صراحة نيوز – بقلم محمد حسن التل
ليس ذنب الحكومة والهيئة المستقلة للانتخاب أن كانت نسبة الإقتراع الأخيرة متدنية ، ولم تصل الثلاثين بالمئة ، فقد قدمت الحكومة كل ما باستطاعتها للهيئة المستقلة لتمكينها من إنجاح مهمتها الدستورية ، وقامت الأخيرة صاحبة التجارب المتراكمة بإجراء الإنتخابات بكل ما يمكنها القانون ، ومع كل هذه التهيئة أظهرت الإنتخابات الأخيرة أن عزوف الناس عن الإنتخابات يتكرر في كل مرة خصوصا في عمان والمدن الكبرى مثل اربد والزرقاء اللتان تحتويان على العدد الأضخم من المواطنين الذين يحق لهم الاقتراع ، وهذه ظاهرة بحاجة إلى تحليل عميق وصريح حتى يتم تجاوزها في المستقبل لأنها إذا تعمقت وتجذرت ستكون عقبة حقيقية على طريق عملية الإصلاح التي تعتمد أساسا على مشاركة الناس في كل مفاصلها .
ظاهرة العزوف هذه برزت منذ زمن ولم يأخذها أحد على محمل الجد ولم يتم التعامل مع أسبابها وتم تجاهلها .
هذه الظاهرة بأغلب الأحيان تكون تعبيرا عن موقف ورأي سياسي أو عدم اهتمام لانشغال الناس بأمور حياتية تكون عندهم أهم من الانتخابات وهنا كل مؤسسات الدولة مطالبة بالتوقف طويلا عند هذا الواقع ودراسة أسبابه ، والمبادرة بالتعامل معه وبنية تجاوزها حتى تكون مشاركة الناس الرافعة الحقيقية لعملية الإصلاح والتحديث ، إذ بدون مشاركتهم تكون عبارة عن أمنيات لن تتحقق وحبر على ورق ، وتظل النخب إياها تلعب في الساحة لوحدها …
لنعترف أن السبب الأكبر في ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات عند كثير من الناس عدم الثقة بها وإفرازاتها نتيجة تجارب سابقة في سنوات ماضية إذ اعتبرها الناس آنذاك أن نتائجها لم تكن تعبر عما وضعوه في الصناديق ، وظلت هذه التجارب تلقي بظلالها السوداء على ثقة جزء كبير من الاردنبين في الانتخابات حتى وقتنا هذا ،
رغم أن الدولة عملت ما بوسعها لجعل الناس يتجاوزون هذا الانطباع ، وقد سجلت نجاحات لا بأس بها إلا أنه من الواضح أن المشوار مازال طويلا .
وسبب آخر يدفع الناس للعزوف عن المشاركة في الانتخابات واختيار ممثليهم سواء في المجالس النيابية ومجالس المحافظات والبلديات هو فقدانهم الثقة بالوعود التي تتبخر من قبل المترشحين فور إعلان النتائج والفوز بالغنائم ويتبين للناس أن الهدف كان المنصب وليس الخدمة العامة ، فتغلق المكاتب على أصحابها وتغلق الهواتف ويترك الناس وحدهم مع مشاكلهم التي وعدوا بحلها من قبل من اختاروهم ،ومع الزمن ونتيجة الشعور بالخيبة ابتعد الناس عن المشاركة وفقدوا الثقة بالوعود الكاذبة حيث في كل مرة ينفض غبار المعركة الإنتخابية يجد كثير من الناس أنهم كانوا يركبون على حمار ولم يكن تحتهم حصان ،كما قال الشاعر الهمذاني ” سوف ترى عندما ينجلي الغبار أفرس تحتك أم حمار “.
ثم أن السبب الكبير في ظاهرة العزوف عن المشاركة بالانتخابات بالتأكيد هو الواقع الاقتصادي المتردي عند الناس وهنا يبرز سلم الأولويات عندهم حسب الأهمية، ويأتي سعيهم نحو المشاركة بالانتخابات في هذه الحالة في أخر اهتماماتهم ، ويقدمون السعي نحو الخروج من الضيق الإقتصادي وتأمين حاجاتهم وحاجات أسرهم خصوصا بعد أن ساد لديهم عدم الوفاء بالوعود التي ملوها وكشفوا زيفها في كل موسم انتخابي ، فالذي يسقط يلوم من حوله ويقاطعهم ويحملهم مسؤولية فشله ، والذي يفوز يدير ظهره لمن كان معه وحاله يقول إلى لقاء بعد أربع سنوات .
ومن الأسباب أيضا لظاهرة العزوف الشعبي عن المشاركة في الانتخابات غياب التكتلات السياسية الحقيقية عن الساحات الانتخابية وهذا الغياب يلقي بظلاله السلبية على أهميتها ومفهومها عند الناس ، فما زالت العشائرية صاحبة القرار الأول والأخير في أكثر من تسعين بالمئة من مساحة مصير الانتخابات ، فالعشيرة التي لا ترشح أبناءها للانتخابات ولا تستطيع تحقيق عنصر الإجماع فإن أبناؤها في الغالب لا يشاركون في الاقتراع ويفضل كثير منهم الإبتعاد عن الصناديق تفاديا للحساسيات بين أبناء العمومة وهذه حالات أصبحت متعددة في المراحل الاخيرة
وعلى سيرة الأحزاب السياسية هناك فهم مغلوط ظهر خلال الأيام الماضية وهو اعتبار أي شخص يفوز بأي انتخابات يكون له انتماء حزبي حديث وحتى لو كان حزبه تحت التأسيس يعتبره البعض نصرا للإصلاح السياسي. الفائز الحزبي فقط هو ذلك المرشح الذي قدمه حزبه وعملت كوادر الحزب لإنجاحه وأقناع الناس ببرنامجه على الأرض ، هذا هو المؤشر أن الأحزاب تعمل على الأرض بكوادرها لأقناع الناس بفكرها.. لا أن يترشح أحد بشخصه وبدعم من عشيرته وأصدقائه ويضع برنامجه لوحده وبعد فوزه يقول أنه ينتمي إلى الحزب الفلاني.
ولنعترف من باب التحليل الإفتراضي أن ممارسة حزب جبهة العمل الإسلامي وما له من أنصار ، سياسة الحرد ومقاطعة الانتخابات، من المفترض أن أثرت على نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة وإن كانت هذه النسبة محدودة نتيجة تراجع أنصار الحزب في الفترة الأخيرة على الساحة .، وبالإشارة إلى موقف الحزب من الأنتخابات الأخيرة فمن غير الممكن أن يقتنع المراقب كيف أعلن مقاطعته للانتخابات التي جرت على قانون ضمن حزمة القوانين التي قدمتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية ووافق على مخرجاتها عبر ممثليه في اللجنة ومجلس النواب ثم اتخذ قراره بالمقاطعة تحت حجة استهدافه في كل انتخابات ، على حد قول قياداته ..
ولنتحدث أيضا بصراحة أكبر أن هناك شعور بالظلم عند قطاع كبير من مكونات أساسية للشعب الأردني بعدالة حقوق المواطنة من حيث التعليم والصحة حتى في التعيينات الصغرى والكبرى كذلك نسب التمثيل الحقيقي لهم ، كل هذه الأسباب وغيرها تشكل دعوه لمراكز القرار في الدولة أن تفتح كل الملفات لمعالجة هذه الأسباب وغيرها ومحاولة تجاوزها لإقناع الناس أن كل ما يحدث من ” إصلاح وتحديث”
هو لهم ومن أجلهم .