ثلاث وصفات أشهرتها الحكومة، حتى الآن، اثنتان أصبحتا جاهزتين، والثالثة قيد التنفيذ، الأولى اقتصادية تتعلق بفاتورة الكهرباء، والثانية سياسية تضمنت ثمانية تعديلات دستورية، أما الثالثة فهي لجنة تحديث القطاع العام، التي لم تنجز مهمتها بعد. عنوان الوصفات الثلاثة، هو “إزالة التشوهات”، لكن ما حدث كان شيئا مختلفا تماما، فاتورة الكهرباء بعد تعديل التعرفة قسمت المجتمع لصنفين: مدعوم وغير مدعوم، لا أعرف، بالطبع، من يدعم من؟ المواطنون الذين يدفعون الضرائب للخزينة، أم الحكومة التي تجبيها؟ ثم وزعت الدعم على طبقتين، إحداهما فقيرة لا يتجاوز استهلاكها من الكهرباء حاجز الـ 600 كيلو واط، وأخرى غنية تستهلك أكثر من 1000 كيلو واط. إزالة التشوهات انصبت على مسار الفاتورة التي يدفعها المواطن، ولم تذهب للعقود التي أبرمت مع شركات التوزيع والتوريد، ولا للفاقد الكهربائي، ولا لملف الطاقة الذي تتغذى منه الكهرباء، مع أن هذه المسارات هي الأهم، لكن الأسهل منها هي جيوب المواطنين، المطلوب منهم أن يسجلوا أسماءهم في منصة الدعم، على الرغم من أن 90 % منهم، كما قالت الحكومة، لن يتأثروا من التعرفة الجديدة، بمعنى أن الـ10 % هم فقط من يتحملون الفارق الذي سيصب برصيد القطاع الإنتاجي، لا برصيد الشركة الخاسرة أو الخزينة. إزالة التشوهات التي عكستها مرآة فاتورة الكهرباء، لا تختلف عن تلك التي عكستها مرآة التعديلات الدستورية التي أدرجتها الحكومة على مخرجات لجنة التحديث السياسي، الصورة لا تحتاج لمزيد من الشرح، فقد أسهب فقهاء القانون الدستوري وسياسيون معتبرون بالحديث عنها، فيما استندت الحكومة لحجة واحدة، من أجل تبريرها وتمريرها، وهي التحوط من “التجاذبات الحزبية”، باعتبار ان خيارات الناس مشكوك فيها، وتستدعي التحوط والحذر، فيما قرارات الحكومات المتعاقبة التي لم تفرزها الصناديق، تصب دوما بالصالح العام، والمصلحة الوطنية. لم تعلن الحكومة، بعد، وصفة إزالة التشوهات بالقطاع العام، لكن ما أخشاه ان تكون صورة مطابقة لما حدث لفاتورة الكهرباء والتعديلات، لا أريد أن أستبق ذلك، ولا أن أضع العصي بالدواليب، وإنما أشير، فقط، إلى أن المشكلة الإدارية التي يعاني منها القطاع العام، مشكلة حكومات أولا، تضخمت بفعل اختلاط المرجعيات، وتغييب الكفاءات، وانتشار المحسوبيات، وانتصاب الرعب الوظيفي مع القصور التشريعي، وبالتالي فإن الموظف العام مجرد ضحية لهذه التشوهات، وإزالتها لا يجب أن تبدأ بتطهير القطاع من الموظفين وإنهاء خدماتهم، وانما بتحسين شروط العمل ومناخاته، وتحصينه من العبث والتدخلات. الأصل أن تكون وصفات إزالة التشوهات عميقة ومدروسة، وان تذهب للأخطاء ومكامن الخلل، وتعيد الحيوية للقطاعات والمجالات التي استهدفتها، وللمجتمع أيضا، والأصل، أيضا، أن تكون إصلاحية وليست تجميلية، وأن تنعكس على حركة الدولة وسلوكها ومناخاتها العامة، من خلال تعاطي المواطنين معها بقبول وإيجابية، باعتبارها تصب بخدمتهم، وتستجيب لمطالبهم، وتتقاطع مع مصالحهم وطموحاتهم. بوسع الحكومة (الدولة إن شئت) أن ترصد ردود فعل الأردنيين على وصفتي إزالة التشوهات المنجزتين، وتدقق بمخرجات الوصفة الثالثة (الإدارية)، ليس فقط لمعرفة اتجاهات حركة المجتمع، وما يجري داخله من تحولات، ثم مدى استجابته لها، وإنما لمصارحة الذات بالأخطاء، والتراجع عنها، لأن ما حدث من تشوهات لاحقة، تحت حجة “الإزالة” والتصحيح والتحديث، لن يضر بالمجتمع وحده، وإنما ستنعكس آثاره السلبية على بلدنا، ومستقبلنا أيضا.