صراحة نيوز –
وجه ال المجالي الكرام دعوة لحضور فيلم خاص عن مسيرة المرحوم عبد الوهاب عطالله المجالي والذي سيقام يوم السبت الموافق 4 كانون الثاني الساعة السادسة مساء في المركز الثقافي الملكي .
ولد الراحل عبد الوهاب المجالي في مدينة الكرك الأبية عام (1924م), ونشأ في بيئة مشبعة بحب الوطن ومليئة بالخير والألفة بين الناس, وكانت السنة التي ولد فيها مليئة بالأحداث المهمة, التي أثرت في تاريخ الأردن, حيث زار الشريف الحسين بن علي مدينة عمان في كانون الثاني عام (1924م), وفي السنة التي ولد فيها انتخبت مقاطعة الكرك, زعل المجالي وعبد الله العكشة نائبين عن الكرك في مجلس النواب اثر صدور قانون انتخاب النواب لسنة (1923م).
تلقى تعليمه الابتدائي في مدينة الكرك وحصل على شهادته الثانوية من مدرسة السلط الثانوية رائدة المدارس الثانوية في الأردن, بعد ذلك عَمِل معلماً في ثانوية الكرك نظراً لحاجة الوطن إلى الكوادر المتعلمة من أبنائه, وقرر متابعة دراسته الجامعية فسافر إلى دمشق لدراسة الحقوق عام (1942م), وكان من زملائه في الدراسة هناك هزاع المجالي وهاني العكشة ونزار الرافعي وسعد جمعة وغيرهم, كما وتابع دراسته بعد ذلك في جامعة توليدو الأمريكية ليحصل منها على شهادة في ‘طرق إنعاش التجارة والتصنيع’ عام (1953م).
بين المحاماة والعمل الدبلوماسي
بعد أن حصل عبد الوهاب المجالي على درجة البكالوريوس في الحقوق عاد لوطنه ليعمل محامياً في مدينة الكرك, نظراً لحاجة الكرك له وليتمكن من مساعدة أهلها في هذا المجال, افتتح مكتباً للمحاماة وكان من أوائل المكاتب وأقدمها, ثم جاء تعيينه في وزارة الخارجية التي أرسلته سكرتيراً للقنصلية الأردنية في القدس عام (1947م) قبل أن يتم نقله إلى السفارة الأردنية في بغداد, وبسبب حاجة أهله وإخوانه الصغار له, فقد كان يقوم على رعايتهم, قرر العودة للعمل في وطنه الأردن, فكان أن طلب من دولة الأستاذ توفيق أبو الهدى نقله إلى عمان ليرعى عائلته, فعمل أولاً في رئاسة الوزراء مساعداً لسكرتير الرئاسة.
اقتصادي مؤسس
ثم نُقل لوزارة الاقتصاد حيث كان الأستاذ حمد الفرحان وكيل الوزارة, وقد عملا معاً ضمن صيغة محكمة وجهد مخلص, تمخض عن مرحلة جديدة في بناء الاقتصاد الأردني, عن طريق وضع حجر الأساس للعديد من الشركات العامة, وإطلاق المشروعات الكبيرة, فساهم في إنشاء شركة مصفاة البترول وشركة الأسمنت والكهرباء والفوسفات, وبقي يحمل هاجس تطوير الاقتصاد الأردني في أبعاده المختلفة, فهذا هو عبد الوهاب, رجل الممكن, رجل الاعتدال, رجل المثابرة والإنجاز, باختصار رجل الانتماء للوطن.
زهد بالمناصب
تشير أوراق الأرشيف الرسمي أن الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه كلف عبد الوهاب المجالي نهاية حزيران عام (1970م) بتشكيل الحكومة لكنه رفض لأسباب وطنية, ولكن تصاعد التوتر في البلاد الذي سبق أحداث أيلول حال دون حصوله على لقب ‘دولة’, فعهد الملك إلى عبد المنعم الرفاعي بتشكيل الحكومة.
شكل الأستاذ عبد الوهاب المجالي جيلاً متميزاً من الأردنيين الذين عرفوا عمق الشعور بالمسؤولية والتفاني في الخدمة العامة فعُرفوا بصواب الرأي وسداد النهج ووفرة العطاء والثبات على المبدأ.
هذا وقد كان له دور فاعل في مشروع الزيوت النباتية واتفاقية إنشاء مشروع البوتاس العربي المشترك, وتوقيع اتفاقية سد المقارن بين الأردن وسورية, ومشروع قناة الغور الشرقية ومشروع صناعة الورق, ومشروع الدباغة وذلك بحكم خبرته بالعمل بوزارة الاقتصاد.
قومي عروبي
رأى وهو صاحب الميول القومية منذ جامعة دمشق جرائم الصهاينة في القدس, ووجد في حركة القوميين العرب مظلة لأفكاره السياسية, فانخرط في صفوفها منذ تأسيسها عام (1953م) وتعرف الى قادتها, وفي مقدمتهم الدكتور جورج حبش, ولم يغادر صفوفها إلا عام (1957م) عند حل الأحزاب وفرض الأحكام العرفية في البلاد, لكن أبا عامر ظل في التصنيفات السياسية قومياً عروبياً حتى يومه الأخير.
النائب والوزير
حجز عبد الوهاب المجالي مقعده في مجلس النواب الأردني قرابة ربع قرن, وخلال فترات تعليق المجلس لأسباب طارئة أصبح في المجلس الوطني الاستشاري الذي تشكل عام (1978م) لثلاث دورات متتالية, هذا وقد تولى العديد من المناصب الوزارية منذ عام (1962م) وعلى مدى ربع قرن تضمنت حقائب الاقتصاد الوطني, والتربية, والداخلية, والمالية, والدفاع, وشؤون رئاسة الوزراء بدأها مع الرئيس وصفي التل عام (1962م), وأنهاها نائباً للرئيس زيد الرفاعي في حكومته الأخيرة عام (1985م) هذا وقد اشترك في ثماني حكومات وتولى عدة وزارات مختلفة تنقل بينها وكأنه ينتقل في بيته من غرفة إلى أخرى, وقد شاع حب العمل في كيانه وطغى شرف الخدمة على وجدانه وساعدته خبرته في الإدارة على رسم الأهداف والسياسات كونه رجلاً راجح العقل يسهل الصعب ويبسط المعقد, فتجده قد عمل وزيراً للتربية والتعليم بين عامي (1962- 1963)م, ووزيراً للداخلية والبلديات والشؤون القروية عام (1965م), ووزيراً لشؤون رئاسة الوزراء, وقد عمل رئيساً للوفد الأردني لمفاوضات إعادة ترسيم الحدود الأردنية السعودية عام (1966م), وشغل منصب وزير النقل في العام نفسه وزيراً للمالية من عام (1966- 1967)م, ونائبا أول لرئيس مجلس النواب عام (1969), ووزيراً للدفاع وشؤون رئاسة الوزراء عام (1970م), ورئيس لجنة الشؤون القانونية ورئيس لجنة الشؤون المالية ورئيس مجلس إدارة الفوسفات, ومديرا عاما في الفترة ما بين عامي (1970- 1974)م, ومن عامي (1976- 1981)م, وعضو مجلس إدارة البنك المركزي.
أوسمة ونياشين
وخلال مسيرة حياته المكللة بالنجاح والمثابرة والعطاء حصد العديد من الأوسمة الأردنية, أبرزها وسام النهضة والكوكب والاستقلال من الدرجة الأولى, ومن العربية والعالمية وسام العلوي المغربي من الدرجة الأولى والاستقلال التونسي من الدرجة الأولى وأوسمة من الحبشة وماليزيا.
تميز أبو عامر بأخلاقه السامية التي جعلت منه رمزاً مهماً بين أفراد الشعب الأردني فكان صادق الصداقة وفياً, لين الجانب, هادئ النفس, وفيَّ المعشر, يقدر الضروريات, يطعم الجائع ويؤوي الطارق, ويسهر مع المريض, ويحث المقصر على الاجتهاد. فكان مدبراً بالفطرة وقائداً وزعيماً في المجموعة البشرية من حوله ‘وزعيم القوم خادمهم’ هكذا كان عبد الوهاب المجالي وهكذا استمر وبالنتيجة بادلته المجموعة من حوله حباً بحب وحدباً بحدب واحتراماً باحترام, وبالتالي فإن كل ما استحقه من ثقة وتقدير جعله باقيا بين الأردنيين جميعاً ليس فقط بين أبناء الكرك الأبية.
الوطن أجندة وغاية
لم يكن عند أبي عامر أجندة تحكمه ويسير بمقتضاها بل أجندته كانت وطنية من الطراز الأول طُبع على جميع صفحاتها حب الأردن والإخلاص له وتذليل الصعاب من أجله ومواصلة الليل بالنهار لتشييد بنيانه وإعلاء صروحه ومؤسساته وكانت أهم أبجدياته الإخلاص للعرش الهاشمي والتفاني في حب الوطن وترسيخ الوحدة الوطنية والعمل على التضامن العربي في الطريق السليم الوحيد إلى الوحدة العربية الشاملة وتطبيق اتفاق الوحدة الاقتصادية العربية وتوثيق عراها من خلال تأسيس المشروعات المشتركة المجدية, ومن هنا تظهر شهامة الرجال الممزوجة بصلابتهم وقوتهم… إنهم الرجال الذين يرقون بحق بأن يُسمُّوا بالمشايخ لأفعالهم الجزلة ولمواقفهم المعطاءة حيث إذا وعدوا صدقوا وإذا قالوا وفوا وإن ظهروا يظهرون بسمة الرجال الذين تتبلور منجزاتهم بدافع أصلهم الكريم.
لاقى المرحوم الأستاذ عبد الوهاب المجالي وجه ربه صبيحة يوم الخميس الحادي عشر من تموز عام (1991م) حيث ووري جثمانه الثرى في قرية الياروت في محافظة الكرك. رحم الله فقيد الأردن رجل الموقف المرحوم الأستاذ عبد الوهاب المجالي وأسكنه فسيح جناته.