بعد أن أنهت ابنتي امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي)، كنا بحاجة صندوق ورقي (كرتونة) حجم صغير عدد2، لنضع فيه الكتب والأوراق والدوسيات، ذهب ابني للبحث عن (كراتين) فارغة لدى المحلات أو المول المجاور، لكنه لم يفلح، وعاد بخفي حنين، استغربت الأمر، وقمت بالتجول للبحث لعلي أجد ما نريده، وكانت النتيجة أنه فعلا لا يوجد كراتين أمام محلات السوبرماركت، ولا حتى أمام المول، فلفت نظري سيارة (ديانا) للنقل محملة بكراتين بكميات كبيرة، اقتربت من صاحبها، وقلت له هل ممكن تعطيني (كرتونتين) فارغتين بثمنهما، إعتذر وقال أن جميع الكراتين في السيارة ممزقة، ودار بيننا حديث، فأحب الرجل أن يعمل معي معروفا، وقال انتظر قليلا سأدخل على المول وسأطلب منهم تفريغ كرتونتين وأحضرها لك، وفعلا ذهب الرجل ولبى الطلب، بدون مقابل، واستطردنا الحديث معا، وسألته إن كان هذا العمل يؤمن له حاجاته العائلية من حيث النفقة والمصروف، فقال أنا أقوم بتعبئة السيارة بالكراتين على يومين أو ثلاثة، حتى تصل إلى وزن يقارب 800كغم، أو أرفع مستوى الحموله أعلى من السيارة حتى تصل وزن طن، وأقوم بتوريدها لأحد المصانع، وأخذني الفضول لطرح مزيد من الأسئلة، المحصلة أن الرجل بعد عناء هذا التنقيب والجمع يؤمن شهريا ضعف الحد الأدنى للاجور لأي موظف في مؤسسة خاصة، ربنا يبارك له في ماله، ويعوض عليه تعبه وعرقه ومرارة السعي والتجوال لتحصيل لقمة عياله. وذكر الشيء بالشيء يذكر، فأنا أجلس على شرفة البيت في الليل، ككائن ليلي، وأرى في ثلاث مواقع للحاويات تردد أشخاص عليها، يحملون (لوكس يدوي)، أو أحيانا مثبت بطريقة ما على جباههم، ليتم النبش والبحث بسهولة داخل الحاويات، عن عدة أشياء من بلاستيك، وحديد، ونحاس، وغيره، حتى السكان يضعون (الخبز) بجانب الحاويات، كل ذلك منفعة للمنقبون في النهار والليل.
ما أريد قوله، أنه لولا الحاجة، لما تخلى هؤلاء عن ثقافة العيب في مجتمعهم، وواصلوا الليل بالنهار في التلقيط والتنقيب، صحيح أن بعضهم يضع أحيانا لثاما، أو طاقية، حتى لا يعرفه أحد، إلا أن الظروف تمكنت منهم واضطرتهم لهذا، وهو من رؤية بمنظار آخر أعتبره منفعة وطنية، ويخدم تدوير المواد الصلبة، وحسب علمي أن هؤلاء الأشخاص يتعاملون مع تجار أكبر منهم يديرون هذا العمل من قبلهم لما فيه من منفعة تجارية، وتحقيق أرباح جيدة.
ما دعاني للكتابة ما قرأته في تقرير صحفي أعدته فرح عطيات في جريدة الغد تؤكد فيه أنه تتجه جهات حكومية لإنشاء مظلة رسمية لملتقطي النفايات في المملكة، بهدف تنظيم عملهم بصورة قانونية، وصولاً لإصدار تعليمات خاصة بهذه الغاية،وأن أمانة عمان الكبرى قامت بـ إنشاء شركة لإدارة النفايات الصلبة، ستكون إحدى مهامها إيجاد مظلة لتنظيم عمل ملتقطي المخلفات وتدريبهم وتأهيلهم، وبالتعاون مع الجهات الدولية، وبالشراكة مع القطاع الخاص، وستصدر الأمانة، ووزارة البيئة تعليمات لملتقطي النفايات، بعد أن يتم إجراء دراسة مسحية للاستدلال على الأسباب التي دفعتهم لامتهان هذا العمل.
وأفاد التقرير وجود سبعة آلاف جامع للنفايات، يعملون بصورة غير رسمية في محافظات عمان والزرقاء وإربد، من بينهم 22 % لاجئ سوري ويضم هذا القطاع ما نسبته 7 % من النساء، يليهن جامعو النفايات من القاصرين والأطفال، في وقت يحظى فيه قطاع إدارة النفايات بأهمية كبرى ضمن الخطط الوطنية الاستراتيجية.
وعليه نجد أن هذه الفئة من المجتمع ستكون تحت مجهر ومتابعة أمانة عمان الكبرى والبلديات والمجالس المحلية في المحافظات، وستكون ضمن إهتمامات وزارة الصحة، والصحة البيئية، ووزارة البيئة.