صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
أتت جائحة كورونا ، واجتاحت العالم ، وفتكت بالاوطان جميعها ، دون استثناء ، وتخبط العالم ، وقلدت الدول بعضها بعضاً بتطبيق الاجراءات التي يمكن ان تحد من فتكه ، وبمنتهى الوضوح قلّد العالم الثالث ( المتخلف ) الاجراءات التي تتبعها الدول المتحضرة المتطورة ، ونحن وامثالنا ( حاطين ايدينا على خدودنا ) نقلد اجراءاتهم ، وننتظر صناعاتهم لانتاج لقاح او دواء ، كما الإمعات ، عالة عليهم . ومما قلدّْنا به الغرب الحظر الشامل والحظر الذكي ، المتمثل بتجنب فرض حظر لأسابيع او شهور طويلة ، والاستعاضة عنه بالحظر لايام او ساعات ، اضافة الى ذلك التخفيف من الاغلاقات للقطاعات ، باستخدام خدمة التوصيل .. وغيرها . والمُحرج ، انه عندما تقوم دول الغرب المتحضر بتجربة آلية معينة للحد من انتشار الفايروس نتبناها وندافع عنها دفاعاً مُستميتاً دون ان نُجربها ونختبرها ، وعندما تُغيِّر الدول الغربية الآلية ، نَتْبعُها كالإمعات ونغير آليتنا التي تبنيناها ودافعنا عنها . شيء مُعيب ، اوطان بلا حياة ، لان مسؤوليها بلا قدرات .
أما ما تفردنا وتميزنا به هو فرض الاحكام العرفية واصدار اوامر الدفاع . وقد يقول قائل ان مجتمعنا متمرد وفوضوي ولا يلتزم ، ارد على هذا الادعاء المجحف بنقطتين : اولهما : ان التمرد الفعلي اتى من شعوب الغرب حيث نظموا مسيرات احتجاجية واسعة ضد اجراءات الحظر ولبس الكمامة ، ومع ذلك لم تفرض دول الغرب اوامر دفاع على شعوبها . وثانيهما : انه وباعتراف الحكومة الحالية ان الشعب الاردني قد اظهر التزاماً واضحا بالحظر والاجراءات الصحية ، وللتحديد ان عدم الالتزام بالاجراءات والبروتوكولات الصحية يعتبر سلوكاً فردياً في مجتمعنا ، بينما الرفض في دول الغرب اتى جماعياً حيث نُظمت المسيرات والمظاهرات الرافضة حتى للبس الكمامة .
وقد يقول قائل ان تطبيق اوامر الدفاع منع القطاع الخاص من انهاء خدمات العاميلن ، وأرُد عليهم : ان اوامر الدفاع هي التي انهكت القطاع الخاص لهذه الدرجة ، ولو انه كان هناك حصافة وذكاء ووعي في اجراءات الحظر لما تم إهلاك القطاع الخاص الذي كان ضرره اكبر من الاحتفاظ بالعاملين ، وها هو القطاع الخاص يحتضر والوف الشركات والمحلات اغلقت ابوابها في النهاية وسرّحت موظفيها . وها انتم باوامر الدفاع لم تمنعوا الوف الشركات والمحلات والفنادق من الاغلاق وتسريح العاملين . وسبق ان اعلن رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي ان ( ١٨٣ ) فندقاً اغلقت ابوابها ، و ( ٤٨٠ ) مطعماً ، وعشرات مكاتب السفر والسياحة انهت نشاطهاً و ( ٢٣,٠٠٠ ) عاملاً في القطاع السياحي لوحده فقدوا وظائفهم . عندها ماذا كان دور اوامر الدفاع !؟ وماذا استفدنا منها !؟ وعليه ، اليست اوامر الدفاع هي التي دمرت الاوضاع !؟
فرض اوامر الدفاع بالإضافة للإغلاقات تسببت باضرار كبيرة وقاسية على الوطن عامة . تذكروا معي العشوائية التي تم التعامل فيها عند بداية الجائحة وفرض الاحكام العرفية ، حيث تميزنا على دول العالم بحجز عشرات الوف السيارات ، وما اكتنف هذا الاجراء من تخلف ، لا يليق بوطن ، لانه تم حجز مركبات المواطنين بعشوائية وتُركت في العراء دون مراعاة الحد الادنى من الاحتياطات للمحافظة عليها ، مما ادى لأضرار باهظة الكلفة على مالكيها . كما تم إجبار المواطن لدفع مئات الدنانير كغرامات ، وعمت الفوضى في تحديد الغرامات ، واشتكى غالبية المواطنين من تحصيل المبالغ بدون ايصالات تثبت ذهابها للخزينة .
لا يدرك المسؤول عندنا بان الدول التي قررت الاغلاقات الكلية وحتى الجزئية تعوّض القطاعات المتضررة ، فاوضاعهم ليست مثل اوضاعنا (( موت وخراب ديار )) ، وتناسى المسؤول ان هذه الاغلاقات أضرت ايضاً بايرادات الخزينة ، متناسين انه ليس من الحصافة تقليد الغرب في هكذا اجراءات ، لان دول الغرب قدمت تعويضات مُجزية للقطاعات التي تضررت كما دفعت مبالغ مُجزية للافراد والأُسر ، بينما في وطننا تضررت الخزينة لانها تعتمد على جيب المواطن وتُقاسِمه دخله وايراداته .
اذا كانت لجنة الأوبئة صاحبة الاختصاص تقول ان حظر أيام الجُمع مثلاً ، يزيد من الاصابات لانه يتسبب في إكتظاظ أيام الخميس ، فلماذا لا تستجيب الحكومة لرأي جهة الاختصاص !؟ حكوماتنا تستمتع بقمع ، وقهر ، واذلال المواطن . حكوماتنا تعشق اصدار الاوامر وتقييد الحريات ، وممارسة الغطرسة وسياط القوة . للعلم ولا دولة من دول العالم اصدرت اوامر دفاع وفرضت الاحكام العرفية لمواجهة الجائحة ، كما انه ولا دولة في العالم صادرت سيارات مواطنيها ، وأيضاً ولا دولة وزعت الخبز على مواطنيها بهذه العشوائية المخزية وباستخدام قلابات النفايات . نحن تفردنا بإجراء ات سلبية كثيرة ، غير حضارية وما زالت حكوماتنا تُصر على الكثير من اجراءاتها الخاطئة حتى بعد مرور اكثر من عام !؟ لماذا هذا !؟ لماذا يعشق المسؤول الاردني العنف والقوة وفرض السطوة والسيطرة والقاء الاوامر !؟
قد يقول قائل ان الحكومة فرضت اوامر الدفاع لضبط الناس والزامهم بالتقيد في البروتوكولات الصحية مثل لبس الكمامة والتباعد الجسدي ( وليس التباعد الاجتماعي )كما يُسمى خطأً ، لان التواصل الاجتماعي من الممكن ان يتم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي . يمكن ان تفرض غرامات باهظة للالتزام بالاجراءات الصحية ، وها هي دولة الامارات العربية الشقيقة لم تلجأ لاوامر الدفاع لفرض القرارات الصحية رغم ضخامة اعداد الوافدين ، ونجحت ايما نجاح في ذلك ، ولا حجْرْ ولا حظر والحياة تسير بشكل طبيعي ، والمطلوب شيئين : لبس الكمامة ، والتباعد الجسدي . نطلب الغاء اوامر الدفاع ، مع ان جيشنا العربي واجهزتنا الامنية بمختلف اختصاصاتها هي مهجة ارواحنا ، لكننا لا نحبذ ان تستخدم الحكومات الاردنية الجيش والاجهزة الامنية كسياط تجلد فيها المواطن وترعبه وترهبه .
حكوماتنا تعشق السيطرة وإذعان المواطن ، كما تعشق انهاكه مادياً ليبقى في عوز وفقر طول عمره . ولو كان ذلك غير صحيح ، لما اصدرت عشرات اوامر الدفاع في جائحة صحية !؟ والمشكلة الاكبر والاعمق ان حكوماتنا تُصر على اخطائها ولا تراجع قراراتها للتراجع عن القرارات التي يثبت عدم جدواها لتجنب اضرارها . ما زالت اوامر الدفاع تترى ، وتُلقَى علينا بعنجهية ، وتعالٍ ، وغطرسة ، لدرجة انك كمواطن تشعر ان الوزير عندما يُلقي اوامر الدفاع يَجحرك بعينيه ، ويقطب جبينه وهو غاضب ، فقط لانك مواطن وهو مسؤول . ولا ننسى الترهيب باستخدام صافرات الانذار بشكل زائد عن الحد ، والصوت التحذيري الذي يرافقها بشكل مبالغ فيه لتصبح الغاية الترهيب وليس التنبيه .
يفترض ان تُدلل حكوماتنا المواطن لانه بقرتها الحلوب ، ولأن جيبه هي مصدر دخلها ، لا ان تُهينه وهو من يموّلها . ويغيب عن المسؤول ان القطاع الخاص يتعب ويجهد وينشط لتحريك عجلة الاقتصاد ليدر دخلاً على الخزينة لتصرفه الحكومات . واختمُ ببيتين للمرحوم الشاعر الوطني المنتمي / حبيب الزيود :-
فإن عَطِشْتِ وكان الماءُ مُمتنعاً / فلتشربي من دموعِ العينِ يا بلدي .
وإن سَقَطْتُ على دربِ الهوى قِطعاً / أوصيكَ أوصِيكَ بالأردنِ يا ولدي .