يعتب علينا بعض المسؤولين لأننا ننتقدهم، يقولون: أنتم تفتحون أعينكم على السلبيات، وتغمضونها عن الإنجازات، تسنون أقلامكم لتشويه الصورة، وتعطيل المسيرة، تدغدغون عواطف الناس وتبحثون عن “الشعبوية “، بدل أن تكونوا إيجابيين وتساعدونا بتهدئة الخواطر، وتحسين الصورة. يتحدث هؤلاء بالنيابة عن الدولة، وكأنهم الناطقون الحصريون باسمها، والحريصون عليها، ويتطوع بعض أبناء المهنة بالاعتذار تارة، وتقديم ما يلزم من حجج وذرائع تارة أخري، وكأنهم متهمون بالإخلال بشرف المهنة، وربما بنقص في الوطنية. أفهم، بالطبع، مثل هذا العتب، والغضب أحيانا، لكن ما لا أفهمه هو أن يتصور بعض المسؤولين أن وظيفة الصحفي أو الكاتب هي الدفاع عنهم، أو التنسيق معهم، أو انتظار إنجازاتهم للترويج لها، فيما الصحيح أن الصحافة وكيل عن المجتمع، تتحدث باسمه، وتمثل ضميره العام، كما أنها سلطة رقابة على أعمال الدولة ومؤسساتها، وعلى حركة المجتمع، وما يمكن أن يحدث فيهما من تجاوزات. نحن معنيون، كصحفيين، بالدفاع عن الدولة، كما ندافع عن حق الأردنيين تماما، لكن كيف يمكن أن ندافع عن قرارات خاطئة يشهرها البعض باسم الدولة، كيف نساعد المسؤولين بتعظيم الإنجازات، والخروج من دوائر السواد العام، وهم مصرون على ابقائنا في دوائر الشك والخيبة، كلما انفتحت بارقة أمل أغلقوها، وكلما توسمنا إصلاحا أعادونا للوراء؟ نصارحكم بأن بلدنا أصبح في خطر، ومن حقنا أن نخاف عليه، ونغضب من أجله، وأن نصرخ بأعلى صوت : أين هم رجالات الدولة، وأين قيم الدولة التي تأسست عليها، ولمصلحة من يتجرأ البعض على ثوابتها، ولمصلحة من يصمت المعنيون من “رقاب الدولة” ولا يردون، أغلبية الأردنيين عزفوا عن انتقاد الحكومات، بعد أن ارتفعت سقوفهم وتجاوزوا المألوف، من أوصلهم لذلك سوى المسؤولين العاجزين والمرعوبين الذين احتجبوا عن الناس، وحملوا غيرهم أخطاء قراراتهم غير المدروسة؟ هذه فشة خلق أقولها، وأجري على الله، لقد أخطأنا جميعا بحق بلدنا، من تحدث وفجر أخطأ، ومن صمت وانسحب أخطأ، ومن ارتجفت يداه عند اتخاذ القرار الصح ولم يتخذه أخطأ، نحن مسؤولون عما وصلنا اليه، وإن اختلفت أنصبة المسؤولية، ومن واجبنا أن نعترف ونحتكم لضمائرنا، فلهذا البلد فضل على الجميع، وفي هذا البلد خير يكفي الجميع، وإذا أصابه مكروه خسرنا جميعا بلا استثناء، دققوا بصورة الأوطان التي تحولت إلى خراب، والشعوب التي أصبحت مشاريع لاجئين، ستكتشفون حجم الحفرة التي يدفعنا البعض للوقوع بها، وجسامة الفجيعة التي أصر الأردنيون على النجاة منها. ساعدونا لكي نحتكم للعقل بدل أن يأخذنا صوت الجنون للمجهول، إن لم يكن من أجل القيم التي تجمعنا، فمن أجل مصلحة أجيال قادمة، لا نقبل أن نورثهم مزيدا من الخيبات والأزمات، إن لم يكن من أجل الوطن الذي تقاسمنا فيه المحنة والنعمة، فمن أجل أن تستريح ضمائرنا قبل لحظة الحساب العسير. يا سادة، هل يسعدكم أن تنتصر أنانيتكم ويخسر الوطن، أو أن تكسبوا مواقعكم وامتيازاتكم، ويفقد شاب واحد في بلدنا ما تبقى لديه من أمل، أو ينام وهو مظلوم، أو يحزم حقائبه ويهاجر، أو يتحسر على حلم جاء ثم تبخر، هل تفهمون. هل تردون؟