واساءة للظن والتشاؤم تشير الشواهد الى ان الانسان الأردني يتمتع بإيجابية وتفاؤل يفوقان بكثير من يتهمونه بذلك. فهو اكثر مغفرة وتسامحا وطيبة واستعدادا لتصديق الوعود وتناسي الاخطاء كما انه جاهز وعلى الدوام للتعاطي مع ما يعرض عليه او يقال له حتى وان كانت تجربته مع الوعود مريرة.
بموجب العادات والتقاليد الأردنية يمكن للأردني ان يعفو عن قاتل ابنه اذا ما ادرك او اقتنع ان لا نية لدى الفاعل ولا قصد لديه لكنه قد لا يكون قادرا على المغفرة اذا ما احس بغير ذلك. خلال السنوات الماضية سمع المواطن وعود الحكومات بالازدهار والتقدم وفضائل الخصخصة فصدقها وقبل بنتائجها باعتبارها اخطاء في التقدير.
كما سمع عن التعليم الموجه لإعداد الانسان العصري القادر على الانجاز والتميز وآمن بخطط هيكلة الاقتصاد وصرف النظر عن انتقال ملكيات الشركات الى مستثمرين استراتيجيين وغير استراتيجيين وتقبل ارتفاع الضرائب وغلاء الاسعار وازاح النظر عن طريقة ادارة ملف الطاقة وطرق تسعيرها.
في بلادنا اعتاد الناس على سماع شعارات وكلاشيهات “الظروف الدقيقة” و”اكثر من اي وقت مضى” وصدق الناس المقولات بالرغم من تكرار هذه العبارات لعقود وسنوات. وسنة بعد سنة يتجدد الوعد والامل بأن تتغير الاحوال ويقف الناس على بداية الطريق الذي ينتشلهم من اوضاعهم دون نتيجة فيتحلون بالثبات والصبر.
اليوم يستمع الناس بقليل من الامل لعروض الحكومة التحفيزية ويتابعون تفاصيل الحزم ومصفوفاتها. البرنامج الحكومي المعروض محاولة متواضعة لمجابهة اليأس لكنه لا يعالج الاختلالات ,فالقطاع العقاري الذي اصيب بما يشبه الشلل بعد توسع الدولة في انشاء المدن والضواحي السكنية يحتاج الى ما يسمح له بالحركة ولو بصورة مؤقتة . الكثير من المعاملات التي سجلت بعد عرض حزمة الحكومة الاولى كانت مجمدة او مؤجلة لعدم قدرة اصحابها على دفع الرسوم او اتمام عمليات البيع والشراء. كما عانى تجار السيارات الكثير من جراء تذبذب القرارات الحكومية.
الاقتصاد الأردني يحتاج لاكثر من خفض رسوم هنا وزيادة هناك فلا بد من اقرار خطوط وسياسات عامة وثابتة مثل فتح ابواب الاستثمار في القطاعات المتاحة بعيدا عن الانتقائية كما يحدث في الطاقة والسماح للجنسيات العربية بالدخول للبلاد دون قيود وتعقيدات والضرب على ايدي السماسرة والمبتزين ووقف الاجراءات والمعاملات الخاصة ومكافحة الفساد اضافة الى خفض اسعار المياه والكهرباء في المحافظات التي تحتاج الى مشروعات تنموية وتشجيع طلبة الجامعات على العمل في المنشآت الصناعية والخدمية من خلال اعتماد نظام اجور بحسب الساعة وليس الاسبوع او الشهر.