هل تضاعفت فرص الحرب الشاملة

4 يناير 2020
هل تضاعفت فرص الحرب الشاملة

صراحة نيوز – بقلم الدكتور حسين عمر توقه
باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي

لقد شهد العراق طوال أسبوعين مظاهرات مناوئة للوجود الإيراني وتعاظم هذا النفوذ في العراق ولكن قيام الولايات بقصف وإستهداف أتباع الحشد الشعبي قد وجه المتظاهرين ومشاعرهم ضد القوات الأمريكية والتواجد العسكري الإمريكي في العراق وقاموا بالهجوم على مبنى السفارة الأمريكية في بغداد وطالبوا بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق .

إن قيام القوات الأمريكية بإغتيال اللواء قاسم سليماني مساء اليوم الثاني من كانون الثاني 2020 مع كل من أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ومؤسس كتائب حزب الله في العراق ونعيم قاسم نائب الأمين العام لميليشيا حزب الله في لبنان بالإضافة إلى بعض أسماء من أعضاء حزب الله وشخص إيراني لم يكشف عن إسمه حيث بلغ عدد القتلى حتى هذه اللحظة عشرة أشخاص .

إن تنفيذ هذه الغارة بعد وصول اللواء قاسم سليماني إلى مطار بغداد يؤكد أن هناك خرقا أمنيا في الإجراءات الأمنية الخاصة باللواء قاسم سليماني حيث كانت هناك معلومات مؤكدة قد وصلت إلى الولايات المتحدة تحدد تحركات اللواء سليماني وتعطي بالدقة تاريخ وصوله إلى مطار بغداد كما أن هناك تسريبا لمعلومات تكتيكية توضح المهمة التي جاء من أجلها إلى بغداد والتي تتمثل في تحديد الأهداف الأمريكية التي سيتم استهدافها ومهاجمتها في العراق .

لقد أثارت عملية الإغتيال هذه عاصفة من التصريحات من قبل القيادة الإيرانية والحكومة العراقية والكل ينتظر ويتساءل عن طبيعة ردود الفعل الإيرانية وهل ستكون قوية بمثل فداحة مقتل اللواء قاسم سليماني .

الكل يعلم بأن العقل المدبر الذي كان يخطط ويرسم ويدعم كلا من الحوثيين وقوات الأسد وقوات الحكومة العراقية والحشد الشعبي وحزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة هو اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للجرس الثوري منذ عام 1998 وقد بدأ نشاطه يتزايد منذ أن تمت ترقيته إلى رتبة لواء من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي في عام 2011 حيث أصبح اللواء قاسم سليماني الإستراتيجي العسكري ومنفذ العمليات التكتيكية في محاولات إيران لمكافحة النفوذ الغربي في كل من سوريا والعراق واليمن وفي لبنان عن طريق حزب الله .

هناك ردود فعل مختلفة في الولايات المتحدة تدور في غالبيتها إلى تقييم مدى خطورة قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بإعطاء الأوامر من أجل إغتيال قاسم سليماني وهو في العراق ومدى إستفزاز مثل هذه العملية كلا من القيادة الإيرانية والقيادة العراقية التي تمت العملية فوق أرضها وانتقصت سيادتها . وأكد الرئيس الأمريكي أن الأسباب التي دفعته لإعطاء أوامره بإغتيال اللواء قاسم سليماني أنه في زيارته الأخيرة كان يخطط لشن هجمات على أهداف تابعة للولايات المتحدة .

الكل يعلم أن هناك مصالح مشتركة بين الولايات المتحدة وبين إيران والكل يعلم بأن هناك مصالح مشتركة بين إسرائيل وإيران وأن إحتمال وقوع أي حرب بين الولايات المتحدة وإيران إنما هو إحتمال بعيد .

كما أن استغلال إسرائيل تأجيج الموقف بين إيران والسعودية والتظاهر بأن إسرائيل ستقف في وجه إيران للدفاع عن السعودية إنما هو إستغلال للحصول على مكاسب في القضية الفلسطينية من بينها إعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة إسرائيل وضم مرتفعات الجولان السورية إلى السيادة الإسرائيلية والإعتراف بشرعية المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية والإفصاح عن مخططات بنيامين نتنياهو في ضم شمال غور الأردن وشمال البحر الميت إلى السيادة الإسرائيلية وفي إقامة علاقات مع دول الخليج العربي .

طوال الأعوام السابقة كانت هناك قواعد للإشتباك بين كل من إيران والولايات المتحدة وبين إيران وإسرائيل هذه القواعد معروفة ولا يمكن تجاوزها ولكن وتيرة هذه الإشتباكات قد ارتفعت في الفترة الأخيرة نتيجة إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة ونتيجة الهجمات على ناقلات النفط في الخليج العربي وكان آخر هذه التجاوزات قصف منشآت النفط التابعة لشركة أرامكو في السعودية . وتعتبر عملية إغتيال اللواء قاسم سليماني أكبر عملية خرق لقواعد الإشتباك . لقد وضعت هذه العملية القيادة الإيرانية في “خانة اليك” والكل ينتظر ردود الفعل الإيرانية ضد الآلة العسكرية للولايات المتحدة والتي أكد رئيسها ترمب أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة بأنها أقوى قوة عسكرية في العالم رغم ظهور بوادر عدم الرضى بين الولايات المتحدة وبين بعض أهم الدول في حلف الأطلسي . ولقد شهدت الأشهر الأخيرة ضعف التنسيق العسكري بين دول حلف الأطلسي وبين الولايات المتحدة بسب صلافة تصرفات وتصريحات الرئيس الأمريكي والتي استهدف بها بعضا من رؤساء وقادة دول حلف الأطلسي .

والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو موقف كل من الصين وروسيا اللتان شاركتا إيران في إجراء مناورات بحرية قبل أسبوع هي الأولى من نوعها وهي تمثل التحدي الأكبر للنفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط . لا سيما وأن روسيا وأوكرانيا قد وقعتا إتفاقية من أجل إعادة تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا من خلال أوكرانيا .

تلاحظ مراكز الدراسات الإستراتيجية في أرجاء العالم حقيقة أن الصين لم تعلن في يوم من الأيام أنها قوة عظمى بل على العكس هي تعلن أنها دولة من دول العالم الثالث علما بأنها دولة نووية عظمى وهي من أكبر الدول تقدما في الثورة الإقتصادية والصناعية وأكثر الدول ثراء لا سيما في موجودات إحتياطها من الدولار الأمريكي . إن أي خبير إستراتيجي يدرك أن من يريد أن يكسب أي حرب عسكرية أو سياسية أو إقتصادية فإن العلاقة مع الصين هي التي ترجح كفة المعركة وعليه فلقد بادرت روسيا بكسب الصين وقامت ببناء خطوط أنابيب النفط العملاقة التي تربط كلا من حقول النفط في سيبيريا بالصين مباشرة من أجل تزويد الصين بحاجاتها من النفط والغاز وهي تدرك أن الصين هي من أكبر الدول إستهلاكا للنفط والغاز .

الكل يعلم أن إيران باب قوسين أو أدنى في الحصول على السلاح النووي وإن إسرائيل تبذل كل جهودها من أجل منع إيران من الحصول على السلاح النووي . وإن إسرائيل ترقب عن كثب أهمية الدور الإيراني في كل من سوريا وحزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة وهي تحاول جاهدة القضاء على النفوذ الإيراني . وفي ذات الوقت فإن الولايات المتحدة وإسرائيل ترقبان بعين الرضى تزايد الهوة وتعاظم الشرخ بين كل من المعسكر الشيعي بزعامة إيران والمعسكر السني بقيادة السعودية ولقد قامت الولايات المتحدة بحلب دول الخليج واستزاف ثرواتهم بحجة الدفاع عن أمن دول الخليج ضد إيران كما استغلت إسرائيل هذا الشرخ وعمدت إلى تحقيق التقارب بينها وبين دول الخليج وذلك على حساب القضية الفلسطينية التي تراجعت أهميتها في العالم .

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الساعات ما هي ردود الفعل الإيرانية وهل ستكون بمستوى فداحة فقدان اللواء قاسم سليماني . هل سنعود إلى حرب الإرهاب واستهداف أهداف مدنية مثل السفارات الأمريكية ومنشآت تجارية في مدن مختلفة وطائرات مدنية أم هل ستلجأ إيران إلى القيام بعمل عسكري ضد أهداف أمريكية في منطقة الخليج العربي ؟؟؟.

الاخبار العاجلة