صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات
قد تكون المرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي التي تغيب فيها الجماهير العربية عن الساحات العامة للتعبير عن رفضها لقرار ضم أراضي الأغوار والمستوطنات في الضفة الغربية. في تل أبيب وبالرغم من سياسات التباعد والإغلاق الجزئي استطاعت الجماهير العربية وبعض القوى الإسرائيلية المناهضة للاحتلال تنظيم مظاهرات ليلية تندد بقرار الضم وتدعو إلى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.
بقاء الجماهير غائبة عن قضايا الأمة والشؤون الداخلية لبلدانهم ظاهرة تنفرد بها الأمة العربية وتستدعي الكثير من الدراسة والتحليل. غالبية المواقف العربية تصدر عن الزعامات ومؤسسات العمل العربي المشترك دون الرجوع إلى الشعوب أو التعبير عن إرادتها. الكثير مما تتضمنه البيانات والمواقف المعلنة للزعامات العربية لا يتجاوز التنديد والتعبير عن القلق والعتب الذي يستخدم لإبراء الذمة وذر الرماد في العيون.
على امتداد العالم العربي يعتبر الموقف العربي غائبا أو غامضا لذا تجد الجميع منشغلين بقراءة تفصيلات وتباينات المواقف الإسرائيلية بصفتها القوة الفاعلة والمؤثرة في صناعة المشهد الذي لا وجود فيه لأي مساهمة عربية.
في مختلف الأوساط والدوائر العربية والعالمية لا يأخذ الكثير من المراقبين المواقف العربية على محمل الجد وينظر البعض لها باعتبارها إعلانات تحمل رسائل مزدوجة إحداها متشددة توجه للجماهير العربية، وأخرى تصالحية ناعمة تهدف لإرضاء القوى والمراكز التي تتحكم بصناعة القرار.
عدوى ازدواجية الخطاب الذي تتبناه القيادات العربية أصاب التشكيلات الفلسطينية حيث تبنى البعض منها خطابا ناعما وإرضائيا مهادنا في الأوقات التي كان فيها العدو قاسيا ومتعنتا ومتجاهلا للوجود والحق الفلسطيني.
في مناسبات عديدة رفضت القيادات الفلسطينية مقترحات دعت إلى الفصل بين مهام الإدارة والرعاية والخدمات التي تقوم بها السلطة ومهام التفاوض والعمل السياسي الذي ينبغي أن يكون خارج صلاحيات السلطة كونها تعمل بالتعاون والتنسيق مع الاحتلال وتخضع لإملاءاته.
اليوم وبعد مرور أكثر من ربع قرن على اتفاق أوسلو الذي اعتقد البعض أنه سيقود إلى إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، تكشف للجميع أن الشعب الفلسطيني وقع في فخ الوعود والأوهام التي وفرت للصهيونية الوقت والغطاء لابتلاع الأرض والتنكيل بالسكان بغطاء وحجج تم ابتكارها وصياغتها والإعلان عنها وتعديلها من قبل الصهيونية ودوائرها.
الخطاب الإسرائيلي المضلل أغرى بعض الفلسطينيين للتفكير في التخلي عن إستراتيجيات المقاومة ورفض الكفاح المسلح كوسيلة لاستعادة الحقوق. التباين بين الفصائل في تفسير وتأويل المقاصد الإسرائيلية كان السبب الرئيسي في الانقسام الذي شهدته الجبهة الفلسطينية وتغذية الانقسام من قبل الأطراف العربية والإقليمية المختلفة. حالة الانقسام بين الرافضين للخطاب والوعود والأكاذيب الإسرائيلية وبين من أعجبوا بمظاهر وألقاب السلطة ومسميات الدولة الوهمية واستمتعوا بأدوار إدارة وضبط الشارع الفلسطيني نيابة عن الاحتلال شجعت الإسرائيليين على المماطلة بحجج غياب الشريك الموثوق وعمقت خلاف الفصائل.
في الوقت الذي يبتلع فيه الاحتلال وجبة جديدة من الأرض الفلسطينية ويتهيأ لإلقاء السكان خارج حدود أراضيهم، يمضي الإعلام العربي ومراكز البحث جل وقتهم في جدل سفسطائي حول متى وكيف سيتم الضم والنسبة المئوية للأراضي التي سيشملها الضم في خطوته الأولى. وسط الجدل والتخمين حول المساحات التي سيشملها الضم تفاجأ الجميع بظهور عشرات الدبابات تجوب القرى والبلدات على امتداد منطقة الأغوار في إشارة إلى بدء عملية الضم الفعلي.
الرفض الأردني لقرار الضم يأتي من الإدراك العميق لخطورة هذه الخطوة على أمن المنطقة ومستقبل المفاوضات ومبدأ حل الدولتين. فهي اعتداء آخر على مبادئ وأطر عملية السلام وتهديد صريح لأمن الأردن المرتبط مع إسرائيل بمعاهدة سلام. تنفيذ الخطوة سيضع الأردن في جوار وتماس مباشر مع كيان تخلى عن التزاماته واتخذ قرارا أُحاديا مخالفا للقرارات الدولية والمعاهدات التي شكلت قاعدة للتفاوض.
أيا كانت الخطوات الإسرائيلية القادمة ومهما كان حجم الدعم الأميركي لها أو الصمت والتواطؤ العربي، فمن غير المتوقع أن تتلاشى الحقوق الفلسطينية أو تتوقف المطالبة بها. فالأيام القادمة تبشر بالكثير من التغيرات التي قد تعصف بالبنى والأنظمة والمؤسسات التي أسهمت في ولادة ورعاية الكيانات الاستعمارية التي تنظر لبعض الشعوب والأعراق والأديان بالكثير من العدائية والاستعلاء.