الخوف على سمعة الرئيس تنهي حياته

19 يوليو 2018
الخوف على سمعة الرئيس تنهي حياته

صراحة نيوز –  بقلم موسى العدوان 

في كتابه “محطات فاصلة في حياة الزعماء ” أورد الكاتب رمزي الميناوي القصة التالية واقتبس :

” الرئيس الكوري الجنوبي الأسبق ( روه موهيون ) هو ابن فلاح فقير، وخلال دراسته وصفه مدرسه بأن متقد الذكاء، سريع البديهة، ومجتهدا في جميع المواد، بل وملفتا للنظر وقت عرض أفكاره. اضطر لمزاولة أعماله بأجور زهيدة، إلى أن تمكن من الحصول على شهادة القانون عام 1975والتي خولته العمل كمحام. ومن خلال مكتبه ارتبط مكتبه لقضايا التعذيب والفصل التعسفي والمطاردة والاعتقال للطلبة والعمال، الذين اتهمتهم الحكومة الدكتاتورية العسكرية بتقويض الأمن القومي أو التعاطف مع كوريا الشمالية.

وسرعان ما ذاع صيته في أصقاع كوريا الجنوبية لاسيما بعد دفاعه عن المتظاهرين في بوسان عام 1982، كما ألغي ترخيص مكتبه بحجة تأييد العمال المضربين في حوض السفن الكورية. فاز موهيون بالانتخابات لرئاسية كوريا الجنوبية وتولى الحكم ابتداء من عام 2003 – 2008.

اختار موهيون شريكة حياته من مسقط رأسه الفقير، وتزوج بابنة فلاح أنجبت له ابنا وابنة، واللذين قررا أن يعيشا كمواطنين عاديين، بعيدا عن البيت الأزرق ورفاهيته وخدماته وبروتوكولاته. فالابن المتخرج من جامعة يونسي ظل يعمل مسئولا عن البرمجة والمعلوماتية في شركة إل جي الشهيرة في صناعة الأجهزة المنزلية والإلكترونية، مفضلا مواصلة حياته على ذلك النحو.

أما الابنة المتخرجة من جامعة هونغيك والحاملة لشهادة في التاريخ، فاضطرت إلى ترك عملها في السفارة البريطانية في سول بمجرد فوز والدها بالرئاسة. لكن أمهما السيدة الأولى بدت مختلفة، إذ قادها طموحها إلى الإثراء السريع واستغلال موقعها كزوجة لرئيس البلاد، في الحصول على الرشاوى والصفقات، فبَذَرتْ بذلك بذرة السوء التي ستلطخ بها سمعة زوجها وأسرتها إلى الأبد.

هناك من يقول أن الرشوة التي تورطت فيها هذه السيدة يفوق مبلغها 6 ملايين دولار، بل هناك من يزعم أن أموالا أخرى قُدمت من صاحب شركة الأحذية ( بارك يوونغ تشا ) إلى ابنها وابنتها، هذا ناهيك عن أن شقيقا للرئيس كان قد اتهم سابقا بقبض عمولات ورشاوى من الشركة ذاتها مقابل تعيين أحد أقارب ديرها في وظيفة عليا بمصلحة الضرائب.

وهكذا أصبح الرئيس الذي وُصف في وقت من الأوقات ( بأبراهام لنكولن كوريا الجنوبية ) في إشارة إلى نضاله الطويل، من أجل العدالة والمساواة والشفافية والنزاهة ودفاعا عن حقوق المظلومين والمضطهدين، ودعوته المتكررة إلى تحقيق توزيع أفضل للثروة، ومحاربة البطالة المتزايدة والفساد المتفشي وإصلاح سلطات الرئاسة. ناهيك عن عمله الدؤوب من أجل إبعاد شبح الحرب عن شبه الجزيرة الكورية، عن طريق مواصلة ما بدأه سلفه من انفتاح على بيونغيانغ من خلال ما عُرف بسياسة ( الشمس المشرقة ).

أصبح موهيو صاحب سيرة ملطخة ولم ينفعه ما قدمه لبلاده وشعبه من جهود ومواقف، وخصوصا جهوده لجهة الحيلولة دون وقوع تصادم عسكري ما بين واشنطن و بيونغيانغ، تكون كوريا الجنوبية ساحته، وذلك حينما وصلت علاقات العاصمتين إلى مرحلة حرجة في السنوات الأخيرة، بسبب إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على أن تجمد كوريا الشمالية قدراتها وبرامجها النووية، وإصرار الأخيرة عل أنها لن تفعل ذلك، قبل وقف الأمريكيين للغة التهديد والعودة إلى التفاوض.

إزاء هذا الوضع لم يجد الرجل بدا من وضع نهاية لحياته، فاختار أن يمحو التشويه والمهانة التي طالت صورته كرئيس نزيه ومدافع صلب عن العدالة والشفافية بطريقة مأساوية محزنة. ففي يوم السبت 29 / 5 / 2009 أقدم الرئيس الكوري الجنوبي الأسبق موهين، على خطوة مثيرة وحاسمة تمثلت في قفزة من فوق جبل ( بونجهوا ) الولقع قرب منزله حيث أصيب في رأسه وفارق الحياة.

ترك الرئيس المنتحر رسالة على جهاز حاسوبه الخاص يقول فيها : إني أدين للكثير من الأشخاص . . أشخاص كثيرون عانوا بسببي . . وأنا لا استطيع أن أتصور الآلام التي سيمرون بها في المستقبل. لا يمكنني تخيل الآلام التي لا تحصى والتي ستواجهها بقية عائلتي . . لا تحزنوا أليست الحياة والموت من الطبيعة . . لا تشعروا بالأسف ولا تقلقوا باللوم على أي أحد . . هذا هو القدر. رجاء احرقوا جثماني . . ورجاء ضعوا شاهدا صغيرا على قبري قرب منزلي . . فكرت كثيرا في هذا الأمر “. انتهى الاقتباس.

* * *

التعليق :

• هكذا هو الرئيس النزيه صاحب الضمير الحي، الذي حارب الفساد وخشي على سمعته التي سيسجلها التاريخ ملطخة بالسواد حتى بعد مماته، جراء أفعال زوجته الفاسدة وأبنائه الذين تلوثوا بجريرتها، ففضل الموت على حياة ذليلة أمام شعبه، الذي كان يواجهه بالخلق والمثاليات.

• سألني زميل كوري في إحدى الدورات العسكرية الخارجية : هل يفعل الفاسدون عندكم في الأردن كما فعل رئيس وزرائنا، في الانتحار خوفا على سمعته وتاريخه ؟ فأجبته : أن الفاسدين لدينا لا ينتحرون متذرعين بتعاليم الدين الإسلامي، وهم لا يخشون على سمعتهم وتاريخهم أحياء أو أمواتا، بل يفاخرون بفسادهم ويتمتعون بمال السحت داخل وخارج البلاد بكل صلافة، باعتباره حقا مكتسبا لهم ، خاصة وأن الدولة تغض النظر عن محاسبتهم رغم معرفتها بحقيقة فسادهم.

الاخبار العاجلة