صراحة نيوز – بقلم فارس الحباشنة
الاردن الى أين ؟ سؤال صعب لأن الاردن هو البلد الذي يبدو مستقرا وسط اقليم ملتهب ويغلي بحروب وصراعات اقليمية ودولية . ولكن رغم ذلك فالاردن مشتعل بحروب صغيرة ولكنها مرعبة ، وتجعل من الخوف سياسة يلتقي بها الدولة والشعب .
الشعار الهام لحروب الاردن هي البحث عن مكان في مستقبل مجهول وغامض اصلا . أنها حروب صنعتها سياسية تضييق و احكام الدولة لقبضتها ولمصلحة” قلة قليلة ” اجهضت و فرمتت كل المحاولات الوطنية لكسر حاجز الصمت ، وماذا بعد ؟
قطاعات كبرى في البلاد تدخل باضراب مفتوح وغير ملعن ، معلمون ومزارعون موظفو قطاع عام .شرائح كانت بعيدة عن السياسة ولا يعرفون شئيا عن الصراعات السياسية و لا يقرأون صحفا ، واهتمامها الاكبر في شؤون حياتها وعيشها اليومي ، ولنسميها الاغلبية الصامتة ، وهي الكتلة الاجتماعية الحرجة في المجال العام الاردني .
البلاد تغرق باضرابات ، مدارس الحكومة بدون طلاب ، المعلمون ماضون باضرابهم و التحريض يبدو أنه يلامس مشاعر الاردنيين الغاضبة والمتمردة بعدم دفع اولادهم بالذهاب الى المدارس .
أضرابات تاريخية ، و بمثابة اعلان فاصل للعلاقة ما بين الدولة والشعب ” الناس ” ، هي بدايات متأخرة لأحباط مسيطر على الاردنيين . و الدولة تستدعي خبرات قديمة و عواطف مهزومة فتردد أنه لن ينفع شيء مع الحكومة لو كل الاردنيين نزلوا الى الشارع و الحياة تعطلت وتوقفت .
لن يتغيير شيء لأن الحكومة لا تحس و لا تشعر ، وحتى القائمون على اضرابات المعلمين والمزارعين وموظفو القطاع الحكومي فاقدوا الأمل ، ولكن المسألة قد تغدو تحديا ما دامت الحكومة غير مبالية ، وأن كشف أيضا أن نوع الاضرابات والحراكات القطاعية مازال بحاجة الى تنظيم و ادارة وتوجيه واعي
سياسيا .
رنات الدعوات لاضرابات لا تنقطع ، و البريد الالكتروني متخم بقضايا ومطالب و مشاكل عامة يمكن أن تتحول بأي لحظة لاضراب و احتجاج . روح جديدة ، استعادة لعواطف وطنية قديمة ، الحرية والعدالة والمساواة والمظلومية ، شعارات لربما باتت غريبة على مسامع الاردنيين ، الا انها تصدر لازمة كبرى تصيب البلاد و العباد .
الروح الجديدة وطنية بحتة لا تتصادم مع أي تيار سياسي حزبي ، لا اخوان مسلمين وغيرهم . و أن كان بعضها يترقب الفرصة و يعجبه ما يجري حتى يمارس ضغوطا على الدولة من تحت الطاولة ووراء الستائر حتى يحقق مكاسب سياسية أكبر و أعمق .
كل القضايا المطروحة في الاضرابات حتى الان قطاعية مطلبية ، لم نسمع صوتا خادشا للسقوف ، الكلام على اتساعه معيشي وحقوقي ، ولكن أبعد من ذلك لابد من قرأت التعليقات الموازية الغاضبة و الرافضة و الملئية بالتساؤلات عن ملفات وقضايا وطنية كثيرة .
حديث منطقع النظير عن الفساد و تزواج السلطة والبزنس ، واشارات لا تنتهي الى أن الاردن ضاعت على ايدي قلة قليلة اطبقت بسيطرتها الابدية على أفساد السياسة . نوع من التعبير عن غضب صارخ وعارم يعيدنا الى أولى شرارات الاحتجاج الشعبي الاردني في بدايات العقد الجاري .
خليط لمشاعر غاضبة ومتناقضة رافضة لكل ما هو رسمي ، الاردنيون يريدون أردن جديد لكن الملامح غير واضحة ، ربما هي في فقه السياسة لحظة وعسي تفترب من استحقاق تاريخي ليس مستحيلا .
وما يروى عن ازمة عيش الاردنيين باتت مقلقة و فاضحة لسياسات الحكومة العاجزة . مواطن أزمته عجزه عن شراء خبز لعائلته ، واخرى غير قادر على مراجعة مستشفى ، و طوابير أمام مراكز المعونة الوطنية ، و في الشوارع تعجز عن رؤية المتسولين والشحاذين بالمرئين و غير المرئين عى خجل وحياء .
ماذا ينتظر الاردنيون ؟ موت بيولوجي ، الناس ميتون دون أن يعلن رسميا عن وفاتهم .