صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
نشرت جريدة الرأي شبه الرسمية يوم الثلاثاء ٤/٩/٢٠١٨ الخبر التالي : ” تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني، خلال زيارة جلالته إلى بيوت عزاء شهداء الوطن من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، الذين قضوا في الأحداث الإرهابية الأخيرة، قرر مجلس الوزراء استثناء مجموعة من أقارب شهداء الوطن، من تعليمات الاختيار والتعيين في الأجهزة الحكومية “.
ولا شك بأنها خطوة حميدة يُشكر عليها جلالة الملك ، ولكن سؤالي لدولة الرئيس ومجلس وزرائه الموقر، هل هذا التكريم لعدد محدود من الشهداء كافٍ ويعطي وأهاليهم تعويضا مناسبا لمن فقدوهم ؟ وحيث أنه جرى تكريم ذوي شهداء الحوادث الإرهابية الأخيرة، فماذا عن ذوي شهداء الحروب والحوادث الإرهابية السابقة ؟ هل طويت صفحتهم وانتهت مدة صلاحيتهم ؟ أم يجب أن يشمل الاستثناء بذلك الامتياز جميع ورثة الشهداء القدامى والجدد ؟
وأتساءل أيضا : هل يكفي أن يُرفّع الشهيد بعد وفاته رتبة واحدة ؟ وهل يكفي أن نطبع قبلة على جبين ابن أو ابنة الشهد أمام الكاميرات، دون أن يرافقها تقدير مادي مجزٍ، يخفف عنه وعن عائلته عناء الحياة المعيشية، إلى أن يُرتبوا أوضاعهم الاجتماعية والمالية ؟ وهل أل ٥٠ دينارا التي تقدم لكل عائلة شهيد، بمناسبة الأعياد الدينية أو الوطنية تحقق الغاية المطلوبة ؟
الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم دفاعا عن الوطن بكافة أطيافه، لهم مكانة عظمى عند رب العزة تعالى إذ قال في محكم كتابه : ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾. فمن المعروف أن عائلة الشهيد تفقد في تلك الحالة ناحيتين هامتين، أولاهما فقدان معيلها مع ما يترتب عليه من آثار نفسية واجتماعية، وثانيهما تناقص مصدر دخل العائلة الذي تتوقف أية زيادة عليه، ويتناقص بعد أن يكبر الأبناء والبنات، بحيث لا يبقَ إلاّ مبلغا محدودا تعتاش منه الزوجة.
وبهذه المناسبة أحب أن أذكْرَ القصة التالية : أحد قادة كتائب الدبابات في الجيش الأردني، استشهد في منطقة نابلس خلال حرب حزيران ١٩٦7، فأقام له أهالي البلدة نصبا تذكاريا تقديرا له في الدفاع عنهم. وبعد بضع سنوات من استشهاده ضاقت الحالة المادية بعائلته، مما اضطر الزوجة للعمل بغسل الملابس على يديها، لدى ربات البيوت في الحي الذي تسكن به، مقابل أجرة لا تكاد تغطي مصروف العائلة وتوفير لقمة العيش للعائلة. كان ذلك ناتجا عن قصور قانون التقاعد العسكري السابق، في إنصاف عائلات الشهداء بذلك الحين. نُقلت هذه الصورة إلى القائد العام للقوات المسلحة سيادة الشريف زيد بن شاكر، والذي بدوره قام بمعالجة الوضع المؤسف بصورة لائقة.
الشهداء في كل دول العالم وحتى الشيوعية منها، يحظون بالتقدير والاحترام وإحياء ذكراهم في مختلف المناسبات. ففي عام ١٩٧٩ كنت عضوا في وفد عسكري برئاسة القائد العام، وقمنا بأول زيارة للاتحاد السوفييتي في تاريخ الأردن، من اجل التعاقد على أسلحة الدفاع الجوي الصاروخية. فكان أول نشاط رتبته وزارة الدفاع السوفيتية في برنامج الوفد، هو زيارة صرح الشهيد في العاصمة موسكو، ووضع إكليل من الزهور عليه، إحياء لذكرى من قتلوا في الحرب العالمية الثانية دفاعا عن وطنهم . وقيل لنا أثناء وجودنا في الموقع، أن هناك تقليدا لدى المواطنين السوفييت، يتمثل في أن أي شاب وشابة ينويان الزواج، فأول خطوة يقومان بها قبل إتمام مراسيم الزواج، هي زيارة صرح الشهيد ووضع إكليلا من الزهور عليه تقديرا وعرفانا لشهدائهم.
أعلم أن دولتنا الموقرة تقدم اليوم تعويضا فوريا وراتبا تقاعديا، مع بعض الامتيازات لأسرة الشهيد مهما كانت خدمته. ولكنني أود هنا أن أجمل ما أعتقد أنه يجب أن يُقدم للشهيد وعائلته، لمقارنتها مع ما يُقدم لهما عمليا، وإكمال ما هو ناقص منها، تعويضا للعائلة عن فقدان معيلها، بحيث لا تجري العملية كهبّة حماس آنية ثم تنطفئ . . فيُقتل الشهيد مرتين.
من أهم هذه المقترحات ما يلي :
1. أن يُرفع الضابط الشهيد ذو الرتبة الصغيرة إلى رتبة عميد، ويرفع ضابط الصف الشهيد إلى رتبة ملازم ثاني، لكي يستفيد ورثتهما من رواتبهما التقاعدية ولا يعانون من العوز.
2. يُمنح أبناؤهم حق الدراسة في المدارس والجامعات الرسمية والأهلية مجانا، لكون الشهيد قد ضحى بروحه من أجل المجتمع بكافة مكوناته.
3. تعطى الأولوية لأبناء وبنات الشهداء في التوظيف في المؤسسات الرسمية والخاصة.
4. تُمنح عائلة الشهيد سكنا مناسبا إذا لم تكن تملك لسكنا، وتمنح قرضا دون فوائد لتمويل مشروعها الصغير.
5. تتم زيارة العائلة وتفقد أحوالها من قبل الباحث الاجتماعي، في الجهاز الذي كان ينتمي إليه، إضافة لقيام مديرية التوجيه المعنوي بزيارتها حسب برنامج دوري.
6. تخصيص ( يوم الشهيد ) من كل عام للاحتفال به ودعوة أبناءهم لتكريمهم بصورة مناسبة.
7. يُفرض على الدوائر والمؤسسات الرسمية والأهلية وخاصة البنوك والشركات، تقديم مساهمات نقدية ( لصندوق الائتمان العسكري ) الذي يخص الشهداء، كواجب وطني ملزم لهم.
وختاما أذكّر بقوله تعالى في محكم كتابه : ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ). صدق الله العظيم.