صراحة نيوز – م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
تمر بنا لحظات في حياتنا يغلفنا فيها الشعور بأن مسافات لا متناهية أصبحت تفصلنا عن الوصول إلى النجاح، فعندما نبدأ أمراً ما ونتعود عليه حتى يصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا ثم نفقده فجأة نشعر وكأن الدنيا كلها تقف في وجهنا، وأن حالة من عدم القدرة على الحركة أصبحت تسيطر علينا، بل وربما يصل الأمر لأكثر من ذلك بالشعور بأن النجاح لا يمكن أن يعرف إلينا سبيلاً بعد ذلك، وبأن لا سبيل لنا للنهوض من جديد على قدمينا.
بين الروايات واحدة تخبرنا عن فلاح كان يعيش في قرية يمتلك فيها مزرعة وحصاناً هم كل رأس ماله في حياته، وقد استيقظ يوماً ليجد الحصان قد اختفى من المزرعة ولم يعرف إلى أين ذهب، تجمع أهل البلد وحضروا لمواساته لمعرفتهم بأهمية الحصان بالنسبة له، وقالوا له: ربما يكون هذا أسوأ ما يمكن أن تمر به في حياتك، ليفكر قليلاً ثم يجيبهم: يمكن!
وفي اليوم التالي عاد الحصان إلى المزرعة ومعه حصان آخر ليصبح لدى الرجل حصانين بدل الواحد، وعندها جاء أهل البلد ليشاركوه فرحته ويقولوا له: هنيئاً لك، لقد عوض الله صبرك، وربما هذا هو أفضل ما يمكن أن تمر به في حياتك، ليجيبهم: يمكن!
بعدها بيوم حاول ابن المزارع ركوب الحصان الجديد فلم ينجح ووقع على الأرض لتنكسر رجله، فحزن الرجل وحضر له أهل البلد ليقولوا له: هذا بالتأكيد أسوأ ما يمكن أن تمر به في حياتك أن تنكسر رجل ولدك، ليكون جوابه لهم من جديد: يمكن!
بعد ذلك بفترة قامت حرب في البلاد، وأصبح الجيش يبحث عن الشباب لأخذهم للحرب، لكنهم عندما حضروا لأخذ ابن الفلاح رأوا رجله المكسورة فقرروا إعفاءه من التجنيد، وعندها جاء أهل البلد للفلاح فرحين مرة أخرى ليقولوا له: هذا حتماً أفضل ما يمكن أن يمر بك في حياتك، فيكون جوابه لهم مرة أخرى: يمكن!
“يمكن”، سر عميق من أهم أسرار حياتنا لا يعلم خفاياه إلا مسير الكون وخالقه عزوجل، ولذلك رأينا كيف تعامل الفلاح مع كل حدث مر عليه بأنه خير له مواصلاً سعيه في حياته بنفس الهمة والقوة والعزيمة والإصرار لأنه ببساطة فهم أهمية السر الكامن في كلمة “يمكن”، وبأنه مهما فعل فليس في مقدوره الكشف عن خبايا هذا السر لكن بإمكانه التعامل معه بطريقة مريحة له وهو ما فعل، ومن هنا كان علينا مواصلة السعي في حياتنا مهما كانت الصعوبات والتحديات التي تواجهنا فيها، والأهم أن لا يكون سعياً مستمراً فقط بل وأن يترافق ببصمتنا الخاصة التي نتركها في كل مكان نمر فيه في حياتنا، تماماً كالطباخ الماهر الذي يحرص على ترك أجمل النكهات الخاصة به في كل طعام يقوم بتحضيره حتى وهو يعلم أن غيره سيتناول هذا الطعام.
نعم ربما تفقد الوظيفة التي تحبها وتعودت عليها، لكن الأهم ألا تفقد نفسك التي كانت رفيقتك في النجاح الذي حققته سواء في وظيفتك أو غيرها من تجارب حياتك، وبما أنك ستترك وظيفتك لا محالة فما عليك إلا أن تتركها كما بدأتها، بأن تجعل آخر أيامك فيها بذات تميز أيامك الأولى فيها إن لم يكن أفضل، ذلك أن النجاح هو طريق يرسمه كل منا لنفسه في حياته متى ما كان يحمل الثقة الكافية بأنه يمتلك الريشة المناسبة لرسمه ويجيد العزف عليها.