صراحة نيوز – أجرى جلالة الملك عبدالله الثاني، في واشنطن، مقابلة مع الإعلامي فريد زكريا من شبكة سي إن إن الأميركية، تم بثها الأحد.
وتحدث جلالة الملك، في المقابلة، عن زيارته إلى الولايات المتحدة التي اختتمها أخيرا، ورؤيته حول عدد من قضايا المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية، إضافة إلى أبرز القضايا الوطنية ونهج الأردن في الصمود في وجه التحديات.
وتاليا نص المقابلة التي تم بثها:
فريد زكريا: جلالة الملك، أهلا وسهلا.
جلالة الملك عبدالله الثاني: شكرا فريد.
زكريا: عليّ أن أسألك أولا عما يبدو أمرا ملفتا للنظر حينما ننظر إلى منطقتكم، وهي الحكومة الإسرائيلية الجديدة. كانت علاقتكم مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو جيدة لكن صعبة. أما رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت بالمقابل، فيقول وبصراحة أنه يستبعد فكرة إقامة دولة فلسطينية بالمطلق، وهو في الواقع تحدث عن ضم إسرائيل للضفة الغربية. كيف ترى هذه الحكومة الجديدة وما برأيك فرص السلام في ظلها؟
الملك عبدالله الثاني: حسنا فريد، قد تعلم من معرفتك الطويلة بنا أننا دوما ننظر للنصف الممتلئ من الكأس. وكوني أول زعيم من المنطقة يأتي إلى الولايات المتحدة، كان من المهم أن نوحد رسائلنا لأن أمامنا العديد من التحديات، كما تعرف. فكان من المهم أن ألتقي القيادة الفلسطينية بعد الصراع الأخير، حيث التقيت بالرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، وكذلك أن ألتقي أيضا برئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين، لأنه علينا فعلا أن نعيد الجميع إلى طاولة الحوار، ضمن إطار بحثنا عن طرق لإعادة إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ربما علينا أن نتفهّم أن هذه الحكومة قد لا تكون الأنسب لحل الدولتين، الذي برأيي هو الحل الوحيد. فكيف إذن بإمكاننا بناء جسور التفاهم بين الأردن وإسرائيل، حيث إننا لم نكن على وفاق مؤخرا. ولكن الأمر الأهم برأيي هو كيف يمكننا أن ندعو الفلسطينيين والإسرائيليين للحوار مجددا. لقد خرجت من هذه اللقاءات (مع الفلسطينيين والإسرائيليين) متفائلا. وكما رأينا في الأسبوعين الماضيين، لم يكن هناك تحسن في التفاهم بين الأردن وإسرائيل فحسب، بل أن الأصوات القادمة من فلسطين وإسرائيل تشير إلى استعدادهم للمضي قدما وإعادة ضبط العلاقة بينهما.
زكريا: هل تعتقد أن بإمكان الإسرائيليين الحفاظ على الوضع الراهن، أي أن تكون لديهم السيادة على المناطق التي يعيش فيها الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة ولكن دون أن تكون للفلسطينيين أي حقوق سياسية. فتبدو إسرائيل وكأنها في أفضل حال؛ إذ يرون أنفسهم كقوة عظمى في مجال التكنولوجيا في المنطقة، وربما في العالم، وهم يزدهرون اقتصاديا، والعرب يعقدون السلام معهم، إلا أنهم لم يتخطّوا القضية الفلسطينية بعد. هل لإسرائيل أن تستمر على هذا المنوال؟
الملك عبدالله الثاني: أعتقد أن هذا التصور غير دقيق ويخفي وراءه تعقيدات كثيرة، وأقول ذلك لأنه عندما تنشب صراعات، كما رأينا مسبقا، فإننا نعلم ماذا سيحصل خلال ثلاثة أسابيع من الصراع، فهناك خسارة للأرواح ومآس للجميع. أما الحرب الأخيرة مع غزة هذه المرة، فكانت مختلفة. إنها المرة الأولى منذ عام 1948 التي أشعر بأن هناك حربا داخل إسرائيل، عندما تنظر إلى القرى والمدن، والصدام بين عرب إسرائيل والإسرائيليين. وأعتقد أن ذلك كان بمثابة صحوة للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، من عواقب عدم التقدم إلى الأمام وعدم منح الفلسطينيين الأمل. ومرة أخرى، واحدة من الأمور التي ناقشناها مع نظرائنا الإسرائيليين هو كيفية الاستثمار في سبل معيشة الفلسطينيين، فإذا فقد الفلسطينيون الأمل، ستكون الحرب التالية، لا قدر الله، أكثر ضررا. لا أحد ينتصر في هذه النزاعات، وفي هذا الصراع الأخير لم يكن هناك فائز. وأعتقد أن طبيعة العلاقات الداخلية التي ظهرت لنا في القرى والمدن الإسرائيلية كانت نداء يقظة لنا جميعا.
زكريا: دوري جولد، مستشار مؤثر لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، قال مؤخرا إنه على الأردن أن يبدأ التفكير بنفسه على أنه الدولة الفلسطينية. أي أن هناك حل الدولتين، والدولة الفلسطينية بموجبه هي الأردن، وأعتقد أن هذا الطرح يستند إلى أن الفلسطينيين يشكلون 60-70 بالمئة من سكان الأردن، ويمكنكم استيعاب الفلسطينيين من الضفة الغربية. تم ذكر هذا الطرح مسبقا، لكن الآن هناك شخصا إسرائيليا ذا نفوذ يقدم هذا الطرح. ما ردك؟
الملك عبدالله الثاني: مجددا، هذا النوع من الخطاب ليس بجديد. ولهؤلاء الأشخاص أجندات يريدون تنفيذها على حساب الآخرين. الأردن هو الأردن. لدينا مجتمع مختلط من خلفيات عرقية ودينية مختلفة، وقد أخالفك في صحة النسب التي ذكرتها، لكن هذا بلدنا. الفلسطينيون لا يريدون أن يكونوا في الأردن. إنهم يريدون أراضيهم، ورايتهم ليرفعوها فوق بيوتهم، ومنتخبهم الوطني لكرة القدم.
هذا الطرح يقودنا إلى خطاب خطير جدا. فكما ذكرت أنت، إذا لم نتحدث عن حل الدولتين، هل البديل هو حل الدولة الواحدة؟ هل ستكون عادلة وشفافة وديمقراطية؟ أعتقد أن حل الدولة الواحدة يضع تحديات أكثر بكثير أمام هؤلاء الذين يناصرون هذا الخطاب في إسرائيل مقارنة بحل الدولتين، وهو الحل الوحيد. ما الذي ستفعله؟ هل ستطرد كل الفلسطينيين من بيوتهم في الضفة الغربية، وتتسبب بانعدام استقرار الجهة الأخرى؟ في نهاية المطاف، للأردن الحق في إبداء رأيه في هذا الأمر. وأعتقد أننا حددنا خطوطنا الحمراء بوضوح.
زكريا: هل تتوقع أن تطبّع دول عربية أخرى علاقاتها مع إسرائيل، حيث يقال إن السعودية ستكون الدولة التالية؟
الملك عبدالله الثاني: لا أعرف أي دولة ستكون التالية، لكنني لاحظت ظاهرة في الدول العربية وهي إيلاء أمنهم الوطني الأولوية، وفي صلب تخوفاتهم أرى ظلال إيران والعديد من التحديات الإقليمية، فيبدو خيار إقامة علاقات مع إسرائيل أنه يصب في مصالحهم. لكن مرة أخرى، إن الحرب الأخيرة كانت فعلا نداء يقظة لنا جميعا، فعلى الرغم من احتمالية توسع اتفاقيات إقامة العلاقات الثنائية مع إسرائيل، فليس بالإمكان القيام بذلك على حساب الحوار الفلسطيني-الإسرائيلي والمحادثات التي تمس مستقبلهم. قد تكون هذه الاتفاقيات مفيدة للدول التي وقعتها، ولكن إن لم نتمكن من إعادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الحوار، سنكون وكأنما نخطو خطوتين للأمام ومن ثم خطوة إلى الخلف.
زكريا: جلالتك، كيف كان لقاؤك مع الرئيس الأميركي جو بايدن، بالمقارنة مع الرئيس الذي سبقه، كونه رئيسا مختلفا تماما عن الرئيس السابق؟
الملك عبدالله الثاني: لحسن الحظ، تربطني علاقة قوية جدا مع جميع الرؤساء، وهذا لأن والدي علمني أن أحترم منصب الرئيس كرأس للدولة، وهذا لا ينطبق على الولايات المتحدة فقط. ولطالما كانت مباحثاتي معهم مثمرة ومبنية على الاحترام المتبادل والتفاهم. أنا أعرف الرئيس بايدن منذ كنت شابا أزور الكونغرس برفقة والدي عندما كان بايدن عضوا شابا في مجلس الشيوخ الأميركي، فهذه صداقة قديمة. وكنت سعيدا جدا لرؤيته في البيت الأبيض، ولا أعرف ما هي الانطباعات التي تشكلت عن اللقاء، لكن أعضاء الوفد المرافق شهدوا التفاهم بيننا. كما أن ابني يعرف الرئيس منذ كان نائبا للرئيس، حيث كان ابني يزوره في منزله وفي مكتبه، فهي علاقة صداقة عائلية.
زكريا: هل تتوقع سياسات من الرئيس بايدن مختلفة عن سياسات الرئيس ترمب؟
الملك عبدالله الثاني: لقد خسرنا سنتين، وجزء من ذلك كان بسبب جائحة “كورونا”، فالمسألة لا تتعلق بسياسة مختلفة وإنما بطبيعة الخطط المطروحة. ذكرتُ سوريا، لكن علينا أيضا النظر إلى لبنان، حيث يعاني الناس من أزمة، هناك مجاعة وشيكة الحدوث، والمستشفيات لا تعمل، وهذا تم طرحه في الكثير من النقاشات التي أجريناها هنا، وأعلم أن الولايات المتحدة تعمل مع فرنسا على هذا الملف. ولكن عندما تصل الأزمة إلى أسوأ حالاتها، وهو ما سيحصل في غضون أسابيع، ماذا يمكننا أن نفعل كمجتمع دولي للتدخل؟ ونعرف أنه مهما خططنا، لن نتمكن من تحقيق أهدافنا، وسنخذل الشعوب. لذا السؤال هو، هل من الممكن بناء خطط بصورة توجه المنطقة نحو الاتجاه الصحيح؟
زكريا: دعني أسألك عن الاستقرار في الأردن، لأنه غالبا ما توصف بلدك كواحة آمنة وسط محيط مضطرب جدا. مؤخرا، حدث في الأردن ما ظهر للعالم الخارجي كمحاولة انقلاب. ما الذي حدث؟ وما هي احتمالات تقويض استقرار الأردن في المستقبل؟
الملك عبدالله الثاني: مجددا، عندما ننظر إلى الأزمات حول العالم، وأعتقد أنه في هذا الزمن عادة ما ننظر إلى الأزمات بشكل منعزل دون فهم المسيرة التي خاضها بلد مثل الأردن، خلال الأعوام العديدة الماضية، والتي شهدت عدم الاستقرار في المنطقة، والحروب، وأزمة اللاجئين، وفيروس “كورونا”. وقد مر علينا عدد من الشخصيات التي عادة ما تستغل إحباط الناس ومخاوفهم المشروعة وهم يسعون لتحسين سبل معيشتهم، للدفع بأجنداتهم الخاصة وطموحاتهم. وأعتقد أن ما جعل هذا أمرا محزنا جدا هو أن أحد هؤلاء الأشخاص هو أخي، الذي قام بذلك بشكل مخيب للآمال. قامت الأجهزة الأمنية، كما تفعل دوما، بجمع المعلومات ووصلت إلى مرحلة تولدت لديها مخاوف حقيقية بأن أشخاصا معينين كانوا يحاولون الدفع بطموحات أخي لتنفيذ أجنداتهم الخاصة، وقررت الأجهزة الأمنية وأد هذا المخطط في مهده وبهدوء. ولولا التصرفات غير المسؤولة بتسجيل المحادثات مع مسؤولين أردنيين بشكل سري وتسريب مقاطع الفيديو، لما وصلت فينا الأمور للحديث عن هذه القضية في العلن.
أفخر بأفراد أسرتي عندما يحققون إنجازات وعندما يتواصلون مع المجتمع. ولكن فيما يخص هذه القضية، إذا كان لدى أحدهم أي طموحات، هناك حد لما أستطيع القيام به من أجلهم. لكنني أعتقد أنه من وجهة نظر إنسانية، يجب أن تكون النوايا صادقة، فمن السهل جدا استغلال مظالم الناس لتحقيق أجندات شخصية، لكن هل أنت صادق وأنت تحاول أن تقوم بذلك؟ وفي المحصلة، نحن نتحمل جميعا مسؤولية مشتركة في إيجاد الحلول لمشاكل الشعب. وهذا الأمر لا يتعلق فقط بالأردن، فالعديد من العائلات المالكة حول العالم تواجه هذه التحديات. إذا كنت أحد أفراد العائلة المالكة، فلديك امتيازات، لكن في الوقت ذاته يقابلها محددات. والسياسة، في النهاية، هي محصورة بالملك، ولهذا فإن ما حدث كان أمرا مؤسفا، وغير ضروري، وأوجد مشاكل كان بالإمكان تجنبها.
زكريا: أحد الأشخاص المشاركين في المخطط كان مقربا جدا لولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان. هل تعتقد أن للسعودية يد في هذا؟
الملك عبدالله الثاني: تم التعامل مع هذا الملف كشأن داخلي، ونعرف جميعا أن باسم، الذي عمل في السابق في الأردن، هو مستشار رفيع المستوى في السعودية، ويحمل جوازي سفر سعوديا وأميركيا. لاحظنا وجود ارتباطات خارجية بما يخص هذه القضية، لكن كما قلتُ، نحن نتعامل مع هذا الملف كشأن محلي. ومجددا، أعتقد أنه بالنسبة للأردن، لن يساعدنا توجيه أصابع الاتهام للآخرين، فهناك ما يكفي من تحديات في المنطقة، ونحن نحتاج للمضي إلى الأمام. ولطالما كان هذا نهج الأردن وهو النظر للمستقبل. وأعتقد أنه علينا التخفيف من التحديات والصعوبات بدلا من إضافة المزيد منها.
زكريا: دعني أسألك، في مثل هذا الأسبوع، قبل 70 عاما، اغتيل جدك في المسجد الأقصى المبارك / الحرم القدسي الشريف. هل تشعر أن الأمور بقيت على حالها خلال السبعين عاما الماضية؟ هل تشعر أن الأوضاع تحسنت؟ خاصة أنه تم اغتيال جدك على يد مسلحين فلسطينيين، يبدو أن الأمور لم تتقدم كثيرا إلى الأمام.
الملك عبدالله الثاني: نحن نحتفل بمئوية تأسيس الدولة الأردنية. وإذا نظرت لتاريخ بلدنا ولجميع الصدمات التي تعرض لها، ومعظمها صدمات خارجية، ستجد أنه من المدهش أن الأردن لا يزال الأردن، وهذا يعكس، باعتقادي، إرث أفراد عائلتي، لكن الأهم باعتقادي أنه يعكس صمود الأردنيين. نحن نعيش في منطقة صعبة، ويجب أن ننظر إلى النصف الممتلئ من الكأس عندما نستيقظ كل صباح.
هناك تحديات، لكن تجسّد أسلوب الملك عبدالله المؤسس في التعامل مع سياسات المنطقة بمحاولة توحيد الشعوب والتوفيق بينهم، وهو ما ورثه أبي عنه، وما ورثته أنا عن والدي، وما يرثه ابني عني. لذا مهما بلغت صعوبة التحديات، أعتقد أنه باستطاعتنا التوافق. كما أشرت، جدي استشهد على عتبات المسجد الأقصى المبارك في القدس. لكننا دائما ننظر للقدس كمدينة تجمع المسلمين، والمسيحيين، واليهود، ومن غير المفهوم بالنسبة لي لماذا قد نريد لها أن تكون شيئا آخر. سيستمر دوري ودور ابني في محاولة جعل هذه المدينة، مدينة للأمل والسلام، ولتكون مدينة تجمع الناس، ونأمل أن ينعكس هذا على سياسات أخرى كذلك، بينما نواجه تحديات مختلفة في الشرق الأوسط.
زكريا: لقد تحدثت عن ظلال إيران مطولا، أذكر أنك تحدثت عن الهلال الشيعي، هل تعتقد أن خروج إيران من الاتفاقية النووية كما هو الحال الآن عامل استقرار، أم هل تفضل أن تعود إيران للاتفاقية النووية التي تولت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التفاوض عليها؟
الملك عبدالله الثاني: أود أن أوضح هنا أنني عندما تحدثت عن الهلال الشيعي، قصدت الهلال الإيراني من وجهة نظر سياسية. جميعنا نعلم عن حضارة وثقافة الشعب الإيراني، فهم يضيفون الكثير في العالم. كما أننا ندرك معاناة الشعب الإيراني داخليا. وكما تعلم، نحن في الأردن ندعو للحوار والتقدم إلى الأمام دائما، بدلا من النظر للأمور بعين الريبة وخلق المزيد من التحديات. ومع ذلك، فهناك تخوفات مشروعة في منطقتنا، إزاء الكثير من القضايا، التي آمل أن تتمكن الولايات المتحدة من مناقشتها مع إيران. إن برنامج إيران النووي يؤثر على إسرائيل كما يؤثر على الخليج العربي. لقد شهدت التكنولوجيا الباليستية تطورا ملحوظا، حيث رأينا أثرها على القواعد الأمريكية في العراق، كما شهدنا أثر الصواريخ الموجهة إلى السعودية من اليمن، وإلى إسرائيل من خلال سوريا ولبنان إلى حد ما. وإذا انحرف أحد الصواريخ الموجهة إلى إسرائيل عن مساره، فإنها تصل إلى الأردن، لذا فإن لدينا هذه التخوفات. وأضف إلى ذلك زيادة في حالات الهجوم السيبراني على الكثير من بلداننا. وقد ارتفع عدد الاشتباكات المسلحة على حدودنا إلى ما كان عليه في خضم الحرب على داعش تقريبا. ومع الأسف، تعرض الأردن للهجوم من طائرات مسيّرة إيرانية الصنع كان علينا التعامل معها.
زكريا: كل ذلك في الأشهر الأخيرة؟
الملك عبدالله الثاني: كان ذلك خلال العام الماضي تقريبا وهي في تصاعد. ونحن نعلم أنه تم تأجيل المحادثات في فيينا ريثما تستقر الحكومة الجديدة في إيران. أعتقد أن هناك اختلافا في الموقفين الأميركي والإيراني. وكما قلت في البداية، لدينا تخوفات مشروعة برأيي في المنطقة والتي نود معالجتها مع إيران، وسنرى فيما إذا استطاعت هذه المحادثات سد الفجوة الحالية التي هي مصدر قلق لنا.
مرة أخرى، إذا نظرت إلى منطقتنا، فإن الإمارات تتحدث مع إيران لتهدئة الأمور، ورأيت ذلك أيضا في الكويت. وسلطان عمان لطالما كانت لديه علاقة تهدف لبناء الجسور بين الخليج العربي وإيران، كما أن هناك محادثات بين السعوديين والإيرانيين. نأمل أن تفضي هذه المحادثات إلى موقف أفضل، نتمكن من خلاله من تهدئة المنطقة، لأن أمامنا العديد من التحديات.
زكريا: هل تعتقد أنه كان من الأفضل أن تبقى إيران ضمن الاتفاق النووي؟
الملك عبدالله الثاني: مرة أخرى، هناك تعقيدات من وجهة نظر الخليج وإسرائيل تتعلق ببرنامج نووي دون محددات واضحة، فما يثير قلقهم هو إمكانية الانتقال من مرحلة التصنيع السلمي إلى مرحلة الاستخدام للأغراض الحربية، إذا قرر بعض الأفراد في الحكومة الإيرانية أن يأخذوا البرنامج النووي باتجاه عسكري. وأعتقد أن هذه هي القضايا التي تحاول الحكومة الأمريكية معالجتها.
زكريا: إنها بالفعل منطقة صعبة، ولقد نسينا أمر سوريا والصراع فيها، ولكنكم ما زلتم تتعايشون مع ما يقارب 1.5 مليون لاجئ؟
الملك عبدالله الثاني: 1.3 مليون لاجئ سوري.
زكريا: نعم، 1.3 مليون لاجئ سوري في الأردن، وهي نسبة كبيرة عندما تنظر إلى عدد سكان الأردن. هل سيتمكنون من العودة؟ وهل ستتمكنون من إقامة علاقات طبيعية مع سوريا وإعادة اللاجئين إلى بلدهم؟ ماذا سيحدث مع سوريا؟
الملك عبدالله الثاني: أعتقد أن الإجابة القصيرة هي أنه لن يتمكن اللاجئون من العودة في أي وقت قريب. فواحد من كل سبعة أشخاص في الأردن هو لاجئ سوري، وواحد من كل خمسة أشخاص في الأردن هو لاجئ، لأننا نستضيف لاجئين من عدة جنسيات. وأعتقد أن لا أحد يتفهم الأثر الهائل لذلك، فقد شهدنا حروبا إقليمية، والأزمة الاقتصادية العالمية، والربيع العربي، وداعش، وجائحة فيروس كورونا، ولكن اللاجئين كان لهم الأثر الأكبر على بلدنا، مما أدى لمعاناة شعبنا. البطالة مرتفعة جدا، وأدرك أن الجائحة ساهمت في ذلك، وها نحن نتعافى تدريجيا، ولكن، لدى الأردنيين تخوفات مشروعة بسبب صعوبة ظروف معيشتهم. ولقد قدم المجتمع الدولي المساعدة، ولكن أعتقد أنه في أفضل الأعوام ساهم في تغطية 40-45% من التمويل المطلوب، أما ما تبقى، فتمت تغطيته من موازنة الدولة. وأصبح السوريون كغيرهم جزءا من النظام التعليمي ونظام الرعاية الصحية، ولدى ما يزيد عن 200,000 سوري تصاريح عمل، فهم فعلا جزء من مجتمعنا.
لو كنت أنا رب أسرة سورية في الأردن وسألني أحد أفراد عائلتي “متى سنعود إلى سوريا؟”، ما الذي سيعودون إليه حقا؟ مما يقودنا إلى التحدي الذي ناقشناه مع الولايات المتحدة والأوروبيين. هناك استمرارية للرئيس السوري بشار الأسد في الحكم، وكنا قد تحدثنا عن ذلك أنا وأنت منذ سنوات، عندما توقع الناس أن تنتهي الأزمة خلال أشهر معدودة، قلت أنا إنها لن تنتهي قبل سنوات، إذا انتهت على الإطلاق. إذن، النظام ما يزال قائما، لذا علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك؟ إذا كانت الإجابة تغيير السلوك، فماذا يتعين علينا أن نفعل للتلاقي حول كيفية التحاور مع النظام، لأن الجميع يقوم بذلك، لكن ليست هناك خطة واضحة إزاء أسلوب الحوار حتى اللحظة. كما أن لدى روسيا دورا محوريا، ودون التحدث مع روسيا، كيف يمكننا الاتفاق على مسار يأخذنا نحو الأمل للشعب السوري؟
زكريا: هل من العدل القول إن في سوريا، الولايات المتحدة والبلدان التي كانت تحاول أن تخلع الرئيس السوري بشار الأسد خسرت المعركة، وأن الروسيين والإيرانيين الذين يدعمون حكومة الأسد قد انتصروا؟
الملك عبدالله الثاني: مجددا كما قلت، النظام السوري باق. لم يتحدث أي منا مع الآخر حول السردية أو أسلوب الحوار الذي يتعين علينا تبنّيه. أتفهم بالطبع غضب وتخوف العديد من الدول حول ما حدث للشعب السوري. لكن الإبقاء على الوضع القائم يعني استمرار العنف الذي يدفع ثمنه الشعب السوري. لقد عشنا ذلك لسبع أو ثماني سنوات، وعلينا الاعتراف أنه ليس هناك إجابة مثالية، لكن الدفع باتجاه الحوار بصورة منسقة أفضل من ترك الأمور على ما هي عليه.
زكريا: هل يعني ذلك تقسيما فعليا يسيطر من خلاله الأسد على الجزء الأكبر من سوريا، ويبقى جزء آخر خارج السيطرة؟
الملك عبدالله الثاني: أعتقد أن الأمر يسير بخطوات صغيرة، ومجددا، المسألة لا تتعلق فقط بتواجد وكلاء إيران أو بتواجد روسيا، فداعش ما تزال هناك، إذ تمت هزيمتهم لكن لم يتم تدميرهم، وهذا أمر يحتم علينا أن نتعامل مع أكثر من تحد في ذات الوقت. لكن بالنظر إلى الصورة بمجملها، هناك الكثير من الدمار في تلك البلاد. من المهم بناء المدارس والمستشفيات، ومنح الأمل. ولكن لن يتمكن اللاجئون السوريون من العودة قريبا، فليس هناك شيء ليعودوا إليه. لهذا باعتقادي، علينا الابتعاد عن العنف، وبحث ما يمكن فعله بخصوص إعادة الإعمار، وهو أمر مرتبط ارتباطا وثيقا بالإصلاح السياسي. ومجددا وكما تعلم، علينا ألا ننسى المأساة في لبنان، وهناك ارتباط لما يحدث في لبنان وسوريا. بالنسبة للأزمة في لبنان، نحن على مشارف كارثة إنسانية، إذا لم تبدأ هذه الكارثة بالفعل. ونظرا للصعوبات التي يواجهها السوريون، قد نواجه نحن في الأردن موجة لجوء جديدة، لا سمح الله. هذه قضايا علينا أن نتعامل معها، وإن تجاهلناها ستفاجئنا بما لا يمكن توقعه.
زكريا: أريد أن أسألك عن أفغانستان، ومن وجهة نظرك تجاهها كجزء من الشرق الأوسط الأوسع وكشخص ذي خبرة بالشؤون العسكرية، فدائما ما تدهشني عندما تشرح لي بعض الأمور العسكرية وأشعر أن لديك فهما دقيقا للتفاصيل على الأرض. تواجدت الولايات المتحدة هناك خلال العشرين سنة الماضية ولم تتمكن من هزيمة طالبان، أ) هل هذا يعني حتمية سيطرة طالبان؟ ب) هل كان يجب على الولايات المتحدة البقاء في أفغانستان؟
الملك عبدالله الثاني: علينا أن نتعاطف مع الولايات المتحدة ومع الدول الأخرى التي قررت أن تنسحب من أفغانستان. فكثير من الدول دفع شبابها وشاباتها الثمن الأكبر في محاولة مساعدة دول أخرى حول العالم. لهذا، من الصعب جدا أن نحكم على هذا الأمر بسرعة في وضع كهذا. برأيي المتواضع، عندما ننظر إلى أفغانستان، نرى أن الاستراتيجية السياسية لم تكن محسوبة جيدا. ما الذي حاولنا تحقيقه في أفغانستان؟ استنادا إلى معرفتنا بتاريخها وثقافتها وأن إمبراطوريات عانت هناك على مدار قرون، فإن محاولة إقامة ديمقراطية غربية، في أقصر فترة زمنية ممكنة، وبالشفافية التي اعتادها الغرب، ربما كانت بعيدة المنال. الجنود الذين كانوا هناك أدوا واجبهم، وقاتلوا بشجاعة لأن هذا واجب الجندية في أي مكان في العالم. لكن عدم وضوح الهدف الذي نسعى للوصول إليه أدى إلى معاناة تلك القوات. والآن انسحبت القوات، والتطورات تعتمد على ما سيحدث مع طالبان وإذا ما ستظهر المزيد من المنظمات المتطرفة التي تثبّت نفسها في أفغانستان، فهل سنعود بعد سنوات أو أشهر من الآن إلى بداية المشكلة؟ إن حدث ذلك، لا قدر الله، يجب أن يتم تحديد الأهداف السياسية، ومعرفة إذا ما كانت واقعية وقابلة للتطبيق.
زكريا: جلالة الملك، يسعدني ويشرفني دائما الحديث معك.
الملك عبدالله الثاني: شكرا لك.