صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
غادرتنا مبكراً جداً يا ابا زيد . لكن لن أقول الا ما يرضي الله ، والإستجابة لقضائه . سأسرد قصة واحدة من ثلاثة قصص لي مع الدكتور / فايز الطراونه :-
زار الدكتور / فايز ابو ظبي لحضور اجتماعات صندوق النقد العربي هو والدكتور / جواد العناني . فأخبرني رفيق عمري ، الرجل النبيل ، إبن العم / عبدالرحمن عبدالمعطي الطراونه – حيث كان يعمل – ان الدكتور فايز في ابوظبي ، ودعاهما ودعاني للعشاء في فندق هيلتون ابوظبي . ودعوتهم انا على العشاء في بيتي ، في اليوم التالي . في ظهر يوم دعوتي لهم ، اتصل معي الدكتور فايز ، وابلغني باعتذار الدكتور / جواد العناني ، لانه استجدت دعوة رسمية ، وقال للدكتور / فايز انت الاولى بالذهاب لدعوة قريبك ، واعتذر نيابة عني . كما ودّ تغيير موعد العشاء ، من الساعة الثامنة مساءً ، الى الساعة السادسة . ضحكت وقلت له اننا تعودنا على ان تكون دعواتنا بين الثامنة والتاسعة مساءً . ردّ الدكتور : ( دبر حالك ، مش شغلي ) ، انا بسمع بان لك يا عوض علاقات متميزة ، واود ان اتعرف على اصدقائك . فوافقت ، وعاودت الاتصال مع المدعوين ثانية لتغيير الموعد . وذهبت شخصياً لإحضارة من الفندق . وكانت سهرة متميزة إمتدت الى ما بعد الساعة الثانية فجراً . وللذين يعتقدون ان الدكتور فايز كِشر ، فمن فرط انسجامه في الجلسة وفرحته بالحضور ، قال احدهم نكته ، فضحك الدكتور فايز ، ونهض عن الكنب ، وارتد اليه فانكسر الكنب ، وانفجر الجميع بالضحك . وعندما اوصلته فجراً للفندق ، وكان وقتها مستشاراً اقتصادياً في رئاسة الوزراء ، قلت له : والله انا شايفك مستوزر يا دكتور ؟ رد : وما الخطأ في هذا يا عوض !؟ قلت له ابداً ، لكن مؤكد انك ستصبح وزيراً ، لكن لو كنت مكانك ، لعملت في عدة مواقع ، مثلاً : مع هيئات الامم المتحدة ، ومحاضراً غير متفرغ في الجامعات الاوروبية والامريكية .. وهكذا ، والوزارة قادمة ، هي ستبحث عنك ، قال : ليش ؟ قلت له لانك ابن احمد الطراونه . قال : سأخبر أبي برأيك . بعدها باشهر ، اصبح وزيراً ، واتصلت على هاتف بيته مهنئاً ، فلم اجده ، وطلبت من زوجته ان تبلغه تهانيّ . واتصلت مع والده العم كبير القدر / احمد محمود الطراونه ( ابو هشام ) ، وهنأته ، وقال مستفسراً ومستنكراً ، عموه عوض ، شو قلت لفايز لما كان عندك في ابوظبي ، فاخبرته ، رد قائلاً : فايز انا برسم مستقبله ، وشايف مستقبله قدامي . مرت الايام ، ووقعت هبة نيسان عام ١٩٨٩ . وطارت الحكومة . حضرت الى الاردن في الصيف ، واتصلت مع عمي ابو هشام لأسلم عليه ، وعندما حضرت الى بيته ، بدأنا نتجاذب الحديث ، وفوراً قال : الحمد لله فايز يعمل مستشاراً في شركة مقاولات وراتبه ( ٢٠٠٠ ) دينار . جاملته ، وقلت ربنا يوفقه والمستقبل أمامه . ثم عاود الحديث عن الدكتور فايز ثانية ، عندها تجرأت وقلت : يا عموه ، بالله عليك يعني انت مقتنع بعمل فايز الحالي وهل ينسجم مع ما خططته له ، كظم غيضه وقال : لا والله يا عموه . بعدها بثوانٍ حضر الشيخ حماد المعايطه ، وتغير مسار الحديث .
رحم ربي دولة ابن العم الدكتور / فايز احمد محمود الطراونه ، البسيط ، المتواضع ، البشوش في مخبره ، الكِشِر في مظهره ، وهذا مقتبس من حديث له نشرته صحيفة الرأي حيث سأله الصحفي : بانك تبدو جدياً جداً وكأنك لا تعرف ان تبتسم ، إبتسم الدكتور فايز ، وردّ قائلاً : لا والله انا مِرِح جداً لكن تعابير وجهي تبدو انني كشر ، وكررها في عدة لقاءات تلفزيونية .
لقد كنت رجل دولة بإمتياز ، لذلك لك الكثير ، وعليك الكثير . لكنك لم ( تُسمْسِر ) ولم ( تُكمشن ) ، ولم تتصرف بحقد ، او رعونة ، او طيش ، كما يفعل غيرك ، بعد ان تصدّر الوِلْدان المشهد ، لقد كنت رزيناً ، صاحب هيبة ، وثبات ، ووقار . أفتخر بالعديد من شمائلك ، وخصالك ، التي سبقتك وانت بحاجة اليها بعد الرحيل الى جوار الحليم الخبير . أوجعني رحيلك ، لكن حاشا ان اعترض عليه . الى جنان الخلد باذن الله يا أبا زيد .