صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
السفير الأردني السابق فالح الطويل، أورد في كتابه “ في الطريق إلى عمان “ القصة التالية، والتي سأقتبس بعض فقراتها بتصرف :
اقترح الأردن على العراق الشقيق في عام ١٩٧٩ تزويده بالمياه من نهر الفرات أو من أي موقع آخر يراه المختصون، مع مراعاة أن الأردن لا يستطيع تمويل هذا المشروع الضخم، وكل ما يستطيعه هو تحمل بعض التكاليف، ولكنه سيعتمد على التمويل الخارجي من الدول الشقيقة والصديقة.
سأل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين – رحمه الله – عن تكاليف المشروع وكم يستغرق تنفيذه ؟ فقيل له أنها ستكون بحدود بليون دينار عراقي ( سعر صرف الدينار آنذاك ٣،٢ دولار )، وأن تنفيذه سيستغرق أربع سنوات على الأقل.
وهنا أشار الرئيس إلى أن الأردن، لا يستطيع تحمل مثل هذه التكاليف، وأنه لابد من البحث عن ممولين دوليين. ولكن إذا كان ذلك غير ممكن، فإن العراق قد يستطيع توفير مائتي مليون دينار في ميزانيته سنويا، ويسير في المشروع مع الأردن أو وحيدا إذا لزم الأمر.
وفي زيارة لجلالة الملك حسين – رحمه الله – إلى بغداد في شهر كانون الأول عام ١٩٧٩، وبينما كان الوفدان يجلسان في قاعة الاستقبال في قصر السلام، بدأ الرئيس صدام الحديث متوجها إلى جلالة الملك :
⁃ أبو عبد الله، كيف المطر في الأردن ؟
⁃ ليس كما يجب . . المطر لم ينزل بعد في الأردن، ونحن الآن في فصل الشتاء. يبدو أننا يا أبو عدي، سنعاني من سنة محل أخرى.
⁃ قررنا تقاسم شربة الماء وياكم، السفير قدم طلبا بذلك ونحن وافقنا في الحال. نحن لا زلنا يابو عبد الله نروي ونفخر بقصة تلك الفتاة العربية في معركة اليرموك، التي جاءت بقربة ماء تبحث عن أخيها في ساحة المعركة، سمعته يطلب الماء. فلما همت بإسقائه سمع جريحًا قريبًا يطلب الماء، فآثره على نفسه، وآثر الثاني أخاه الجريح الثالث على نفسه. ما نستطيع نشوف الأردن يعطش، وعندنا من المياه ما يكفي كل الأمة.
صحيح المياه تجري في أرض العراق، ولكن للأردن حصة فيها بقدر ما يحتاج. الأردن له حصة في كل ما يملك العراق، هذا ملك لكم، تأخذونه دون منة من أحد. عندما تطلبون أكثر مما هو لكم، نقول لكم، “ لقد استنفدتم حصتكم “. انتهى الاقتباس
• • •
⁃ التعليق :
⁃ للأسف لم يكتب لهذا المشروع أن يرى النور، إذ تم وأده في مهده، بسبب نشوب الحرب العراقية الإيرانية، من عام ١٩٨٠ وحتى عام ١٩٨٨، حيث تحمل العراق نتيجة لها أعباء مالية كبيرة، لم تسمح له بتمويل ذلك المشروع الهام نسبة للأردن.
وإضافة لذلك فإن أحد جهابذة المهندسين الأردنيين( وزير سابق لم يذكر اسمه)، والذي كلف برئاسة وفد التفاوض الفني مع العراقيين، كان قد قدم توصيته دون دراسة دقيقة، بأن المشروع غير اقتصادي، وأنه سيضع الأردن ومصالحة رهينة بيد العراقيين.
⁃ لو كتب لذلك المشروع النجاح، الذي تبناه الشهيد صدام حسين، لغير وجه الأردن في الصحراء الشرقية وحولها إلى بقعة زراعية، تنعش الاقتصاد الأردني وتعج بالعمران والسكان، فضلا عن المنافع الاقتصادية الأخرى، في جميع أنحاء المملكة.
⁃ رحم الله الشهيد صدام حسين وأسكنه فسيح جناته، ذلك القائد العروبي، صاحب النخوة والشهامة العربية الأصيلة، الذي حافظ على وحدة العراق وأمن ورفاهية شعبه، وانتصر لكل القضايا العربية، فكان هدفا لأعداء الأمة، الذين تآمروا عليه داخليًا وخارجيًا، خدمة لمصالحهم ومصلحة العدو الإسرائيلي.
⁃ هذا هو موقف الرجولة والشهامة لزعيم عربي تجاه الأردن، والذي نفتقد أمثاله هذه الأيام، رغم أننا لا ننس خطيئته الكبرى في وقت لاحق، عندما دخل على الكويت، بإيحاء مستتر من السفيرة الأمريكية في بغداد.
⁃ والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو : هل سيدرج هذا المشروع الحيوي ( بالنسبة للأردن ) على الأجندة العراقية / الأردنية، لإحيائه في المستقبل، بعد انتهاء الظروف القاهرة حاليًا في العراق الشقيق، أم ستطوى صفحته في عالم الإهمال والنسيان، تطبيقًا لرأي مهندسنا ( الوزير ) الهمام ؟
التاريخ : ١١ / ٨ / ٢٠٢٠