صراحة نيوز – كتب الدكتور نوفان العجارمة
نستطيع القول ابتداءً بأن محتوى الدساتير التي أخذت بالنظام البرلماني متشابهة الى حد كبير، حيث اتفقت في الكليات مع اختلافها في بعض الجزئيات، كون ظروف الدول ليست واحدة، فكل دولة صاغت دستورها وفقا للظروف التي تحكم مجتمعها، حتى يكون الدستور مرآة حقيقية للمجتمع.
وسوف نسلط الضوء في هذا المقال على أهم النقاط القانونية والسياسية المتعلقة بالحكومة البرلمانية مع بيان موقف الدستور الاردني منها وكما يلي:
اولاً: من حيث تشكيل الحكومة والجمع ما بين النيابة والوزارة: من أهم المسائل التي اختلفت فيها الدساتير الملكية، قضية الجمع ما بين النيابة الوزارة وعلى النحو التالي:
- بعض الأنظمة البرلمانية اجازت موضوع الجمع ما بين النيابة والوزارة ومنها الدستور الأردني حيث نصت المادة ( 52) على ( لرئيس الوزراء أو للوزير الذي يكون عضواً في أحد مجلسي الاعيان والنواب حق التصويت في مجلسه وحق الكلام في كلا المجلسين ، أما الوزراء الذين ليسوا من أعضاء أحد المجلسين فلهم ان يتكلموا فيها دون ان يكون لهم حق التصويت وللوزراء أو من ينوب عنهم حق التقدم على سائر الأعضاء في مخاطبة المجلسين والوزير الذي يتقاضى راتب الوزارة لا يتقاضى في الوقت نفسه مخصصات العضوية في أي من المجلسين) اي ان الامر الجمع ما بين الوزارة والنيابة جوازي وليس وجوبي ، وهذا خاضع لمطلق تقدير جلالة الملك ، فبعض الحكومة ضمت بعض السادة النواب (ومنها حكومة دولة عبد الكريم الكباريتي والتي ضمت حوالي 22 نائبا ) و بعض الحكومة خلت في تشكيلها من السادة النواب (كما هو الحال في الحكومات الاردنية منذ عام 1998 ) وحتى تاريخه .
- بعض الانظمة البرلمانية حظرت الجمع ما بين النيابية الوزارة كما هول الحال في دستور المملكة الهولندية، حيث تنص المادة (57) من الدستور الهولندي – كما هي معدلة في عام 1999- بالقول (لا يجوز لعضو احدى الغرفتين – اي البرلمان- ان يجمع بين عضويته ومنصب الوزير….) ومن الواضح ان الدستور الهولندي وهو من الدساتير التي أخذت بالنظام البرلماني منذ عام 1814، وقد تبنى الاتجاه المعزز لمبدأ الفصل ما بين السلطات، حتى تقول الحكومة بواجبها وتحت رقابة حقيقية وفاعلة من قبل البرلمان.
- بعض الانظمة البرلمانية حظرت الجمع ما بين النيابية الوزارة من خلال تجميد عضوية عضو البرلمان الذي يعين وزيرا، ومن أهمها الدستور البلجيكي لعام 1830 والذي يعد المصدر التاريخي للدستور الاردني حيث تنص المادة (50) منه – كما هي معدلة في عام 1993- على (عند تعيين الملك لأحد أعضاء المجلسين – أي البرلمان- وزيرا يتوقف هذا الأخير عن تمثيل مقعده حال موافقته، ويستعيد حقه بعد اقالته من قبل الملك من الوظيفية الوزارية، ويحدد القانون كيفية تعيين بديل له في المجلس المعني).
- بعض الانظمة البرلمانية والتي أخذت بفكرة القوائم الحزبية ربطت بين نتائج الانتخابات وبين تشكيل الحكومة ومنها دستور المملكة المغربية حيث ينص الفصل رقم (47) من الدستور المغربي لسنة 2011 على: ( يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها ، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها وللملك بمبادرة منه، وبعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم ، ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة ) وقد أناط الفصل (48) من ذات الدستور رئاسة مجلس الوزراء بالملك حيث ينص على ( يرأس الملك المجلس الوزاري، الذي يتألف من رئيس الحكومة والوزراء، و ينعقد المجلس الوزاري بمبادرة من الملك، أو بطلب من رئيس الحكومة…).
- كما ربط الدستور المملكة الاسبانية لسنة 1978 بين الانتخابات وتشكيل الحكومة حيث تنص المادة (99) من الدستور الاسباني – كما هي معدلة في عام 2011- على (( 1. يقترح الملك مرشحاً لرئاسة الحكومة في كل مرة ينتخب فيها مجلس نواب جديد وفي باقي الحالات المماثلة التي ينص عليها الدستور، بعد أن يكون قد أجرى مشاورات مسبقة مع الممثلين الذين تعينهم الأحزاب الممثَّلة في البرلمان، ويقترح الملك مرشحاً لرئاسة الحكومة عن طريق رئيس مجلس النواب.2. يقدم المرشح المقترح أمام مجلس النواب البرنامج السياسي للحكومة التي يريد تشكيلها ويطلب ثقة المجلس المذكور وذلك طبقاً لما تنص عليه الفقرة السابق.3. إذا منح مجلس النواب ثقته بتصويت الأغلبية المطلقة لأعضائه للمرشح المذكور، يعينه الملك رئيساً للحكومة. وإذا لم تبد الأغلبية المطلقة موافقتها يتم التصويت من جديد على نفس الاقتراح بعد مرور ثمان وأربعين ساعة على التصويت الأول، وتعتبر الثقة ممنوحة للمرشح إذا حصل على موافقة الأغلبية النسبية…. 5. . إذا لم يحظ أي مرشح بثقة مجلس النواب خلال شهرين ابتداء من أول تصويت للتنصيب، يحل الملك مجلسي البرلمان ويدعو إلى انتخابات جديدة بموافقة رئيس مجلس النواب.)). كما نصت المادة (100) من الدستور ذاته على ((يعين الملك باقي أعضاء الحكومة ويقوم بإعفائهم باقتراح من رئيس الحكومة )).
- وأخيرا، فان بعض الانظمة البرلمانية توجب الجمع ما بين النيابية الوزارة، كما هو الحال في بريطانيا من منطلق تعزيز دور المواطن في ادارة الدولة، فإذا كان المواطن يثق بهذا الشخص كنائب له في البرلمان من أجل مراقبة الحكومة، فسوف تعزز الثقة من باب اولى، إذا أصبح هذا الشخص عضوا في هذه الحكومة.
نلاحظ مما تقدم، ان موضوع الجمع ما بين الوزارة والنيابة ليست ركنا في النظام البرلماني، بل يخضع الأمر لطبيعة المجتمع والنظام السياسي السائد فيه، وحسب ظروف كل دولة، وتصبح المناداة – لتعديل الدستور الأردني لغايات وجوب الجمع ما بين النيابة والوزارة لتحقيق ما يسمى بالحكومة البرلمانية – لا اساس له على الاطلاق، كون هذا الأمر لا يعتبر ركنا لوجود النظام البرلماني أو تحقيق ما يسمى بالحكومة النيابية والبرلمانية.
ثانياً: صور الحكومة النيابية (او البرلمانية) في ظل النظام الدستوري الأردني: يمكن ان تأخذ الحكومة النيابية (والبرلمانية) صورة او أكثر من الصور التالية : - ان تحصل الحكومة على ثقة برلمان منتخب انتخابا حرا في ظل عملية انتخابية حرة ونزيهة بحيث يكون البرلمان معبر تعبيرا حقيقيا عن إرادة الشعب وهذه الصورة الاولى.
- ان يقول جلالة الملك في مشاورة الاحزاب الفاعلية في البرلمان او الكتل النيابية في شخص رئيس الحكومة قبل تعيينه من قبل جلالة الملك، على ان يقوم رئيس المكلف في التشاور مع البرلمان ثانية في فريقه الوزاري والذي يكون من خارج مجلس النواب وهذه الصورة الثانية.
- ان يقول جلالة الملك في مشاورة الاحزاب الفاعلية في البرلمان او الكتل النيابية في شخص رئيس الحكومة قبل تعيينه، على ان يضم رئيس الحكومة في تشكيلة الحكومة عددا من أعضاء مجلس النواب وهذه الصورة الثالثة.
- ان يقوم جلالة الملك في تكليف رئيس حزب الاكثرية البرلمانية في تشكيل الحكومة، ويقوم رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع بقية الأحزاب والكتل على تشكيلة الحكومة وغالبا ما تكون هذه الحكومة في جلها من أعضاء مجلس النواب وهذه الصورة الرابعة.
وأيا كان الامر، اعتقد ان الوصول الى الصورة الرابعة يتطلب عقدا من الزمان على الاقل، نظرا لعدم تجذر الحياة الحزبية في الاردن لأسباب كثيرة، تخرج عن إطار هذا المقال، وحتى نجسر الفجوة ما بين الواقع الدستوري الجميل، والواقع العلمي في الحياة السياسية الاردنية، اعتقد ان الدولة الاردنية مطالبة بما يلي :
أولاً: مراجعة شاملة لقانون الأحزاب (وهذا الموضوع تحت بصر و سمع اللجنة الملكية حاليا)، وكل ما يتعلق به من تشريعات، لأن الحزب يعيش في بيئة، والبيئة يحكمها أكثر من تشريع، والقانون هو وسيلة لتحقيق غاية.
ثانياً: تعزيز دور القائمة الحزبية في قانون الانتخاب، والذي يعتبر هو الجسر الذي ينقلنا الى حياة برلمانية حقيقية وتشكيل برلمان يشكل ند حقيقي للحكومة فالبرلمان هو الركن الأساسي في النظام البرلماني ، فجلالة الملك لا يستطيع مباشرة مهامه الدستورية إلا بعد القسم امام مجلس الامة ، وأيضا يتعين على الحكومة ان تحظى بثقة البرلمان حتى تستمر في اعمالها، واقترح ان يتم حجز مقاعد للقوائم الحزبية تشكل ثلث مقاعد البرلمان( أي إلغاء قوائم الأفراد والانتقال الى قوائم الأحزاب المغلقة) مع وضع سقف اعلى لكل حزب ، وما تبقى- نسبة الثلثين- يترك للانتخاب الفردي مع تعدد الأصوات بحيث يكون عدد الأصوات بعدد المقاعد المخصصة لأقل دائرة انتخابية ، شريطة ان لا تزاحم الأحزاب الافراد(المستقلين) على المقاعد الفردية، أي لا يجوز للأحزاب ان تترشح على النظام الفردي ، ولا يجوز للأفراد المستقلين(أي غير المنتمين للأحزاب) الترشح على نظام القوائم الحزبية، عندها نوفق ما بين المادتين (6) و(67) من الدستور، أي التوفيق بين مبدأ المساواة – وما يتفرع عنه كمبدأ تكافؤ الفرص – وحق المشرع في تأليف مجلس النواب.
ثالثاً: ان تطغى الصبغة السياسية والقانونية على تشكيلة مجلس الاعيان، بحيث نتلافى أي نقص في خبرات مجلس النواب قدر الامكان، عندها سوف يصبح دور المجلسين دورا تكاملياً لا تفاضلياً.
رابعاً: الابقاء على صلاحيات جلالة الملك الواردة في الدستور باعتبارها اولاً نقطة توازن ما بين السلطات وثانياً ان هذه الصلاحيات لا تتعارض مع النظام البرلماني، فالملك في النظام البرلماني، وفي الديمقراطيات المعاصر يحكم، ولكنه غير مسئول سياسياً عن تدخله في شؤون الحكم، والذي يسأل عن أعماله هي الوزارة، فالملك يحكم بواسطة وزرائه وللاسباب التالية: - إن مقولة (الملك يسود ولا يحكم) مقولة غير صحيحة، وليس لها أي أساس دستوري أو قانوني، وهذه المقولة قالها السيد (تيير) في عام 1829 وهو سياسي الفرنسي، وكان يعبر عن وجهة نظرة في النظام الملكي الفرنسي آنذاك.
- إن القول بأن الملك (يسود) قول غير صحيح أيضا من الناحية الدستورية، لأن السيادة للأمة وليس للملك، والأمة مصدر السلطات، ولا تجسد السلطة بيد الملك، فهو لا يملكها، ولكن يمارس اختصاصه باعتباره رئيسا للدولة، فالبرلمان مثلا يتولى اختصاص التشريع، ولكنه لا يملك تلك السلطة، فالسلطة ملك للأمة.
- ليس صحيحا بأن الملك في النظام البرلماني (لا يحكم) الملك يحكم، ولكن ليس منفردا بل يحكم باختصاص مشترك ((بواسطة وزرائه).
- إذا كان الملك مسؤولا باعتباره رئيساً للدولة: فان المبدأ المطبق في علم الإدارة العامة هو اقتران السلطة بالمسؤولية، فلا يجوز – قانونا- أن نلزمه بالمسؤولية ونجرده من السلطة؟ فلابد من منحه السلطة حتى يتحمل المسؤولية.
- إن الوضع في بريطانيا وغيرها من الملكيات في أوروبا، لا يمكن أن يقاس عليه، ويجب ان لا يأخذ حجة أو كلاما مسلما لا نقاش فيه، فسلبية الملك في النظام الانجليزي، لم يكن وليد مبدأ أو رأي مقرر سلفا، بل جاء ثمرة تطورات تاريخية ومصادفات خاصة بالمجتمع الانجليزي وحده، وهذه أدت إلى إضعاف سلطة الملك في انجلترا، وهذه الظروف وتطورات لم يمر بها الاردن.
- إذا كان رئيس الدولة (الملك) غير مسؤول سياسيا: فهو مسؤول أدبيا وأخلاقيا أمام ضميره، وأمام الله، لأنه اقسم عند توليه العرش أن (يحافظ على الدستور ويخلص للأمة) فكيف له ان يتولى هذه المهمة (المحافظ على الدستور) بدون أي سلطة؟؟ وليس من المعقول أو المقبول أن نطالبه بالتوقيع بشكل آلي تلقائي على قرارات تخالف الدستور أو الضمير؟ فالملك يحتاج إلى البحث وتمحيص قبل توقيع قراراته، وهذا يستلزم بالضرورة وجود سلطة له.
- إن الملك يحكم في النظام البرلماني بواسطته وزرائه، فهو يشترك معهم اشتراكا فعليا في الحكم وفي إدارة شؤون البلاد، وله الحق أن يعبر عن آراءه السياسية، وهذا يتطلب بالضرورة، وجود حكومة قادرة على تحمل مسؤولية تدخله في شؤون العامة. فكل ما يصدر عن الملك من قول أو فعل يجيب أن ينسب إلى الحكومة وكل ما يصدر عن الملك يجب أن تعتبر أعمال من صنع الوزارة ، وهي مسؤولة عنها وحدها. وفي كل الأحوال، يجب أن تحتفظ هذه الحكومة بثقة البرلمان.
وأخيرا، أتمنى ان تتسم توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بالواقعية السياسية، فالقاعدة القانونية بالمحصلة هي قاعدة اجتماعية، وإذا لم يحظَ النص القانوني بالرعاية الاجتماعية سوف يبقى هيكل بلا روح، فالوضع في بعض الدول لا يمكن أن يقاس عليه، ويجب ألا يؤخذ حجةً أو نعده (فردوساً مفقودا) او كتاباً مقدسا لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه!!
وعندما يضطر المشرع إلى اقتباس أنظمة قانونية (أو تجارب) ثبت نجاحها في بيئة أجنبية نظرا لاستنادها على أسس علمية واضحة لا بد له من مراعاة طبيعة البيئة الوطنية في صياغة التشريعات الوطنية ومنها الدستور. فسياسة النقل الحرفي للتجارب الأجنبية محفوفة بالمخاطر، إذا تم تجاهل عناصر البيئة الوطنية بشقيها المادي والروحي، لذلك فإن المشرّع مقيد بمراعاة هذه البيئة عند صياغة قواعد قانونية ذات مصدر مستمد من القانون الأجنبي.