صراحة نيوز – بقلم الدكتور حسين عمر توقه
مقدمة لا بد منها :-
إن العالم بأسره سيظل بحاجة إلى النفط والغاز في إنتاج الطاقة لعشرات العقود القادمة بالرغم من محاولة تطوير الكثير من الوسائل العلمية المتاحة في إنتاج الطاقة النظيفة .
الكل يعلم أن اوروبا هي أكبر مستورد للنفط والغاز لا سيما بعد قرار كثير من الدول الأوروبية التوقف عن استخدام الفحم الحجري وإتخاذ قرار بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا أنه بداية من عام 2022 سيتم التوقف عن استخدام المفاعلات النووية التي تنتج الطاقة الكهروذرية حيث سيزداد إعتماد أوروبا على الغاز الروسي بنسبة 40% . وتأتي الصين في المرتبة الثانية في إستيراد النفط والغاز .
تعتبر الهند ثالث دولة في العالم في إستيراد النفط والغاز وهي من الناحية الجغرافية قريبة جدا من دول الخليج العربي فلماذا لا يتم التركيز على بناء أنابيب للنفط والغاز بين دول الخليج وبين الهند من خلال ميناء صلالة أو ميناء الفجيرة عبر البحر .
حقيقة مرة :-
إن روسيا قد بنت خطوط أنابيب النفط وخطوط أنابيب الغاز وهي تصدر من خلالها النفط والغاز مباشرة إلى كل من أوروبا والصين بطريقة نظيفة ومنتظمة أي أن روسيا قد سبقت دول العالم المصدرة للنفط والغاز في استخدام الأنابيب العملاقة لتصل إلى دول أوروبا والصين .
لو نظرنا إلى دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط والغاز وسألنا أنفسنا هل هناك أي أنبوب للنفط أو للغاز يربط هذه الدول العربية مع أوروبا أو الصين وبكل أسف فإن الإجابة على هذا التساؤل أنه لا وجود لأي أنبوب لا نفط ولا غاز يربط أيا من هذه الدول مع أوروبا أو الصين . أي أنه يتم تصدير النفط والغاز من هذه الدول بواسطة ناقلات النفط والغاز العملاقة عبر ثلاثة ممرات بحرية إستراتيجية هي مضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس .
أما على مستوى بقية الدول العربية فالعراق كان يستخدم خط أنبوب النفط كركوك/ ميناء جيهان التركي حتى استولت عناصر داعش على هذا الخط وقامت بنسف أجزاء منه .
إن الجزائر تقوم بتصدير الغاز إلى كل من إيطاليا وإسبانيا عبر أنبوبي غاز تحت البحر الأبيض المتوسط كما أن ليبيا تقوم بتصدير الغاز إلى إيطاليا عبر أنبوب للغاز تحت البحر الأبيض المتوسط تم تدشينه في عهد القذافي .
إن دول الخليج العربي تعتمد إعتمادا كليا على هذه الممرات الإستراتيجية ليس في تصدير النفط والغاز وإنما تعتمد على هذه الممرات في إستيراد ما يبلغ من 80% من بضائعها المختلفة المستوردة من العالم .
ولا داعي الآن إلى مناقشة الأوضاع السياسية وسيطرة إيران على مضيق هرمز منذ إستيلائها على الجزر الثلاث من أبو ظبي . ولا ننسى ما يدور الآن من صراع من أجل السيطرة على مضيق باب المندب . ولو عدنا بأنفسنا إلى عقود ماضية لوجدنا أن عمليات إرهابية قد جرت وتمثلت في تلغيم مياه البحر الأحمر ومياه الخليج العربي ولقد اجتمعت جهود اٍساطيل العالم بأسره من أجل تنظيف مياه البحر التي استعرقت ستة أشهر.
أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة فلقد كانت تعتمد إعتمادا كبيرا خلال القرن الماضي وبداية هذا القرن على النفط العربي وكانت في تلك الفترة من أكبر الدول المستوردة لهذا النفط وعلى سبيل المثال استوردت الولايات المتحدة نحو 3 ملايين و450 ألف برميل يوميا من دول منظمة الأوبك . ولكنها ومنذ بدء استخراج النفط الأمريكي من الصخر الزيتي والذي بلغ إنتاجه ما يتراوح بين 12 ملايين برميل إلى 15 مليون برميل يوميا أي أن الولايات المتحدة قد بلغت مرحلة الإكتفاء الذاتي وأصبحت من أكبر منتجي النفط في العالم تليها السعودية التي تنتج 12 مليون برميل يوميا وروسيا التي تنتج 10 ملايين برميل يوميا والعراق الذي كان ينتج أربعة ملايين ونصف المليون برميل يوميا وإيران التي كانت تنتج أرعة ملايين برميل يوميا . ولا ننسى أن فنزويلا تعتمد في كمية إنتاجها على الأوضاع السياسية القائمة في البلاد ولكن هذا لم يمنع أن تقوم فنزويلا بإنتاج 10 ملايين برميل في السبعينات من أجل تغطية إحتياجات الولايات المتحدة بعد قيام السعودية بحظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة عام 1973.
وهنا لا بد وأن نؤكد على حقيقة هامة أن الولايات قد أجبرت كل الدول العربية وفي مقدمتها السعودية ضرورة إستخدام الدولار الأمريكي وعدم قبول أي عملة غير الدولار في كل التعاملات النفطية بحيث أصبح التعامل بالدولار في كل الأسواق العالمية يصل إلى 90% من العملات المتداولة . بعد أن كانت قوة الدولار تعتمد في قوتها على كميات إحتياط الذهب المخزونة في فورت نوكس والتي تلاشت خلال العقود الثلاث الماضية .
إن تكلفة استخراج برميل النفط السعودي تتراوح مابين 5 دولارات إلى 8 دولارات بينما تبلغ تكلفة استخراج برميل النفط الروسي ما بين 10 دولارات إلى 14 دولار . بينما تبلغ تكلفة استخراج برميل النفط الأمريكي ما بين 40 دولار إلى 50 دولار .
كثيرون يتساءلون ما هو أكبر إحتياط للنفط في العالم والإجابة على مثل هذا السؤال في كثير من الأحيان غير صادقة فعلى سبيل المثال هل مخزون النفط السعودي يضم صحراء الربع الخالي وهل يدخل هذا المخزون ضمن إمتياز شركة أرامكو التي تمثل 18% من الإحتاطي العالمي بينما يمثل الإحتياط الروسي من النفط ما نسبته 5.4% من الإحتاط العالمي . علما بأن دولا مثل فنزويلا على سبيل المثال تعتبر من الدول التي تحتضن مخزونا نفطيا هائلا كما لا ننسى دولة مثل العراق التي تعيش فوق بحار عذراء من النفط تمتد من غرب بغداد إلى الحدود السعودية والحدود الأردنية . إن ما يهمنا هنا أن مخزون النفط في روسيا لا يتجاوز في أحسن حالاته 30 عاما أما السعودية فيتجاوز المائة عام .
أما بالنسبة إلى الغاز فإن الكثير من حقول الغاز لا زالت قيد الإكتشاف وهناك حقول يتم إكتشافها في أعماق البحر يوما بعد يوم لاسيما في الخليج العربي وفي مقدمتها قطر وحقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط الممتدة من جنوب تركيا إلى سوريا ولبنان وإسرائيل وغزة ومصر وبحر قزوين بالإضافة إلى حقول سيبيريا .
إن ما يهمنا هنا أن حرب أسعار النفط وإغراق سوق النفط العالمي بالنفط السعودي قد جاء بعد أن تم الإعلان بأن قيمة العجز في موازنة السعودية قد بلغ 50 مليار دولار وأن الدين العام قد بلغ 201 مليار دولار حيث بلغت النفقات 272 مليار دولار والإيرادات 222 مليار دولار .
ولا ننسى قرار إلغاء موسم العمرة ووقف ملايين المعتمرين من زيارة السعودية وربما إذا استمر إنتشار وباء الكورونا لا سمح الله فقد يؤدي إلى إلغاء موسم الحج لهذا العام .
ولتغطية هذا العجز قامت السعودية برفع الإنتاج من 10 ملايين برميل إلى 13 مليون برميل . ولقد أدى رفع الإنتاج هذا إلى هبوط حاد في سعر برميل النفط حيث بلغ 25 دولار للبرميل وهناك دلائل تشير إلى إمكانية هبوطه إلى مستوى 20 دولار للبرميل إذا استمرت كل من السعودية وروسيا في زيادة الإنتاج النفطي .
ولقد أدى إنخفاض السعر إلى قيام الولايات المتحدة في المرحلة الأولى بشراء النفط السعودي من أجل تعبئة مخزونها الإستراتيجي من النفط السعودي بأقل التكاليف . وإذا استمر هبوط الأسعار سوف تجد شركات النفط الأمريكية نفسها مرغمة إلى إيقاف استخراج النفط الصخري الأمريكي والإستعاضة عنه بالنفط السعودي . كما أن هبوط أسعار النفط يصب في مصلحة كل من الولايات المتحدة بالدرجة الأولى تليها الصين وأوروبا والهند واليابان وبقية دول العالم المستوردة للنفط .
وفي الجانب الآخر لو قامت كل من السعودية وروسيا وبقية أعضاء منظمة الأوبك بتخفيض الإنتاج نظرا لإنخفاض نسبة إستهلاك النفط والغاز نتيجة لإنتشار وباء الكورونا في الصين وفي أوروبا والولايات المتحدة وبقية أرجاء العالم والذي أدى إلى إيقاف المصانع ووقف استخدام الطائرات ووسائط النقل المختلفة وفرض حظر التنقل بين الدول وداخل الدولة نفسها . لكانت منظمة الأوبك قد حافظت على السعر العالمي في حيز معقول ولما تهاوت الأسعار بهذه الوتيرة المتسارعة ولحافظت الدول وفي مقدمتها السعودية وروسيا على مخزونها دون العمل على إستنزاف هذا المخزون وبيعه بأبخس الأسعار .
معلومات عامة :-
الأخوات السبع :
بتاريخ 17/9/1928 اجتمع ثلاثة من أكبر منتجي النفط في العالم في استكلندا وهم شركة ستاندرد أويل ( لاحقا . إكسون) ورويال دتش شل وشركة النفط الإنجلو فارسية ( لاحقا . بريتيش بتروليوم ) ووقعوا إتفاقا سريا من أجل تقاسم السيطرة على مناطق إنتاج النفط في العالم بالإضافة إلى التحكم بتكاليف النقل وأسعار البيع وقد تعاظمت مرابح هذه الشركات حين تم تحويل وقود سفن البحرية البريطانية من الفحم إلى النفط صاحبه التطور السريع في صناعة السيارات والناقلات والسفن التي تستخدم النفط ولقد انضمت لهذا التآلف في إتفاق أشناكاري شركات النفط الكبرى وأصبحت تضم سبع شركات سميت الأخوات السبع وهي تكساكو وموبيل اويل وإيسو وشل وبريتيش بتروليوم وجولف وفي عام 1946 كانت الأخوات السبع تسيطر على حوالي 90% من الإنتاج العالمي من النفط الخام .
وللتدليل على أهمية نفوذ هذه الشركات على الحكومات التابعة لها ولإدراكهم للأهمية الإستراتيجية للنفط فقد كان أول فوج عسكري بريطاني يتم نشره خلال الحرب العالمية الأولى هو الكتيبة الثانية من فوج ” دورست” والتي تم إرسالها إلى البصره في العراق لحماية حقول النفط هناك .
كما قام الألمان بتشييد خط سكة حديد إلى اسطنبول( أورينت إكسبرس ) حيث كانوا يعتزمون مد خط آخر إلى بغداد من أجل تأمين وصولهم إلى أسواق النفط في العراق .
وقبل الحرب العالمية الأولى تم إكتشاف النفط في إيران وأنشأ البريطانيون شركة النفط الإنجلو فارسية والتي اشترتها لاحقا الحكومة البريطانية حيث كان لهذه الشركة حق الوصول الحصري إلى النفط الإيراني واستحوذت وحدها على 90% من أرباح البلاد من عائدات النفط . وفي عام 1951 قامت الحكومة الإيرانية بقيادة محمد مصدق بتأميم شركات النفط مما هدد نفوذ وأرباح الأخوات السبع وفي مقدمتها بريتيش بتروليوم مما دفع هذه الشركات إلى الإطاحة عام 1953 بمحمد مصدق في إنقلاب بريطاني أمريكي لتستعيد الأخوات السبع سيطرتها على النفط الإيراني.
لقد استغلت الأخوات السبع كل حروب الشرق الأوسط في زيادة أسعار النفط لا سيما في عام 1973 حين قررت منظمة أوبك حظر تصدير النفط إلى كل من الولايات المتحدة وأوروبا .
ولقد بدأ نجم الأخوات السبع بالأفول في السبعينات حيث انطلقت حركات تأميم للأصول النفطية في عدد كبير من الدول المنتجة للنفط حيث شهدت معظم الدول المصدرة للنفط حركات التحرر والإستقلال من الإستعمار البريطاني والفرنسي وفي بعض الدول الإستعمار الإيطالي وبدأت هذه الدول مرحلة إنشاء شركات نفط وطنية .
وإعتبارا من عام 2017 لم يبق على قيد الحياة من الأخوات السبع سوى بريتيش بتروليوم ,إكسون موبيل ورويال دتش شل وشيفرون . وحلت محلها شركات نفط وطنية تعمل من أجل مصالح الدول التي تنتمي إليها وليس بينها إتفاقات غير معلنة لتحقيق أطماع تتجاوز حدود أوطانها وظهرت مجموعة ” الأخوات السبع الجديدة” وهي شركات أرامكو السعودية وغازبروم الروسية ومؤسسة البترول الصينية والشركة الوطنية الإيرانية للنفط وبترول دي فنزويلا وبتروبراس البرازيلية وبتروناس الماليزية .
منظمة الأوبك :
في عام 1960 تأسست في بغداد منظمة أوبك وكانت النواة الأولى لهذه المنظمة تتشكل من السعودية والعراق والكويت وإيران وفنزويلا وأعلنت أن الهدف من إنشاء هذه المنظمة هو “تنسيق وتوحيد السياسات البترولية للدول الأعضاء وضمان إستقرار أسواق النفط للمستهلكين وتحقيق دخل ثابت للمنتجين وعادل بالنسبة إلى الدخل العائد على رأس المال لأولئك الذين يستثمرون في صناعة البترول “. بالإضافة إلى ما تقدم فإن منظمة ألأوبك تراقب السوق العالمي وتقرر بشكل جماعي رفع إنتاج النفط أو خفضه من أجل الحفاظ على الأسعار العالمية وإحداث توازن بين العرض والطلب . ولقد ازداد عدد أعضاء منظمة الأوبك وأصبحت تضم في عضويتها الدول التالية السعودية والعراق والكويت وإيران وفنزويلا بإعتبارهم الأعضاء المؤسسين ليبيا والإمارات العربية المتحدة والجزائر ونيجيريا والإكوادور والغابون وأنغولا وغينيا الإستوائية وجمهورية الكونغو الديمقراطية بالإضافة إلى عضوين سابقين إندونيسيا منذ عام 1962 إلى 2009 وقطر منذ العام 1961 حتى 2019.