صراحة نيوز – الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة
قراءة الأوضاع السياسية في الأردن قضية ليست سهلة خصوصا في ظل التفسيرات والإشاعات والفيديوهات والمنصات التي تبث ليلا نهارا مشيعة الكثير من الشك في مقاصد التعديلات الدستورية التي جاءت في أعقاب ظروف داخلية صعبة بعضها ذا صلة بما اصطلح على تسميته حادثة” الفتنة”، وبعضها الآخر له صلة بحادثة فصل أحد النواب والتداعيات التي نشأت جراء هذه الحادثة ،والهزات المتعددة التي تعرضت لها الحكومة كإقالات بعض الوزراء واستقالات بعضهم الآخر، ناهيك عما يلاحق الحكومة من إشاعات وأقاويل حول علاقة الرئيس بالوزراء واسلوب تعامله معهم .كل ذلك فتح الباب على مصراعيه للكثير من التفسيرات والسيناريوهات التي يطرحها مؤيدوا الحكومة ومعارضوها.
وفي الوقت الذي يعتبر الموالون للحكومة أن التعديلات الدستورية والتعديلات الجارية على قانوني الانتخاب والأحزاب تشكل ثورة سياسية حقيقية ،وأن نتائج هذه التعديلات والقوانين ستنقل المملكة إلى فجر جديد، ويحقق مزيدا من الديمقراطية ،وينقل الحياة السياسية نقلة نوعية وخصوصا في مجال تشكيل الحكومات، وتركيبة مجلس النواب، فإن المعارضين يشككون بمقاصد التعديلات الدستورية مؤكدين أن هذه التعديلات تعزز من سلطة الملك ،مما يغير من طبيعة النظام السياسي من ” نيابي ملكي وراثي ” كما ورد في دستور عام 1952ألى ملكية شبه مطلقة.
المقلق فيما يدور على الساحة الأردنية هو تلك الفضاءات الجديدة والتكهنات العلنية التي تبث من داخل المملكة وخارجها ،وتناولها لسيناريوهات منها ما يتعلق بمغازي ومقاصد مصطلح “الهوية الجامعة” الواردة في التعديلات الدستورية . ذهب البعض إلى ربط هذا المصطلح بصفقة القرن في حين ذهب البعض الآخر الى أن هذا المصطلح قصد منه صهر الهويات الفرعية لصالح تعزيز المواطنة والانتماء للهوية الوطنية.
حمى التنبؤات والقراءات لما يشهده الوطن من روايات وقصص وتفسيرات متناقضة تجاوزت التعديلات الدستورية التي تم إقرارها بوقت قياسي وبشكل مستعجل لتتناول مسائل ذات صلة بالتوطين، وأخرى ذات صلة بالحكم والتفاعلات داخل العائلة المالكة . أي كانت التفسيرات وبغض النظر عن دقة الأخبار ومصداقية التحليلات، فإن الملفت هو الغياب المريب لإعلام الدولة وعدم تصديه لما يضخ ويبث ليلا نهارا في وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، مما يجعل المواطنين والمتابعين للشأن العام في حالة من الريبة والشك وعدم التأكد(Uncertainty) لمستقبل الوطن، وسيناريوهات الحلول للقضية الفلسطينية، والتركيبة السكانية الداخلية ،وطبيعة التغيرات التي ستطرأ على هيكلة النظام السياسي خصوصا وأن نسبة معتبرة من الفلسطينيين في الضفة الغربية يحمل الجنسية الأردنية.نعم صمت محير لماكنة الإعلام الرسمية وللقيادات السياسية حيال الفوضى الإعلامية، وتضارب الأنباء، وخلط الأوراق، والتشكيك بمآرب الحكومة وخططها في الوقت الذي نشهد خروج بعض النخب السياسية ورؤساء الحكومات السابقين عن صمتهم وانتقاداتهم المستترة والعلنية للتعديلات الدستورية والهوية الجامعة ودستورية مجلس الأمن القومي الذي يعتقد بأنه يتداخل في صلاحياته مع السلطة التنفيذية ،لا بل فقد ذهب بعض أحد رؤساء الحكومات السابقين إلى اتهام الفاسدين بالسيطرة على المشهد النيابي .لم يخرج على الأردنيين رئيس الحكومة أو وزير الإعلام للرد على ما يتناوله الإعلام غير الرسمي وطمأنة الأردنيين حول مسارات الدولة ومواقفها ،وتفنيد الإشاعات، والتصريح بمواقف الحكومة الحقيقية إزاء القضية الفلسطينية ،ونظام الحكم، ،وصفقة القرن..الخ.مجلس النواب كهيئة سياسية منتخبة وممثلة للمواطنين لا يعرف ولا يستطيع أن يجيب أعضاؤه عن السؤال “إلى أين نحن سائرون؟…”غياب الإعلام الرسمي جعل نسبة معتبرة من المواطنين وخصوصا فئة الشباب في حيرة مما يشاع عن تحولات كبيرة سيشهدها الأردن في المجال السياسي.
غياب الإعلام الرسمي وحالة الغموض المشار إليها أعلاه خلقت حالة من الازدواجية والاستقطاب والثنائية (Polarization) في المجتمع الأردني إزاء المواقف السياسية الحقيقية للدولة ،ومشاريع التسوية للقضية الفلسطينية، والتحولات في شكل النظام السياسي .هذه الحالة صاحبها اتساع في فجوة عدم الثقة بين المؤسسة السياسية والأجهزة الرسمية من جهة والمواطنين من جهة أخرى.
للتعامل مع هذه الحالة الضبابية وتصاعد وتيرة التشكيك في مقاصد الدولة وتوجهاتها الحقيقية فإننا نعتقد بأن توجيه جلالة الملك لخطاب وطني شامل يتناول فيه مجمل القضايا المتعلقة بموقف الدولة من التوطين، وصفقة القرن ،ومجلس الأمن القومي، والتعديلات الدستورية التي تم إقرارها من مجلس الأمة أمر مهم وينتظره الأردنيون… لا بد من تبديد مخاوف الناس من المستقبل القادم والسيناريوهات والمخططات التي يشاع لها والتي تشكك في مقاصد الحكومة وأجهزتها تجاه هوية الدولة ونظام الحكم .خروج رئيس الحكومة من عزلته الإعلامية وأناقته في الكلام جاء متواضعا ومتأخرا (Too little Too late) نظرا لعدم حضوره في أحداث هامة حدثت في الدولة خلال العام المنصرم ،ونظرا لبعض ردود أفعاله تجاه منتقديه في البرلمان وخارجه .
أخيرا نقول ليس هناك من وقت أفضل وأحوج لتوجيه خطاب ملكي شامل للشعب يشرح ويوضح ويطمئن الأردنيين على مستقبلهم ومستقبل وطنهم وأبنائهم من هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ السياسي للدولة الأردنية…
راي اليوم
ه