صراحة نيوز – موسى العدوان
فوجئنا قبل يومين بحديث مدير الخدمات الطبية الملكية، أمام اللجنة المالية في مجلس النواب. وكانت تلك المفاجأة صادمة للعسكريين وحتى المدنيين على حد سواء. فقد تحدث المدير مشكورا بكل صراحة وشفافية، عما تعانية هذه المؤسسة من قضايا مالية، تكاد أن تطيح بمعظم مؤسساتها نتيجة لعجزها المادي. وهذا يدفعني للقول أنه من غير المعقول أن ينهار هذا الصرح الطبي العظيم بمؤسساته أمام عيوننا، لاسيما وأنه الصرح الذي أنشأه المغفور له جلالة الملك حسين، منذ أوائل الستينات، بدءا بالمستشفى العسكري في ماركا وانتهاء بهذه المستشفيات الراقية، في مختلف المدن الرئيسية في المملكة.
فعندما يتحدث مدير الخدمات الطبية عن قرب انهيار المستشفيات في ماركا، الزرقاء، أيدون، وقسم الطوارئ والإسعاف في المدينة الطبية، وأن على مديرية الخدمات ديونا غير مسددة إلى شركات الأدوية لثلاث سنوات ماضية، بمبلغ 376 مليون دينار، وترفض تلك الشركات حاليا تقديم المزيد من الأدوية، وأن ديون المديرية على وزارة الصحة بحدود 59 مليون دينار، وأن موازنة المديرية المخصصة من الحكومة لهذا العام تبلغ 207 مليون دينار، بينما مستحقات الرواتب لوحدها تبلغ 210 مليون دينار، فمن الواضح أننا نعمل على تدمير هذه الموسسة الوطنية بأيدينا، ونمنعها من القيام بواجباتها الطبية ؟
وعودة إلى سبعينات القرن الماضي، حيث كنت أشغل خلالها وظيفة رئيس شعبة في مديرية التخطيط والتنظيم ثم مديرا للتخطيط والتنظيم، في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية. كانت إحدى واجبات تلك المديرية، وضع الموازنة المالية القوات المسلحة، ومن ضمنها موازنة الخدمات الطبية الملكية.
كان القائد العام للقوات المسلحة الشريف زيد بن شاكر رحمه الله، يستدعي وزير المالية، ليجتمع به مع مساعده للتخطيط والتنظيم في القيادة، ويتفقون على الخطوط العريضة لموازنة القوات المسلحة. ثم تقوم مديرية التخطيط والدائرة المالية في القيادة العامة، بتخصيص الموازنات الفرعية لمختلف المديريات، دون أن تكون هناك مراقبة أو مناقشة للموازنة من قبل مجلس النواب.
أما اليوم فقد شاهدنا مجلس النواب من خلال لجنته المالية، يقوم بمناقشة موازنة الخدمات الطبية، رغم أنها جزء من موازنة القوات المسلحة ؟ ولا أعرف إن كان ذلك قد تم بطلب من القوات المسلحة أم لا ؟ وهذه المناقشة التي أذيعت على الهواء، أظهرت مع الأسف أزمة مالية كبرى لدى مديرية الخدمات الطبية، توشك أن تودي بها إلى الانهيار. هذه المؤسسة الوطنية التي تخدم ما لايقل عن مليون إنسان، من العسكريين وعائلاتهم عدا عن المدنيين، أصبحت اليوم في خطر.
وإزاء هذه الحالة أتساءل : لماذا أذيعت وقائع جلسة المناقشة مع اللجنة المالية، على وسائل الإعلام بالصوت والصورة، بدل أن تجري بين المسؤولين بعيدا عن وسائل الإعلام ؟ فهل هذا يوحي بأن وراء الأكمة ما وراءها وعلينا أن نستعد له ؟
على كل حال، هذا الوضع يتطلب من المسؤولين، الإسراع باتخاذ الإجراءات الضروية، لإنقاذ هذه الموسسة الوطنية الهامة من الانهيار، كما حذّر مدير الخدمات الطبية. وهذا يفرض أيضا على كل مسؤل وفرد من المعنيين، واجب وطني في التعاون وخفض النفقات للمساعدة في وقوف المؤسسة على قدميها. وعلى الحكومة في هذا المجال القيام بما يلي :
1. استعادة المستشفيات الميدانية المنتشرة خارج البلاد، من أربيل إلى جنين وغزة، وإلقاء هذا الواجب على الأمم المتحدة.
2. التوقف عن معالجة المدنيين على حساب العسكريين، وأن تتولى وزارة الصحة مسؤولية معالجتهم، إلا في الحالات النادرة ومقابل الثمن، لاسيما وأن موازنة وزارة الصحة تبلغ أضعاف موازنة مديرية الخدمات الطبية.
3. تسديد الديون المترتبة على وزارة الصحة إلى مديرية الخدمات من قبل الحكومة، ومقدارها 59 مليون دينار.
4. تخفيض قيمة الحوافز الطبية لكبار الرتب من الأطباء إلى النصف، واقتصارها على الكوادر الطبية دون المهن الأخرى.
5. إلغاء المؤسسات الحكومية الخاصة وتحويل موازناتها المالية، التي تصل إلى حوالي 2 مليار دينار سنويا، لدعم موازنات وزارة الصحة، ومديرية الخدمات الطبية، ووزارة التربية والتعليم.
6 . إلغاء المخصصات المالية للأحزاب، ومقدارها 50 مليون دينار سنويا، لما يقارب من 52 حزبا، إذ عليها أن تمول نفسها بنفسها، وتحويل المبالغ المتحصلة نتيجة لذلك، إلى المؤسسات الطبية العسكرية والمدنية.
7. استرداد المبالغ التي اختلسها الفاسدون ودعم الموازنة العامة للدولة، لتتمكن من مساعدة المؤسسات الطبية على القيام بواجباتها وبناء مستشفيات جديدة.
8. وضع سقف محدد وعادل لكبار موظفي الدولة من وزراء وموظفين، وتجنب منح الأعطيات لبعض المسؤولين، والتوقف عن إهداء القصور للبعض الآخر.
9. تخفيض عدد مجلسي النواب والأعيان ومجلس الوزراء إلى النصف، وتحويل المبالغ المتحصلة نتيجة لذلك إلى خزينة الدولة.
10. ضبط النفقات وترشيد الاستهلاك بصورة يلمسها المواطنون فعليا. وتشديد المراقبة على المصادر المالية في مختلف دوائر الدولة.
بهذه الإجراءات وغيرها التي آمل أن يؤخذ بها وتوضع على قائمة التنفيذ، سننقذ الخدمات الطبية من أزمتها الخانقة، وسندعم موازنة الدولة وبقية المؤسسات الأخرى، بما يحل مشاكلها ويساعها على القيام بواجباتها بكفاءة.
التاريخ : 10 / 1 / 2020