صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
والله إنني أرأف على الناس في هذا الكون من هذا السُخف وهذا الضَعف . لِدُولٍ كان يَتطلع اليها البعض والحسرة تملأ قلوبهم تشوقًا وتلهفاً لحمل جنسياتها ، لانها كانت تُشكل ارقى النماذج في التطور والرقي الحضاري والإنساني والتكنولوجي ، وكُنا نعتقد ان مكانة المواطن عندها تجاوزت مرحلة الاحترام ، وتوفير العيش الرغيد ، وتحقيق العدالة ، وتقديم كل الحقوق التي يكتسبها وفق مواطنته ، وان مكانة المواطن عندهم وصلت درجة القُدسية ، وانها تُسخِّر كل طاقاتها وإمكاناتها لخدمته وسعادته . سُخف ، بسبب فشل غالبية دول العالم خاصة الدول المتحضرة عالية الإمكانات والجاهزية ، وضعف ، لأن العالم بأسره وشعوب الغرب مصدومة من هَشاشة وضَعف إمكاناتها ، وجَديتها ، في مواجهة الفايروس . مع ان دولاً ضعيفة الإمكانات والقدرات ، أدارت هذه الجائحة بكل كفاءة واقتدار ، مثل بلدنا الحبيب الأردن . مع ان الحكومات الاردنية المتعاقبة لأكثر من عقدين من الزمان ، ومنها الحكومة الحالية ، لم تتصف بِحُسن الإدارة ، باستثناء تعاملها مع هذه الجائحة . إذ تبين وبشكل قاطع لا يَدعُ مجالاً للشك بان أهم ما يجب ان تُركز عليه الدول هو الإدارة ، وإعطاء حياة الإنسان اولوية ، نعم تبين ان الموضوع ، موضوع إدارة قبل ان يكون موضوع إمكانات وقدرات ، وحُسن تدبير ، وتوظيف الإمكانات المتاحة ، مع إدارة إنسانية ، أكرر إدارة إنسانية جيدة ، جسورة ، جريئة ، حصيفة ، منتمية للبلد ، أولوياتها إنسانية ، حريصة على حياة مواطنيها قبل كل شيء واهم من كل شيء .
فايروس ، مجرد فايروس ، أرعب العالم ، وعَطّْلَ حياة الكون ، ، وشَلَّ الحياة شللاً تاماً كاملاً بشكل يفوق الخيال . تجد ان العالم كله قد شُلّ تماماً ، لا بل أوشك على الموت ( دْنَفْ للميته ) ، فأغلقت كل الدول حدودها ، وأوقفت حركة الطيران وكل وسائط النقل التي تربط بين الدول ، لا بل حتى بين مدن الدولة نفسها ، لا بل وحُجِرَ على المواطن ومنعه من التنقل بين الأحياء في مدينته وحتى قريته ، وأُوقفت المصانع ، والتجارة ، والمؤتمرات ، واللقاءات ، والاجتماعات ، لا بل وحتى المصافحة باليد أصبحت مُرعبة ، وأُغلقت أسواق المال ، والمسارح ، ودور السينما ، والمقاهي ، والمطاعم ، لا بل والأصعب والأقسى إغلاق درر العبادة من مساجد وكنائس ومعابد ، وسيطر الرعب والهلع والخوف ، وتخلى رؤساء الدول عن مواطنيهم ، وتركوهم لمصيرهم ، يموتون في الشوارع والساحات خارج المستشفيات ، حتى ان بعض دول الغرب التي تدعي حضارية نهجها وحرصها على مواطنيها ، أقدمت بعض هذه الدول على نَزْعِ أجهزة الأكسجين عن المصابين بالفايروس ممن أعمارهم تزيد عن (٦٥ ) عاماً . وفي امريكا إضطر الكادر الطبي لإرتداء أكياس القمامة ، لعدم توفر الملابس الخاصة التي تحفظهم من العدوى . كما ان أحد الأمريكان مقيم في السعودية رفض العودة الى امريكا عند الطلب منه مغادرة السعودية والعودة لبلاده ، حيث قال ان بقائه في السعودية أأمن له . وفي بريطانيا التقى احد المواطنين رئيس الوزراء في احد المستشفيات ، حيث أنّبه على نقص الأطباء والكادر الطبي ، وقال ان هذا المستشفى لا يصلح ولا تتوفر فيه الخدمات والأجهزة المطلوبة . يعني دول مقتدرة تَقتل مواطنيها مع سبق الإصرار ، أية دول هذه ، وأية مواطنة تدعيها !!؟؟
لو تنبأ احد المحللين او المتنبئين وقال بان فايروساً ما سَيعمل عمله ، كما عمل فايروس كورونا الآن ، لنُعِت بالجنون ، والهرطقة ، ولإستسخف ، وإستخف العالم واستهجن هذه الرؤية . ولقيل له انه لا يُدرك عَظمة وقُدرات ومقومات دول الغرب ومدى التقدم التكنولوجي والطبي وتطور المختبرات العلمية والطبية ، ولقالوا عن اي فايروس يتحدث هذا المتخلف .
كل العالم يَرتجف ، مَرعوب ، يَتلمس نفسه ، يَخشى السلام على أصدقائه وأحبائه . هل هو درس رباني !؟ نعم إنه درس رباني ، لان الناس تَخلت عن دينها وقيمها فالذين يدينون بالاديان السماوية الثلالثة تخلوا حتى عن ما تحض عليه من خُلق وقِيم . وحتى الذين يؤمنون بالاديان الوضعية ابتعدوا عن قيمها الإنسانية ، لا بل حتى الأحزاب الكبرى التي كانت تقود العالم انهارت بغض النظر عن مبادئها الكُلية . في شبابي المبكر اطلعت على بعض الأديان الوضعية والكثير من أدبيات الأحزاب في الكثير من دول العالم ، للعلم ان ادبيات الأديان الوضعية والأحزاب كلها تحض على الفضيلة ، والأخلاق الحميدة ، حتى هذه ايضاً تخلى عن قيمها من ينتمون اليها ، فأصبح العالم متوحشًا شرساً مكافيلي النهج الغاية فيه تبرر الوسيلة للحصول على ما يود كسبه دون اخلاق تمنعه ، وقِيم تَردعه ، وتضبط سلوكه وتصرفاته ، وتُلجم أنانيته ووحشيته .
نعم ، أتباع الديانات الوضعية إنجرفوا وإنحرفوا حيث يؤدون طقوسها فقط ، وابتعدوا عن جوهرها وما تحض عليه من فضائل . اما أتباع الديانات السماوية فحدِّث ولا حَرج عن الانحرافات والبُعد عن جوهر تلك الأديان ، ونسمي من يؤدون طقوسها وعباداتها بانه متدين !!؟؟ لكن اذا إقتربتَ وتفحصتَ خُلقه وقِيمه ومعاملاته مع الناس وفي الحياة عامة تجد الغِش ، والنِفاق ، والخِداع ، والكذِب . وللتدليل : أين نحن من الإسلام الحقيقي !؟ أين قيم الإسلام عند المسلمين !!؟ أين التسامح عند المسيحيين !؟ أصبح العالم متوحشاً يطغى عليه الأخذ والكسب ، وإبتعد عن العطاء . اما الفضائل فتبحث عنها بالمِندل لتجد شخصاً هنا وآخر هناك ، وتجدهم خائفين ، مرعوبين خوفاً من تكفيرهم .
كثيراً ما أقارن بين الحيوانات المتوحشة المفترسة والناس في هذا الزمان . أجد ان الوحوش أرحم . نرى ان الوحوش مثلا تَجْهَد لصيد فريسة وبعد نجاح عملية الصيد يأكل القطيع مع بعضه متكافلاً ، لا تمييز بين من إصطاد ، وبين من ينتظر الوليمة ، وبعد الاكتفاء ، يبتعد القطيع ويغط بنوم عميق ، ليفسح المجال للحيوانات والطيور الرمامة او القمامة ، ولو مرّ غزال ضعيف من أمام هذه الوحوش الكاسرة لا يلتفتون إليه ما دامت قد شبعت .
الناس تجردوا من إنسانيتهم بدرجات وأساليب مختلفة ، والعالم اصبح متوحشاً ، البقاء فيه للأقوى ، والأدهى ، والأكثر غدراً ، ومكراً ، وفتكاً ، وبطشاً ، فلا رحمة ، ولا رأفة ، ولا إنسانية ، فطغى المتجبرون . ولنا فيما يحدث العِبرة والمَثل .
أين الكلمة الطيبة !؟ أين الوفاء !؟ حيث ذهب الوفاء وحل محله الجفاء .اين الإحسان !؟ اين التكافل الاجتماعي !؟ اين الصَدقات !؟ اين حُسن الظن !؟ اين الصِدق !؟
أكرر ما كتبته سابقاً لغاية التأكيد ، ان العالم بعد كورونا لن يكون كما كان قبلها مطلقاً . فلا عولمة ، ولا ليبرالية ولا رأسمالية ولا تَميّْزَ للغرب . سيكون الكون كوناً جديداً مختلفاً . وعلينا ان نَشعُر بالنِعمة ونَتعِظ من هذه المحنة .