صراحة نيوز – سهير جرادات
سألتُ أحدَ المسؤولين: ما الذي يحصل في البلد؟ وما الهدف من كل ما يحدث من اشاعات وأقوال يتناقلها الكثير من العامة وبعض الساسة ، فجاءت الاجابة : التغبير فقط! والتغبير، كلمة هدفها تحويل الأنظار، وإغلاق أعين الناس عن التصدي للغبار حتى ينجلي عصفه، ويركد، وبالتالي اشغال الناس وهم يتصدون للغبار، وآثاره، والاستفادة من المدة التي يقضيها الواحد منهم مغلقا عينيه حتى تنتهي فترة مرور عاصفة الغبارفي الجوِّ، وهي المدة الكافية لتحويل الانظارعن الحدث المراد اخفاؤه ، أو المدة المتطلبة لانجازه .
مصطلح التغبير، مستخدم في رسم الاستراتيجيات، وهو علم قائم بحد ذاته ، والأكثر استخداما في رسم الاستراتيجيات الاعلامية القائمة على استخدام أسلوب الاثارة، لتفعيل شعور الخوف والقلق والكراهية، إلى جانب استخدام اسلوب تحويل الانتباه لدى الرأي العام عن قضايا وملفات معينة ، وتحويل الأنظار نحو قضايا وملفات أخرى، لإيجاد حالة من الفوضى، تلهي العامة وتصرف أنظارهم عما يراد لواضعي، وراسمي السياسات والاستراتجيات الاعلامية، لكسب المزيد من الوقت لانجاز ما هو مطلوب منهم انجازه دون اي ازعاج أو تشويش، مع ضمان عدم تعطيل عملهم، حتى تتنهي المهام المعهودة اليهم.
ما شهدته ساحتنا الأردنية اخيرا من نشر مفتعل للإشاعات، أشبه ما يكون برعاية شبه رسمية ، من حيث تغذيتها، و السكوت عنها ، وما رافقها من ظهور لحالات انقسام ، مع أو ضد مشروعية التساؤلات للاطمئنان على القائد والنظام، إذ اعادت للذاكرة قصة حقيقية بطلها أحد الزملاء، عرف عنه الطرافة والدهاء .
مفاد هذه القصة التي حصلت في صبيحة يوم زفافه، أن طلب من عروسه أن تعدَّ لوالدته طعام الافطار؛ للتقرب اليها ، وتوطيد المحبة وأواصر الود بينهما ، دون أن تشوب حياتهما أي شائبة ، مدعيا بحسب ما أخبر زوجته أنه على دراية جيدة بشخصية والدته ، وأن مثل هكذا تصرفات ستأسرها الى الأبد.
سمعت العروس كلام زوجها ، وأعدت افطارا شهيا لحماتها ، وحمل الزوج ” السدر ” المحمل بما لذ وطاب ، وغادر متجها إلى منزل والدته الملاصق لمنزله ، وما أن دخل ” حوش” بيت والدته حتى التفَّ تجاه بيت الزوجة، والقى السدر وما فيه على الأرض، وأكمل طريقه إلى مكان والدته؛ وطلب منها أن تعد له طعام الأفطار معتبرا أن العروس كسولة ، “وما زالت في سابع نومه” ، وبعد أن كسب تعاطف والدته ، وانتهى من تناول طعامه ، استأذن وغادر عائدا إلى منزله، ليخبر عروسه أن والدته رفضت طعام الافطار الذي أعدته لها ، وغضبت والقت “السدر “في أرض الحوش ، وما أن خرجت العروس ورأت الطعام ملقى على الأرض من جهة منزل حماتها ، حتى أصابتها حالة من الغضب الشديد ، وأخذت تتطاول على حماتها بالكلام ، وبالطبع فإن الزوج ثارت ثائرته هو أيضا ، وغادر المنزل وهو يتهدد ويتوعد والدته .
وبعد أن وصل منزل والدته، طلب منها بكلمات معسولة أن تعد طعام الغداء لعروسه ، بقوله : إنها ما زالت صغيرة ، ومع الأيام ستتأقلم على الحياة الزوجية ، وأقنع والدته أن تكون هي المبادرة بفعل الخير ، لرجاحة عقلها، وبكل طيبة نهضت الأم لتعد طعام الغداء لابنها وعروسه ، وجلس منتظرا، حتى انتهت من “سدف” الأطباق المتنوعة من الطعام،مقدما لها الشكر .
عند نهاية” حوش” منزل والدته ، التفت، والقى السدر وما حوى على الأرض تجاه “حوش” منزل الأم ، ودخل عند عروسه، مستعرضا بطولاته المزيفة أمامها، وأنه أخذ حقها من والدته المسيطرة.
مكث دقائق قليلة حتى استأذن العروس للعودة إلى بيت والدته، ليطيب خاطرها بكلمتين ، خاصة بعد أن أخذ لها حقها منها، وعندما وصل إلى بيت والدته، قال لها: إن “بنت الأوادم ” العروس الجديدة رفضت طعامها والقته في حوش الدار ، وما أن خرجت الأم ووجدت ما أعدته من طعام على الأرض حتى زاد غضبها ، واطلقت العنان للسانها بكلمات نارية عن العروس الجديدة وأهلها .
كان الزميل يروي لنا هذه القصة، مستمتعا بنشوة الانتصار ، وعند سؤاله عن الغاية من اختلاق المشاكل بين والدته، وزوجته منذ بداية حياته الزوجة ، أجاب : هكذا أفضل ، بهذه الطريقة أضمن أن لا تترافق والدتي مع زوجتي وتتصادقان على حساب مصلحتي، وأضمن أن كل واحدة منهن ستسعى الى ارضائي “جكر” بالأخرى.
وبهذا يكون الزوج هو المستفيد الأول في جميع الحالات ، إلى جانب أمر في غاية الأهمية أنه سيهدأ باله ، ولن تنشأ في كل يوم قصة جديدة بين زوجته ووالدته ، فهي قصة واحدة ، لكن مفعولها سيستمر مدى الحياة، خاصة أن احداهن لن تغفر للأخرى فعلتها.
في كل الحالات ، سيكون أثرالتغبير على الجميع ، لأن عدم الوضوح الذي يحدثه التغبير في الرؤية، لن يفرق بين الطرفين من الأضداد ، وبالتالي لن يمر ما يراد له أن يمر مرور الكرام ، دون أي ضجة أو معارضة!