صراحة نيوز- بقلم د.محمد ابوحمور
وزير مالية سابق
أكدت المصادر الرسمية أن المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وقعته المملكة مع صندوق النقد الدولي سوف تتم افتراضياً خلال شهر أيلول الحالي، حيث سيقوم الفريق المعتمد من الصندوق بالاطلاع على قرارات وإجراءات الحكومة التي تم اتخاذها في سبيل التوصل الى المؤشرات المتفق عليها ومدى التقدم نحو تحقيق الأهداف المتوخاة من هذا البرنامج، ومن المعلوم أن هذا الامر هو اجراء روتيني فيما يتعلق بالدول التي تلتزم بتنفيذ برامج إصلاحية قد تختلف أهدافها ومؤشراتها وفقاً لأوضاع الدول ذات العلاقة.
تراكم لدى المملكة خبرة تزيد عن ثلاثين عاماً في مجال برامج الإصلاح والتصحيح التي تنفذ بالتعاون مع الجهات الدولية، ويشار بهذا الخصوص الى أنه وفي تموز من عام 2004 تمكن الأردن من الوصول الى مرحلة انهاء برامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي وبدء مرحلة جديدة من الاعتماد على الذات في هذا المجال.
ونظراً لبعض الظروف والمستجدات الإقليمية والصدمات الخارجية، وبعض القرارات والإجراءات التي تم اتخاذها دون دراسة كافية وتقييم العواقب المترتبة عليها فقد اضطرت المملكة عام 2012 للعودة مجدداً الى تنفيذ برامج إصلاحية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وكان اخرها البرنامج الذي انتهى عام 2019 ولم تستطع الحكومة تنفيذ أهدافه التي تمثلت بشكل أساسي في تعزيز بيئة الاعمال وتفعيل دور القطاع الخاص وتخفيض كلفة الطاقة وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي.
ومن الواضح أن الأهداف التي كان البرنامج يسعى لتنفيذها هي أهداف مطلوبة ولا خلاف عليها ولكن المصاعب برزت في الاليات والإجراءات التي تم اتخاذها في حينه حيث تم اعتماد مجموعة من الإجراءات المالية الهادفة الى جباية مزيد من الإيرادات ما أدى الى تباطؤ النشاطات الاقتصادية والتأثير سلباً على مستوى حياة المواطنين ، وبرزت مطالبات رسمية وشعبية بضرورة العمل على اعداد برنامج وطني ينطلق من الأولويات المحلية ويراعي الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين ويركز على إجراءات كفيلة بمعالجة المصاعب التي يواجهونها.
وخلال الربع الأول من العام الحالي تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج جديد للإصلاح الاقتصادي، وبموجبه سيقوم الصندوق بتقديم تمويل تسهيل (قرض) بقيمة 1.3 مليار دولار، ويتم صرف القرض من الصندوق على تسع دفعات على مدى أربع سنوات، وتتراوح قيمة الدفعة الواحدة بين 140 و150 مليون دولار.
وقد تم استلام الدفعة الأولى وقيمتها تزيد قليلا عن 139 مليون دولار، وسوف يصرف باقي المبلغ على مراحل عبر عمر البرنامج. ويعد ذلك أول حزمة مالية يقدمها الصندوق في منطقة الشرق الأوسط منذ تفشي فيروس كورونا، أضافة لذلك فقد وافق الصندوق في شهر أيار الماضي على تقديم دعم مالي طارئ للأردن لمساعدته على مواجهة جائحة كورونا بنحو 396 مليون دولار.
ووفقاً للتصريحات الرسمية فان البرنامج الحالي لن يتضمن زيادة على الضرائب بل سيتم تحسين ايرادات الضريبة والمبالغ المحصلة من خلال محاربة التهرب الضريبي عبر اجراء هيكلة لمديريات دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، كما سيتم توسيع القاعدة الضريبية وتحسين الإدارة الضريبية وتقليص بعض الإعفاءات.
وفي ظل المستجدات من المتوقع ان برنامج الإصلاح مدار البحث سيكون مرناً بحيث يمكن تعديله خلال الفترات المقبلة بما يتناسب مع المستجدات المحلية والاقليمية التي سوف تترتب على الازمة الناجمة عن وباء كورونا بما في ذلك اتاحة المجال أمام الحكومة لتخصيص مزيد من النفقات خاصة للقطاع الصحي لمواجهة هذه المستجدات .
ومن المؤمل ان البرنامج سيراعي المتطلبات اللازمة لتعزيز نمو الاقتصاد الأردني عبر تنفيذ إصلاحات هيكلية نوعية وتحسين بيئة الاعمال وزيادة الوظائف وتعزيز الاستقرار المالي للمملكة، وزيادة الشفافية وتحسين آليات الإنفاق العام، وتوفير فرص عمل أكثر للشباب، وخفض مساهمات الضمان الاجتماعي للشركات الناشئة، وتخفيض تكاليف الانتاج وعلى رأسها كلفة الطاقة الكهربائية للشركات .
ولا شك بان التوصل لاتفاق مع صندوق النقد ساعد في سهولة الحصول على تمويل لسندات اليورو بوند التي أصدرتها الحكومة الأردنية في نهاية شهر حزيران الماضي وبمبلغ يعادل حوالي1.75 مليار دولار.
ومن المعلوم أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج تصحيح اقتصادي عادة ما يؤدي لزيادة الثقة ويسهل الحصول على مساعدات خارجية ويحفز الجهات الدولية والإقليمية على تقديم تمويل للمملكة بشروط ميسرة، كما أن هذا قد يكون أحد الأسباب التي أدت بمؤسسة التصنيف الدولية – ستاندرد اندبور الى تثبيت تصنيف المملكة مع نظرة مستقبلية مستقرة في الوقت الذي تراجع فيه تصنيف عدد من الدول اقليمياً وعالمياً .
ولدى الحديث عن الإصلاح الاقتصادي لا بد أن نشير الى مؤتمر لندن الذي عقد في شهر شباط عام 2019، حيث تمخض التوافق على مجموعة من الإصلاحات الهيكلية على مدار خمس سنوات بما في ذلك الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، تحفيز التصدير والاستثمار، تحسين بيئة الأعمال، تسهيل الحصول على التمويل، رفع كفاءة سوق العمل، وتحسين شبكة الأمان الاجتماعي يضاف لذلك اجراء إصلاحات قطاعية في مجالات الطاقة، المياه، والنقل.
وبالمجمل يمكن القول أن الإصلاحات المطلوبة في اطار هذه المبادرة تهدف الى تحفيز النمو عبر تعزيز الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر، وتشجيع تنويع الأعمال والابتكار، وتحسين مناخ الأعمال وصولا الى توليد فرص عمل جديدة.
من الواضح ان الأهداف التي اعتمدت سواء في اطار مبادرة لندن او في برنامج صندوق النقد الدولي تمثل أهدافاً سامية ولا اختلاف حول أهميتها وضرورتها، وقد تكون المراجعة المزمعة لوفد صندوق النقد الدولي فرصة لإعادة النظر في مدى واقعية الأهداف وسبل تحقيقها في ظل الظروف الطارئة التي يشهدها العالم أجمع، إضافة الى تحديد الأولويات التي يجب التركيز عليها خلال المرحلة الحالية.
هذا من جانب ومن جانب اخر لا بد ان يعي المسؤولون عن تنفيذ البرنامج أن مراجعة الصندوق ليست هي ضمانة حسن التنفيذ بل ذلك يجب أن ينبع من رحم اداراتنا المحلية، والمقدمة الصحيحة لذلك هي ان يكون قد تم بناء البرنامج بما في ذلك المؤشرات والأدوات والإجراءات وفق منهج علمي يستند الى الإمكانات الواقعية التي يمكن القيام بها والتي تنعكس على حياة المواطن بشكل يمكنه من لمس الاثار الإيجابية حتى ولو في المدى المتوسط لتتشكل لديه قناعة وثقة بان الإجراءات والإصلاحات التي يجرى تنفيذها هي لمصلحة الوطن والمواطن.
وفي مرحلة تنفيذ الإصلاحات من الضروري ان تتوفر لدينا القدرة على تقييم ما يتم إنجازه أولا بأول، والشجاعة لكي نحاسب من يقصر في أداء مهامه، وهذا النمط من الإدارة ليس إعادة اختراع للعجلة بل معروف ومجرب فمثلاً كلما كانت الرقابية الداخلية في المؤسسة متينة وتقوم بمهامها بالشكل المطلوب كلما قلت حاجة الرقابة الخارجية للتدقيق بشكل أعمق وأشمل.
في حالتنا هذه ليست الفكرة في تقليص الأعباء وانما في ان حاجتنا الداخلية للإصلاح أشد من حاجة الجهات الخارجية فنحن نتحدث عن التزامات امام الوطن والمواطن فما بالك اذا تضاعفت هذه الالتزامات بفعل الظروف المستجدة والمصاعب الطارئة التي ان لم نعمل على تخفيف اثارها بكل السبل المتاحة فسنصبح ضحية لحلقة مفرغة من الفقر والبطالة والتردي الاقتصادي والاجتماعي.
لذلك فنحن الان مطالبون اكثر بان نهيئ قطاعاتنا الاقتصادية للظروف المستجدة وان نعمل على تذليل أي صعوبات قد تواجهها وان لا نتردد في بناء شراكة حقيقية تبعث الامل وتعيد الثقة بقدرتنا على مواجهة الصعوبات وتحويل التحديات الى فرص.
صندوق النقد مؤسسة دولية تساعد الدول التي تتعرض لأزمات ومصاعب اقتصادية وعادة ما يكون ذلك مترافقاً مع اشتراطات محددة ولمدة زمنية متفق عليها، أما السلطات المحلية فهي مسؤولة عن الحاضر والمستقبل وعملها يجب ان يكون في اطار نهج يهدف ليس فقط الى تحسين الأوضاع الراهنة او تخفيف اثار الصدمات بل ايضاً الى بناء أسس لمستقبل افضل للأجيال القادمة .
فليس من المقبول مثلاً أن تلجأ دولة للاستدانة المفرطة لمواجهة المصاعب الانية بل لابد ان تضع في اعتبارها اثر ذلك على التطورات المستقبلية عندما تحين اجال السداد.
ونحن اليوم في الأردن وبالرغم من المصاعب العديدة التي تواجهنا بحاجة الى نهج متوازن يقلص الأعباء والاضرار التي سببتها الظروف المتعلقة بالوباء وفي نفس الوقت يراعي الاثار متوسطة وطويلة الاجل على الاقتصاد والمجتمع، ولكي نستطيع ان نحقق التوازن فنحن بحاجة الى تحديد أولوياتنا في خضم هذا الكم الهائل من التحديات التي فرضتها الجائحة.
الانكماش وتعمقه أصبح شبه مؤكد، وانخفاض الدخل السياحي وتراجع حوالات العاملين أصبحت حقائق واقعة، ومعاناة المالية العامة لا جدال فيها خاصة مع ما استجد من انفاق وما سوف يستجد خلال العام القادم، وتراجع الصادرات والتطورات السياسية والأمنية في الإقليم تفرض تحديات جديدة، والارتفاع غير المسبوق في نسب البطالة ، والذي لا بد من العودة له في مقال قادم نظراً لما يترتب عليه من اثار اقتصادية واجتماعية.
ومؤخراً أضيف لكل ذلك تخوفات القطاع الخاص من نتائج مراجعة الحوافز والاعفاءات الواردة في قانون الاستثمار، هذا العرض الموجز يبين اننا امام تحديات كبرى قد لا نستطيع التغلب على اثارها السلبية المتوقعة ولكن أمامنا فرصة للخروج باقل الخسائر الممكنة ان استطعنا ان نمضي قدماً في الإصلاح وفقاً لمتطلبات اقتصادنا ومجتمعنا وبما يخدم أولوياتنا وبانتهاج افضل السبل والإجراءات الممكنة للوصول الى الأهداف.المراجعة الأولى لصندوق النقد….. ماذا عن المراجعة الذاتية؟
د.محمد ابوحمور
وزير مالية سابق
أكدت المصادر الرسمية أن المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وقعته المملكة مع صندوق النقد الدولي سوف تتم افتراضياً خلال شهر أيلول الحالي، حيث سيقوم الفريق المعتمد من الصندوق بالاطلاع على قرارات وإجراءات الحكومة التي تم اتخاذها في سبيل التوصل الى المؤشرات المتفق عليها ومدى التقدم نحو تحقيق الأهداف المتوخاة من هذا البرنامج، ومن المعلوم أن هذا الامر هو اجراء روتيني فيما يتعلق بالدول التي تلتزم بتنفيذ برامج إصلاحية قد تختلف أهدافها ومؤشراتها وفقاً لأوضاع الدول ذات العلاقة.
تراكم لدى المملكة خبرة تزيد عن ثلاثين عاماً في مجال برامج الإصلاح والتصحيح التي تنفذ بالتعاون مع الجهات الدولية، ويشار بهذا الخصوص الى أنه وفي تموز من عام 2004 تمكن الأردن من الوصول الى مرحلة انهاء برامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي وبدء مرحلة جديدة من الاعتماد على الذات في هذا المجال.
ونظراً لبعض الظروف والمستجدات الإقليمية والصدمات الخارجية، وبعض القرارات والإجراءات التي تم اتخاذها دون دراسة كافية وتقييم العواقب المترتبة عليها فقد اضطرت المملكة عام 2012 للعودة مجدداً الى تنفيذ برامج إصلاحية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وكان اخرها البرنامج الذي انتهى عام 2019 ولم تستطع الحكومة تنفيذ أهدافه التي تمثلت بشكل أساسي في تعزيز بيئة الاعمال وتفعيل دور القطاع الخاص وتخفيض كلفة الطاقة وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي.
ومن الواضح أن الأهداف التي كان البرنامج يسعى لتنفيذها هي أهداف مطلوبة ولا خلاف عليها ولكن المصاعب برزت في الاليات والإجراءات التي تم اتخاذها في حينه حيث تم اعتماد مجموعة من الإجراءات المالية الهادفة الى جباية مزيد من الإيرادات ما أدى الى تباطؤ النشاطات الاقتصادية والتأثير سلباً على مستوى حياة المواطنين ، وبرزت مطالبات رسمية وشعبية بضرورة العمل على اعداد برنامج وطني ينطلق من الأولويات المحلية ويراعي الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين ويركز على إجراءات كفيلة بمعالجة المصاعب التي يواجهونها.
وخلال الربع الأول من العام الحالي تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج جديد للإصلاح الاقتصادي، وبموجبه سيقوم الصندوق بتقديم تمويل تسهيل (قرض) بقيمة 1.3 مليار دولار، ويتم صرف القرض من الصندوق على تسع دفعات على مدى أربع سنوات، وتتراوح قيمة الدفعة الواحدة بين 140 و150 مليون دولار.
وقد تم استلام الدفعة الأولى وقيمتها تزيد قليلا عن 139 مليون دولار، وسوف يصرف باقي المبلغ على مراحل عبر عمر البرنامج. ويعد ذلك أول حزمة مالية يقدمها الصندوق في منطقة الشرق الأوسط منذ تفشي فيروس كورونا، أضافة لذلك فقد وافق الصندوق في شهر أيار الماضي على تقديم دعم مالي طارئ للأردن لمساعدته على مواجهة جائحة كورونا بنحو 396 مليون دولار.
ووفقاً للتصريحات الرسمية فان البرنامج الحالي لن يتضمن زيادة على الضرائب بل سيتم تحسين ايرادات الضريبة والمبالغ المحصلة من خلال محاربة التهرب الضريبي عبر اجراء هيكلة لمديريات دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، كما سيتم توسيع القاعدة الضريبية وتحسين الإدارة الضريبية وتقليص بعض الإعفاءات.
وفي ظل المستجدات من المتوقع ان برنامج الإصلاح مدار البحث سيكون مرناً بحيث يمكن تعديله خلال الفترات المقبلة بما يتناسب مع المستجدات المحلية والاقليمية التي سوف تترتب على الازمة الناجمة عن وباء كورونا بما في ذلك اتاحة المجال أمام الحكومة لتخصيص مزيد من النفقات خاصة للقطاع الصحي لمواجهة هذه المستجدات .
ومن المؤمل ان البرنامج سيراعي المتطلبات اللازمة لتعزيز نمو الاقتصاد الأردني عبر تنفيذ إصلاحات هيكلية نوعية وتحسين بيئة الاعمال وزيادة الوظائف وتعزيز الاستقرار المالي للمملكة، وزيادة الشفافية وتحسين آليات الإنفاق العام، وتوفير فرص عمل أكثر للشباب، وخفض مساهمات الضمان الاجتماعي للشركات الناشئة، وتخفيض تكاليف الانتاج وعلى رأسها كلفة الطاقة الكهربائية للشركات .
ولا شك بان التوصل لاتفاق مع صندوق النقد ساعد في سهولة الحصول على تمويل لسندات اليورو بوند التي أصدرتها الحكومة الأردنية في نهاية شهر حزيران الماضي وبمبلغ يعادل حوالي1.75 مليار دولار.
ومن المعلوم أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج تصحيح اقتصادي عادة ما يؤدي لزيادة الثقة ويسهل الحصول على مساعدات خارجية ويحفز الجهات الدولية والإقليمية على تقديم تمويل للمملكة بشروط ميسرة، كما أن هذا قد يكون أحد الأسباب التي أدت بمؤسسة التصنيف الدولية – ستاندرد اندبور الى تثبيت تصنيف المملكة مع نظرة مستقبلية مستقرة في الوقت الذي تراجع فيه تصنيف عدد من الدول اقليمياً وعالمياً .
ولدى الحديث عن الإصلاح الاقتصادي لا بد أن نشير الى مؤتمر لندن الذي عقد في شهر شباط عام 2019، حيث تمخض التوافق على مجموعة من الإصلاحات الهيكلية على مدار خمس سنوات بما في ذلك الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، تحفيز التصدير والاستثمار، تحسين بيئة الأعمال، تسهيل الحصول على التمويل، رفع كفاءة سوق العمل، وتحسين شبكة الأمان الاجتماعي يضاف لذلك اجراء إصلاحات قطاعية في مجالات الطاقة، المياه، والنقل.
وبالمجمل يمكن القول أن الإصلاحات المطلوبة في اطار هذه المبادرة تهدف الى تحفيز النمو عبر تعزيز الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر، وتشجيع تنويع الأعمال والابتكار، وتحسين مناخ الأعمال وصولا الى توليد فرص عمل جديدة.
من الواضح ان الأهداف التي اعتمدت سواء في اطار مبادرة لندن او في برنامج صندوق النقد الدولي تمثل أهدافاً سامية ولا اختلاف حول أهميتها وضرورتها، وقد تكون المراجعة المزمعة لوفد صندوق النقد الدولي فرصة لإعادة النظر في مدى واقعية الأهداف وسبل تحقيقها في ظل الظروف الطارئة التي يشهدها العالم أجمع، إضافة الى تحديد الأولويات التي يجب التركيز عليها خلال المرحلة الحالية.
هذا من جانب ومن جانب اخر لا بد ان يعي المسؤولون عن تنفيذ البرنامج أن مراجعة الصندوق ليست هي ضمانة حسن التنفيذ بل ذلك يجب أن ينبع من رحم اداراتنا المحلية، والمقدمة الصحيحة لذلك هي ان يكون قد تم بناء البرنامج بما في ذلك المؤشرات والأدوات والإجراءات وفق منهج علمي يستند الى الإمكانات الواقعية التي يمكن القيام بها والتي تنعكس على حياة المواطن بشكل يمكنه من لمس الاثار الإيجابية حتى ولو في المدى المتوسط لتتشكل لديه قناعة وثقة بان الإجراءات والإصلاحات التي يجرى تنفيذها هي لمصلحة الوطن والمواطن.
وفي مرحلة تنفيذ الإصلاحات من الضروري ان تتوفر لدينا القدرة على تقييم ما يتم إنجازه أولا بأول، والشجاعة لكي نحاسب من يقصر في أداء مهامه، وهذا النمط من الإدارة ليس إعادة اختراع للعجلة بل معروف ومجرب فمثلاً كلما كانت الرقابية الداخلية في المؤسسة متينة وتقوم بمهامها بالشكل المطلوب كلما قلت حاجة الرقابة الخارجية للتدقيق بشكل أعمق وأشمل.
في حالتنا هذه ليست الفكرة في تقليص الأعباء وانما في ان حاجتنا الداخلية للإصلاح أشد من حاجة الجهات الخارجية فنحن نتحدث عن التزامات امام الوطن والمواطن فما بالك اذا تضاعفت هذه الالتزامات بفعل الظروف المستجدة والمصاعب الطارئة التي ان لم نعمل على تخفيف اثارها بكل السبل المتاحة فسنصبح ضحية لحلقة مفرغة من الفقر والبطالة والتردي الاقتصادي والاجتماعي.
لذلك فنحن الان مطالبون اكثر بان نهيئ قطاعاتنا الاقتصادية للظروف المستجدة وان نعمل على تذليل أي صعوبات قد تواجهها وان لا نتردد في بناء شراكة حقيقية تبعث الامل وتعيد الثقة بقدرتنا على مواجهة الصعوبات وتحويل التحديات الى فرص.
صندوق النقد مؤسسة دولية تساعد الدول التي تتعرض لأزمات ومصاعب اقتصادية وعادة ما يكون ذلك مترافقاً مع اشتراطات محددة ولمدة زمنية متفق عليها، أما السلطات المحلية فهي مسؤولة عن الحاضر والمستقبل وعملها يجب ان يكون في اطار نهج يهدف ليس فقط الى تحسين الأوضاع الراهنة او تخفيف اثار الصدمات بل ايضاً الى بناء أسس لمستقبل افضل للأجيال القادمة .
فليس من المقبول مثلاً أن تلجأ دولة للاستدانة المفرطة لمواجهة المصاعب الانية بل لابد ان تضع في اعتبارها اثر ذلك على التطورات المستقبلية عندما تحين اجال السداد.
ونحن اليوم في الأردن وبالرغم من المصاعب العديدة التي تواجهنا بحاجة الى نهج متوازن يقلص الأعباء والاضرار التي سببتها الظروف المتعلقة بالوباء وفي نفس الوقت يراعي الاثار متوسطة وطويلة الاجل على الاقتصاد والمجتمع، ولكي نستطيع ان نحقق التوازن فنحن بحاجة الى تحديد أولوياتنا في خضم هذا الكم الهائل من التحديات التي فرضتها الجائحة.
الانكماش وتعمقه أصبح شبه مؤكد، وانخفاض الدخل السياحي وتراجع حوالات العاملين أصبحت حقائق واقعة، ومعاناة المالية العامة لا جدال فيها خاصة مع ما استجد من انفاق وما سوف يستجد خلال العام القادم، وتراجع الصادرات والتطورات السياسية والأمنية في الإقليم تفرض تحديات جديدة، والارتفاع غير المسبوق في نسب البطالة ، والذي لا بد من العودة له في مقال قادم نظراً لما يترتب عليه من اثار اقتصادية واجتماعية.
ومؤخراً أضيف لكل ذلك تخوفات القطاع الخاص من نتائج مراجعة الحوافز والاعفاءات الواردة في قانون الاستثمار، هذا العرض الموجز يبين اننا امام تحديات كبرى قد لا نستطيع التغلب على اثارها السلبية المتوقعة ولكن أمامنا فرصة للخروج باقل الخسائر الممكنة ان استطعنا ان نمضي قدماً في الإصلاح وفقاً لمتطلبات اقتصادنا ومجتمعنا وبما يخدم أولوياتنا وبانتهاج افضل السبل والإجراءات الممكنة للوصول الى الأهداف.