بصراحة، وباعتزاز أيضا، تحدث أحد رؤساء الوزارات السابقين عن إنجازاته: أنا من وضع ضريبة المبيعات، التي تتغنى الحكومات بإيراداتها، وضريبة البنزين (جعلت سعره الأعلى بالعالم، هذه من عندي)، وضريبة الدخل، التي خرج الأردنيون للرابع في 2018 احتجاجا عليها، كنت الجراح وتعرضت للشتم، لأن “البنج” لم يكن كافيا، صحيح أكلت “الكف”، لكنه رخيص في سبيل الوطن. لا يوجد لدي أي تعليق على ما ذكره الرئيس الأسبق، أترك هذه المهمة للقارئ الكريم، لكن لدي رجاءان، بدافع العشم فقط؛ الأول للأردنيين لكي يعتذروا للرجل عن “الكف” الذي رفعوه عليه في الدور الرابع، ثم لكي يشكروه على إنجازاته “الضريبية” التي لولاها -كما قال- لتضاعفت أرقام المديونية بشكل مفزع، ثم لا بأس لو خرجوا، مرة ثانية، للمطالبة بإعادته للرئاسة، كما فعلوا حين خرجوا لإسقاط حكومته المرة الأولى، أما الرجاء الثاني فللرئيس، لكي يقبل الاعتذار، ويطوي هذه الصفحة، على أمل ألا تتكرر أبدا. اعترافات الرئيس الأسبق، تفتح شهية الأردنيين لمعرفة إنجازات “نادي الرؤساء”، فقد تعاقبت على المملكة، خلال الأعوام العشرين السابقة، 13 حكومة مختلفة، تصاعدت أثناءها المديونية من نحو 7 مليارات دينار العام 2003، لتصل إلى أكثر من 35 مليار دينار هذا العام، كما ارتفعت نسبة البطالة، بالأعوام الخمسة الماضية، من %14 إلى 25 %، وتوسعت جيوب الفقر لتشمل أكثر من مليوني أردني، ولم تكن الإنجازات بالمجالات السياسية والتعليمية والصحية، وقطاعات الماء والغذاء …الخ، أفضل حالا. اعترافات الرئيس الأسبق، ذكرتني، أيضا، بحزمة لا تنتهي من تصريحات الرؤساء وإنجازاتهم، آخرها ما قاله أحدهم: فشلنا في تقدير المعلم، وما قاله آخر حول ضرورة الاعتراف بتراكم الأخطاء التي ارتكبتها كل الحكومات السابقة بلا استثناء، وما قاله ثالث حول إصدار حكومته لأكثر من 200 قانون مؤقت، ما يزال بعضها ساريا حتى الآن، جردة الحسابات لا تنتهي، لكن “حالة البلاد” تكشف صورة الإنجازات والإخفاقات، كما أن استطلاعات رأي الأردنيين بحكوماتهم، من حيث ثقتهم بها، والاتجاه الذي تسير عليه، تعكس ذلك تماما. لا أريد أن أستغرق بالتشخيص، ولا “بتركة” الماضي أيضا، أستأذن الرؤساء الأعزاء بتقديم ثلاثة نماذج للإنجازات، من ثلاث قارات بالعالم: البرازيل بأميركا الجنوبية، ورواندا بإفريقيا، وبنجلاديش بجنوب شرق آسيا، لا يخطر ببالي أن أقارن بين إنجازاتكم وإنجازاتهم، لكن من الممكن أن نتعلم من تجاربهم، وأعتقد أننا قادرون على إنجاز ما أنجزوه، وربما أكثر، إذا قررنا أن الفشل ليس قدرا، وإنما اختيار للخطأ وإصرار عليه. البرازيل وصلت العام 2002 إلى حالة الإفلاس؛ حيث ارتفع الدين الخارجي إلى 250 مليار دولار، وحين انتخب البرازيليون (لولا دا سيلفا) آنذاك، تعهد أن ينقطع عن الكلام حتى تتحدث الإنجازات عن نفسها، وهذا ما حدث فعلا، انتقلت البرازيل من الإفلاس لسادس أكبر اقتصاد بالعالم، وأصبح صندوق النقد الدولي مدينا لها بـ14 مليار دولار. رواندا التي شهدت أقسى حرب داخلية (بين قبيلتي التوتسي والهوتو)، سقط فيها نحو مليون قتيل في 100 يوم، استطاعت، بفضل (بول كاجي)، أن تحقق نهضة اقتصادية واجتماعية، جعلتها تحتل المركز 44 عالميا في محاربة الفساد، وتصاعد ناتجها الإجمالي من 900 مليون دولار إلى 10 مليارات دولار، حدث ذلك بفعل مسارين: المصالحة الوطنية، والاستثمار بالأرض والإنسان. بنغلاديش التي تم تصنيفها من بين أفقر دول العالم، أصبحت بعد انتخاب (الشيخة حسينة واجد) من بين أسرع خمسة اقتصادات نموا بالعالم، تم تخفيض نسبة الفقر من 31 % إلى 20 %، وتجاوز نموها الاقتصادي الـ7,8 %، وخرجت نهائيا من مجموعة الدول الأقل تطورا وتنمية، ومن المتوقع أن تقفز اقتصاداتها من 300 مليار دولار إلى 700 مليار دولار العام 2030، وراء هذه النهضة الاقتصادية إصرار على الاكتفاء الذاتي الغذائي، وتطوير للتعليم والتكنولوجيا، والاستثمار بالطاقة والبنية التحتية. بقي أن أذكر القارئ الكريم بمقولة للبرازيلي (لولا)، عندما افتتح رئاسته أهداه أحدهم حذاء ليذكره بماضيه، فرد عليه “شرف أن يصبح ماسح الأحذية رئيسا”، وحين انتهت مدة ولايته، طلب البرازيليون منه الاستمرار، فرفض قائلا “البرازيل ستنجب مليون لولا”.