صراحة نيوز – مع ظهور فيروس كورونا، بدأ أنصار نظرية المؤامرة في الحديث عن أنه حرب بيولوجية من الصين، ثم من أمريكا. لكن هذه الآراء التي نفاها المختصون مراراً بشأن الفيروس الذي لم يتم تطويره مخبرياً لا تنفي أن الحروب البيولوجية ممكنة، وخطط لها مراراً، بل حدثت بالفعل.
سنتحدث هنا عن تفاصيل تطوير اليابان خلال السنة الأخيرة من الحرب خطةً لتكبيد أعدائها الأمريكيين أعداداً هائلةً من الوفيات عبر سلاحٍ بيولوجيٍّ تحت اسم رومانسي للغاية، وهو: “عملية تفتح أزهار الكرز في الليل”.
بمجموعةٍ من علماء الميكروبيولوجي، وتحت قيادة الجنرال شيرو إيشي، اقترب قسم أبحاث الحرب الكيماوية الياباني المعروف باسم الوحدة 731 بشكلٍ مرعبٍ من رش الولايات المتحدة ببراغيث مسببةٍ لمرض الطاعون الدبلي، كانت تجربة رش الأراضي الأمريكية بالميكروبات المسببة لمرضٍ من القرون الوسطى قد أجراها اليابانيون على أقرب جيرانهم؛ الصين.
كشف ذلك نصوص محاكمات جرائم الحرب في منطقة خاباروفسك التي جرت عام 1949، والتي حوكم فيها 12 عضواً من جيش كوانتونغ الياباني كمجرمي حربٍ، وفضحت التفاصيل المرعبة لجرائم الحرب: “كان الهدف من البراغيث هو حفظ الجراثيم (جراثيم الطاعون) وحملها وإصابة البشر بها مباشرةً”.
تجارب الوحدة 731 على الصينيين: مِن فقء الأعين بالهواء المضغوط إلى الطاعونِ
بعد أن منعت اتفاقية جنيف الاستخدام الحربي للجراثيم عام 1925، رأى المسؤولون اليابانيون أن مثل هذا الحظر يؤكد فقط مدى فاعلية هذا السلاح. قاد ذلك لإنشاء برنامج الحرب البيولوجية الياباني في ثلاثينيات القرن العشرين، وقسم الحرب الكيميائية بالجيش، الوحدة 731، وفق موقع All That’s Interesting الأمريكي.
لم يطُل الأمر قبل أن يُخضع الجيش الياباني المدنيين الصينيين لتجاربه الوحشية. وباحتلال اليابان لمساحاتٍ شاسعةٍ من الصين في أوائل الثلاثينيات، استقر الجيش في “هاربين” قُرب منشوريا، وأخلى ثماني قرى، وبنى منشأة هاربين سيئة السمعة. ما حدث هناك كان من أبشع الأفعال غير الإنسانية في القرن العشرين.
تضمنت الأبحاث الوحشية حبس المعنيين في غُرفٍ وتعريضهم للهواء المضغوط حتى تنفجر أعينهم من محاجرها، أو اختبار مقدار قوة الجاذبية اللازم لقتل شخص.
وقال تاكيو وانو، أحد العاملين الطبيين في الوحدة 731، إنه شهد حفظ رجل في وعاء زجاجي ارتفاعه متران بعد أن شُقَّ طولياً إلى نصفين. كانت هناك آنيةُ أخرى حوت رؤوساً، وأقداماً، وأجساماً بكاملها، عُنونت أحياناً بجنسيات من فيها.
بحلول أكتوبر/تشرين الأول عام 1940، كانت القوات اليابانية قد تحوَّلت إلى حرب الطاعون. قصفت القوات اليابانية نينغبو شرقي الصين، وتشانغده شمال وسط الصين بالبراغيث المسببة للمرض. ويُقدر كيو مينغزوان الذي نجا من القصف حين كان عمره تسع سنوات، وأصبح عالماً في الوبائيات بعد ذلك، أن نحو 50 ألف مدنيٍّ قد قُتلوا جراء القصفين.
إذ يقول مينغزوان: “مازلت أتذكر الهلع بين الناس. أبقى الجميع أبوابهم مغلقةً وكانوا خائفين من الخروج. لكن بحلول ديسمبر/كانون الأول صارت الطائرات اليابانية تقذف القنابل كل يومٍ تقريباً. لم نستطع الإبقاء على منطقة الحجر الصحي مغلقةً. هرع الناس داخلها إلى الأرياف حاملين جراثيم الطاعون معهم”.
وفي أعقاب ذلك النجاح الدامي لليابان في قتل الآلاف كانت طبخة الوحدة 731 القاتلة جاهزةً لعبور المحيط الهادي.
عملية تفتُّح أزهار الكرز في المساء
خططت اليابان ابتداءً لإطلاق مناطيد متفجرة عملاقة راكبةً التيار النفاث (تيار هوائي في الغلاف الجوي) وصولاً إلى أمريكا. وقد نجحوا في إيصال نحو 200 منطادٍ منها. وقد قتلت تلك القنابل نحو سبعة أمريكيين، وإن كانت الحكومة الأمريكية قد حظرت النشر في هذا الشأن.
كانت عملية تفتح أزهار الكرز في المساء ستتضمن توجيه طيارين انتحاريين لضرباتٍ ضد كاليفورنيا أولاً، إذ خطَّط توشيمي ميزوبوتشي، مدرب المجندين الجدد في الوحدة 731، لأخذ 20 من المجندين الـ500 الجدد الواصلين إلى “هاربين” عام 1945، ونقلهم إلى ساحل جنوب كاليفورنيا في غواصةٍ. وكان يُفترض أن يقودوا من هناك طائرةً محمولةً على الغواصة ويُحلقوا بها إلى سان دييغو.
كانت تلك العملية ستؤدي إلى نشر آلاف البراغيث الموبوءة بالطاعون، التي سينشرها الطيارون قبل أن يُحطموا طائراتهم مُنتحرين على الأراضي الأمريكية.
حُدِّد الثاني والعشرون من سبتمبر/أيلول عام 1945 موعداً للعملية. كانت المهمة لشاهد العيان الناجي وقائد القوة المهاجمة أيشيو أوباتا بشعةً إلى حد أن تذكُّرها بعد عقودٍ كان صعباً، إذ قال أوباتا: “إنها ذكرى مُريعةٌ إلى حد أنني لا أُريد تذكُّرها، لا أريد أن أفكر في الوحدة 731. مرت خمسون سنةً منذ انتهاء الحرب. دعوني لصمتي أرجوكم”.
لحسن الحظ، لم تكتمل عملية تفتح أزهار الكرز.
أسباب فشل الخطة المُحاكة ضد أمريكا
يزعم مختصٌ بشؤون البحرية اليابانية أن البحرية ما كانت لتوافق على تلك العملية، خصوصاً في النصف الثاني من عام 1945. في ذلك الوقت كانت حماية الأراضي اليابانية تفوق أهميةً شن هجومٍ على الأراضي الأمريكية.
وقبل ذلك التاريخ، وخلال اجتماعٍ حيويٍّ في يوليو/تموز عام 1944، أعلن الجنرال هيديكي توجو رفضه استخدام الجراثيم الحربية ضد الولايات المتحدة، إذ لاحظ أن هزيمة اليابان باتت حتميةً على الأرجح، وأن استخدام الأسلحة البيولوجية لن يُعجل إلا من انتقام الأمريكيين.
ثم بحلول التاسع من أغسطس/آب عام 1945، كانت اليابان تُدمر أدلةً على تجارب الوحدة 731 باستماتة، مع ذلك عُرف تاريخها، ويرجع جزءٌ من ذلك لتأمين الولايات المتحدة نجاة الجنرال شيرو إيشي مقابل ما لديه من أدلة. (مات بسرطان الحنجرة عام 1959)
كيف يرى اليابانيون تجاربهم على البشر؟
الكثير من الرجال الذين كانوا تحت إمرة هذا الرجل الذي سرب المعلومات بشأن الحرب البيولوجية التي كانت مزمعة، ترقّوا إلى مناصب عليا في الحكومة اليابانية لاحقاً. أحدهم صار حاكم طوكيو، وآخر صار رئيس الجمعية الطبية اليابانية. وحين سُئلوا عن أعمالهم بعد عقود، برَّر العديد منهم أعمالهم إبان فترة الحرب.
أما الرجل الذي شقَّ أسيراً إلى نصفين دون تخدير فكان تبريرُه في غاية البساطة، قال: “يجب أن يجري التشريح في ظروفٍ عاديةٍ. لو أننا استخدمنا التخدير لكان ذلك على الأرجح قد أثر في أعضاء الجسد والأوعية الدموية التي كنا نختبرها، لذا لم يكن بإمكاننا استخدام التخدير”.
وحين سُئل عما إذا كانت تلك التجارب قد تضمنت أطفالاً كان رده بنفس التبلُّد، وقال: “بالطبع كانت هناك تجارب على الأطفال، لكن آباءهم كانوا جواسيس على الأغلب، هناك احتماليةٌ لأن يتكرر ذلك، لأنك في الحرب يجب أن تفوز”.