صراحة نيوز – بقلم الوزير السابق سميح المعايطة
عبر تاريخ الدولة كان رحيل الحكومات يتم وفق مواقيت وظروف لا تتشابه في التفاصيل لكنها تلتقي في عدد من المحددات ،لكن القاسم المشترك بين معظم حكومات الاردن هو العمر القصير مع وجود حالات عديدة لحكومات طويلة العمر او تعدد رئاسة شخص لعدد من الحكومات المتتالية او غير المتتالية .
وخلال عهد جلالة الملك لم يختلف الحال كثيرا فيما يتعلق بعمر الحكومات عما كان سابقا ،مع ان الملك يؤمن بوجود حكومات لسنوات تقوم في عملها وفق برنامج ومخطط زمني يتزامن مع عمر مجلس النواب ،لكن الظروف والازمات وتركيبه بعض الحكومات وكفاءة رئيس الحكومة وقدرته على ان يؤدي عمله او قدرته على تشكيل حكومة معقولة كانت تجعل من اعمار الحكومات قصيرة ،او تبقى لفترات لكنها تكون محمولة وتعيش تحت الأجهزة وليس لانها في صحة جيدة .
وبعض الحكومات التي تكون ضعيفة في قدراتها السياسية او شخص رئيسها وكثيرة العثرات تبقى لفترات اكثر مما تستحق لان الظرف الداخلي او الخارجي لايجعل من اقالة الحكومة والبحث عن رئيس جديد اولوية واحيانا تكون هناك اولويات او أجندة للدولة تحتاج عدة اشهر وبالتالي تبقى الحكومة حتى لو كانت في اضعف حالاتها من حيث الأداء او من حيث صورتها عند الاردنيين ،واحيانا تستفيد بعض الحكومات من الظرف السياسي او وجود اولويات اخرى لدى صاحب القرار فيمتد عمرها لكنها تركن الى هذا ولا تستفيد من الفرص المتاحة لتطوير الأداء لكنها تصحو وقد جاء أجلها السياسي فتغادر وهي تعتقد أن في العمر بقية .
ولعل فترة مايسمى الربيع العربي شكلت مرحلة استهلكت عددا من الحكومات ،فالحكومة كيان سياسي يتم تقريبه قربانا للشارع والناس للحفاظ على الاستقرار السياسي وتبريد الاجواء العامة ،وهذا ماكان مع عدة حكومات في فترة الحراك ،وهناك حكومات تذهب مع قناعة صاحب القرار ان المشكلة ليست فيها بل في المرحلة لكن هناك حكومات يكون الرفض الشعبي لها بشكل مباشر وبالتالي يكون رحيلها هو الهدف وليس وسيله .
وخلال العشرين عاما الماضية كان هناك حكومات استمرت فترات طويلة ،وحكومات غادرت سريعا ليس فقط في فترة الحراك بل بعد تفجيرات عمان وبعد انتخابات ٢٠٠٧ التي كانت مؤشرا لعدم قدرة الحكومة على التاثير في مرحلة كانت التجاذبات والصراعات في مؤسسات اخرى ،ولم تؤثر تلك المرحلة على حكومتها بل على مجلس النواب حينها الذي غادر مبكرا جدا ،وهناك حكومات مهمات قصيرة لم تبق سوى شهور مثل حكومة ايار ٢٠١٢ التي جاءت اضطراريا وغادرت بعد أربعة شهور بعد حل مجلس النواب انذاك .
والمنطق ان صاحب القرار لايفضل تغييرات سريعه على الحكومات في المسار الطبيعي للامور ،لكن هناك حكومات تجبر صاحب القرار على تغييرها بعد تكاثر عثراتها او ضعف رئيسها وارتباكه في الازمات ،واحيانا تحصل مثل هذه الحكومات على فرص عديدة ويتم السماح لها بتعديل على تشكيلها لكنها لاتستفيد من هذه الفرص وبالتالي يصبح رحيلها مرتبط بالظرف العام وبرنامج الدولة الاهم ،ومع اول فرصة يكون رحيلها هو الاولوية، لان بقاءها يحمل مؤسسات اخرى في الدولة عبء حمايتها واصلاح عثراتها .
والمدهش في بعض المراحل ان بعض رؤساء الحكومات او الوزراء المهمين في بعض الحكومات وبعد نفاذ قدراتهم المحدودة اصلا تظهر في مجالسهم الخاصة احاديث الزهد بالمنصب، وانهم ينتظرون تلك اللحظة التي ينعمون فيها بالراحة ،وربما يكون هذا استباقا للرحيل الذي يكون متوقعا .
وفي تاريخ الدولة مراحل كانت فيها حكومات تغادر دون سابق إنذار، بل ان بعضها يكون مطمئنا بانها باقية لفترات قادمة لكنها تغادر وهي في قمة الاطمئنان .
ان يكلف الملك شخصا بتشكيل حكومة فهذا يعني فرصة وثقة وانه راى فيه القدرة على ادارة الحكومة لمهمة او مرحلة ،وهي فرصة لخدمة البلد واثبات النفس لكن البعض يضيع هذه الفرصة على نفسه ويخذل الناس، والثمن الاهم تدفعه الدولة من علاقتها بالناس ،اما هو فيغادر وقد اصبح رئيسا للوزراء .
دائما تكون الحكومة القوية صاحبة الكفاءة والتي تقوم بواجباتها العون والسند للملك ،اما الحكومة المتعثرة فهي عبء تحتاج الى من يحملها ،اما الرحيل والتغيير وخاصة في مراحل القلق والازمات فهو قلق اضافي.