لا يوجد ما يمنع نخب “الوضع القائم” من الاحتشاد في إطار حزب أو أكثر، وما دام أن ذلك حصل فعلا، فلماذا نصادر حقهم أولا، ولماذا نبادر، ثانيا، لإصدار الأحكام بفشل التجربة مسبقا؟ ثم أليست الأحزاب الموجودة، كلها بلا استثناء، جزءا من الوضع القائم، وهي الآن تجهز نفسها لتكون حاضرة في حلبة التنافس على المشاركة بصياغة الوضع القائم، إذا، من يتهم من، ولماذا، بعدم الأهلية لمرحلة انتقالية جديدة، ما دام أنهم هم، هم: النخب الرسمية والقيادات الحزبية، شركاء في تركة الماضي وسيكونون شركاء في هندسة المستقبل أيضا؟ لا يخطر ببالي أن أنفض يدي مما حدث، ما أقصده هنا أن كل الأحزاب التي ستخرج من رحم “تحديث المنظومة السياسية، مثلما كانت سابقاتها، ليست أكثر من وسائط سياسية، وظيفتها تمثيل المجتمع في النظام السياسي، وبالتالي فإن الحكم عليها مرتبط بالمجتمع فقط، وواجبها أن تقدم أوراق اعتمادها إليه. من المتوقع، عندئذ، أن يتعامل معها على ثلاثة مساطر: الأولى الفكرة التي انطلقت منها، والقضية التي تتبناها، أو الايدولوجيا التي تستند إليها، الثانية النخب التي تقودها، وما تحظى به من صدقية وموثوقية، الثالثة البرامج التي تحملها، وقدرتها على ترجمتها عمليا لتحقيق الصالح العام ومصالح الناس. علي هذا الأساس، الحزبية في الأصل عملية ولادة طبيعية، تخرج من رحم المجتمع، ولا يمكن لأي صناعة حزبية أن تنجح، حتى لو توفر لها كل ما يلزم من أسباب الدعم والتمكين، لأنها عندئذ تفقد التربة المناسبة لنموها وتطورها واستمرارها، أقصد بالتربة البيئة السياسية والاجتماعية والنفسية التي ترتبط بالقواعد أو الجسم الحزبي، إذ إنه لا قيمة ” للرأس” مع غياب الجسد القادر على حمله، ولا معنى للحزب بلا أعضاء يؤمنون به، ويزدحمون أمام الصناديق لانتخاب من يمثله. لدينا أكثر من تجربة حزبية، أبرزها تجربة الاخوان المسلمين، ثم تجارب الوسط الإسلامي واليسار والقوميين، ولدينا تجارب حزبية أخري طرحت نفسها في سياق حزب الدولة، لكنها لم تنجح، لا يمكن للدولة الأردنية أن يكون فيها حزب واحد، هذه وصفة للدولة الشمولية التي يحكمها الحزب الأوحد، ونظام الحكم لدينا ليس كذلك. الآن، يدخل لمارثون السباق حزب جديد، ينضم لنحو 52 حزبا قائما، و17 حزبا قيد التسجيل، يضم أسماء معتبرة من النواب والأعيان والمسؤولين السابقين، يشبه نسبيا حزب التيار الوطني (تشكل عام 1997) الذي تمحور لأكثر من نسخة، ولم يكتب له النجاح، من المتوقع أن يستفيد الحزب الجديد من تجارب الذين سبقوه، لكن يبقى سؤال هوية الحزب وفكرته وبرنامجه وثقة الناس بمن يتولاه، هو المحك للحكم عليه، وقبل ذلك لقبوله لدى المجتمع. تبقى عدة مسائل مهمة، أهمها استعادة الحزبية لحضورها في بيئة طردتها لأكثر من خمسين عاما، وفي مناخات سياسية ما تزال “رجراجة” ولم تحسم أمرها بشكل واضح تجاه العملية الديمقراطية، ثم في بيئة اجتماعية ما تزال العشيرة تشكل عنوانها الأساسي، اجتماعيا وسياسيا، وأخيرا في مرحلة تحول اقتصادي وثقافي وديني يتعرض فيها مجتمعنا لإعادة تفكيك وتركيب من جديد. هذه المسائل الأربعة بحاجة لإجابات حاسمة، بعدها نستطيع أن نفتح النقاش العام حول أي حزب، قديم أو جديد، يتقدم لإشهار نفسه، أو يطلب من الأردنيين قبوله، كممثل سياسي أو ناطق بالنيابة عنهم.