صراحة نيوز – بقلم محمد حسن التل
أحزن على مسؤولي الحكومات المتعاقبة الذين يخرجون على الناس في كل مرة تعلن الحكومة بها عن نيتها رفع ثمن سلعة أو رسوم خدمة ، حيث يبدون مرتبكين وغير مقنعين، اليوم تخوض هذه الحكومة مع الرأي العام معركة تبرير رفع سعر الكهرباء ، وقد تعود الأردنيون منذ عشر سنوات ويزيد على أن كل حكومة تتشكل تكون حاملة لملف رفع سعر سلعة ضرورية لحياة الناس وتكاد تكون مهمتها الوحيدة .
الكهرباء اليوم على صفيح ساخن ، إذ قررت الحكومة واعتبارا من أول الشهر القادم تعديل سعرها، تعديل السعر هو بالحقيقة رفع السعر وهذا يعني أن الناس سيدخلون نفقا جديدا في تكلفة الكهرباء ، وكما تقول الحكومة تحت عنوان إعادة توجيه الدعم ، وهو عنوان أصبح معتاد عند الناس عندما تقوم الحكومات برفع الأسعار .
المطلعون يقولون إن الحكومة بحاجة إلى خمسين مليون دينار لدعم قطاعات الإنتاج في باب الطاقة فتفتق ذهنها عن رفع السعر على الناس لتأمين المبلغ بحجة ضعيفة وعزفت على نفس الوتر الذي عزفت عليه الحكومات التي سبقتها في تبرير رفعها للأسعار على المواطنين.
لا أحد ضد دعم قطاعات الإنتاج ولكن ليس على حساب الناس ومن جيوبهم ، لقد بات المواطن يرزح تحت ضغط جباية الحكومات لتسديد التزاماتها ، ولا تفكر بسلوك طريق غير هذا فقد استسهلت الموضوع متجاهلة الانعكاسات السلبية والخطيرة لهذا النهج على المجتمع .
تقول الحكومة كسابقاتها أنها ستوجه الدعم لمستحقيه ، وهي رواية تحاول تسويقها للناس في كل مرة ترفع فيها الحكومات الأسعار ، وتذكرنا قصة توجيه الدعم في ملف الكهرباء بما قالته حكومة سابقة عندما قررت رفع سعر كيلو الخبز تحت مبررات مثل الأغنياء لا يستحقون الدعم والفقراء يستحقونه وغير الأردني الموجود على الأرض الأردنية يجب أن لا يستفيد من الدعم وكل هذه الأقاويل اختفت بعد فترة من نفاذ التسعيرة الجديدة للخبز واختفى الدعم عن الجميع مستحقين وغير مستحقين وأكل الناس المقلب وأصبح الخبز عند الكثير منهم من السلع التي يعانون للحصول عليها في كثير من الأحيان ، وأسر كثيرة خصوصا في الأطراف باتت بفضل الحكومات تستدين الخبز من المخابز ، وما زالت المطاردة مستمرة بين الناس والحكومات ، حيث رفعت الأخيرة سعر المشتقات النفطية بمعادلة غير عادلة فذهب الناس إلى الكهرباء للتدفئة فلاحقتهم عليها ، فذهب الناس إلى الحطب وجفت الزيتون فلحقهم الغلاء إلى هناك وأصبحت آلاف الأسر على مساحة الجغرافيا الأردنية تفتقد للدفء في أيام البرد القارسة .
وآخر ساحة تخوض الحكومة معركتها عليها الطاقة الشمسية ، إذ لجأت آلاف الأسر إلى تركيب أنظمة الطاقة الشمسية للتوفير في فاتورة الكهرباء فتبعتهم الحكومة هناك وفرضت رسوما على هذه الأنظمة بحجة غير مقنعة حتى للمدافعين عنها ، في الوقت الذي تقوم به كل دول العالم بتشجيع استغلال الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء وكانت الحكومات لدينا أيضا تشجع على ذلك وتعتبره قصة نجاح ولكن الحكومة اليوم انقلبت على موقفها ووجدت الفرصة سانحة للجباية في هذا المجال ، وهذا يذكرنا بقصة السيارات الكهربائية “والهايبرد” وفرض رسوم كبيرة عليها الأمر الذي أدى إلى عزوف الناس عن هذا النوع من السيارات في الوقت الذي كل دول العالم تدفع بقوة مواطنيها وتشجعهم بالتسهيلات الكبيرة على استخدام هذا النوع من السيارات للتوفير في الطاقة وحفاظا على البيئة … المطاردة بين الحكومات والناس مستمرة .. فاليوم الكهرباء ولا نستبعد أن يكون دور الماء غدا .
ويبقى السؤال المفتوح قائما لماذا لاتخرج الحكومة من قطاع الطاقة وتتركه للاستثمار وتكسر مبدأ الاحتكار في القطاع لفئة محدودة للمستثمرين خصوصا في الكهرباء ويظل دورها فقط ضمان العدالة بين المستهلك والمستثمر.
أين يذهب الناس وكيف سيدبرون أمور حياتهم في ظل هذا الضغط الحكومي … المسؤولون الحكوميون الذين ينبرون للدفاع في كل مرة عن الإجراءات الحكومية نحو رفع الأسعار يعلمون في داخلهم أنهم يدافعون عن الغلط ، وكثير منهم عندما يخرجون من مناصبهم يعترفون أنهم كانوا غير مقتنعين بما قاموا به ، ويقولون أنهم كانوا مغلوبين على أمرهم .
إذا كانت الحكومة تريد توفير خمسين مليون لدعم قطاع الإنتاج كما يقال ، لما لا تقوم بالتوفير من مصاريفها الكبيرة التي تفوق كل خيال في ظرف اقتصادي صعب تمر به البلاد ، خذ مثلا آلاف السيارات الحكومية التي تجوب المملكة على مدار الساعة والتي تكلف ملايين الدنانير من فواتير البنزين وفواتير الصيانة إضافة إلى رواتب سائقيها ، أخبرني أحد المسؤولين الذي أثق به أن آخر فاتورة لصيانة سيارته الحكومية في الوكالة كانت ستة آلاف دينار ، وهنا لابد من السؤال للحكومة لماذا تقوم بصيانة أسطول سياراتها الضخم في الوكالات ونحن نعلم أن القطعة سعرها في الوكالة يفوق بأكثر من عشرة أضعاف سعرها في السوق ، والسؤال الأكبر لماذا لا تقوم الحكومة بإنشاء مركز لإصلاح السيارات الحكومية يكون تابعا لها ؟ والأصح من ذلك يجب التخلص من هذا الأسطول الضخم من المركبات الذي يكلف الملايين والإبقاء على العدد الضروري فقط منه ، ناهيك عن الصرف الحكومي على فرش المكاتب الحكومية بأرقى الأنواع ، فهناك وزارات ومؤسسات حكومية عندما تدخلها تظن نفسك داخل فندق خمس نجوم ، ناهيك عن المياومات والمكافآت وأمور كثيرة معلومة وغير معلومة ، وهذا ملف عابر للحكومات ، والأهم من ذلك كله ، يجب أن يعاد النظر برواتب الوزراء وكبار المسؤولين ، فنحن لسنا في دولة غنية ، فلا يعقل أن تظل رواتب هؤلاء عبئا ثقيلا على الموازنة العامة ، لكن الحكومات ترى في جيوب الناس المنهكة أصلا أسهل الطرق لتوفير ما تريد من مبالغ ، وبالعودة إلى نية الحكومة بدعم قطاعات الإنتاج “وهذا أمر مرغوب” ، هل حددت له شروطها للقيام بهذا الدعم مثل تشغيل الأيدي العاملة الأردنية كحد أدنى وهل هناك اتفاق واضح بينها وبين هذا القطاع أم أن الأمور تركت مفتوحة بلا شرط أو قيد.
الأجدر أنه بدل الحجج غير المقنعة للحكومات في كل مرة يتم بها رفع سعر سلعة أو خدمة ، لماذا لا تخرج على مواطنيها ومصارحتهم بحقيقة حاجتها فربما يعذرونها ، وهذا يغنيها عن محاولات بائسة في إقناعهم ، فالأردني عندما يتأكد أن وطنه ودولته بحاجة إليه يتحمل كل ضنك بنفس راضية .
مقتنعون تماما أن موازنة الدولة تعاني من صعوبات بالغة ومعقدة نتيجة لظروف متعددة داخلية وخارحية ولكن الحلول يجب أن تكون عادلة توازن بين تحسين دخل الخزينة العامة والحفاظ على الحد الأدنى لأرزاق الناس .
لا تدفعوا الناس إلى الحائط فيفقدوا عقلانيتهم ، فالجوع لا يرحم والفقر شقيق الكفر .