الصمود والمقاومة بين الأمس واليوم

6 مايو 2018
الصمود والمقاومة بين الأمس واليوم

  صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان

عندما يقرر الشعب الصمود والمقاومة في وجه الغازي والمحتل، فإنه سيحقق النصر مهما طال الزمن، ومهما بلغت التضحيات. فالتاريخ لا يصنعه إلا الأقوياء الذين يصرّون على انتزاع حقوقهم من بين يدي العدو. والتاريخ يقدم لنا أمثلة عديدة قامت بها الشعوب الحية. منها مثلا صمود ومقاومة الشعب السوفيتي في ستالينجراد، أمام الغزو النازي خلال الحرب العالمية الثانية. وكذلك صمود ومقاومة الشعب الفرنسي أمام نفس العدو في تلك الحرب، وكانت النتيجة انتصارهما على الغزاة في كلا الحالتين وحققا الاستقلال لبلديهما.

وهنا أرغب أن أتحدث في هذه العجالة، عن صمود ومقاومة الشعب والجيش السوفيتي أمام حصار القوات النازية لمدينة ستالينجراد ( بطرس بيرج حاليا ) خلال الحرب العالمية الثانية بشكل موجز، ومقارنتها مع مقاومة بعض الشعوب العربية، رغم اختلاف البيئة والوسائل بين الطرفين، ولكنها تقدم لنا دروسا وعبرا مفيدة على كل حال.

لقد قال هتلر في بداية تلك الحرب عبارته الشهيرة، والتي يحاول الإسرائيليون تقليدها في إستراتيجيتهم التوسعية : ” أينما يضع الجندي الألماني قدمه فسيبقى هناك “، ولكن هذه المقولة التي اعتمدت على القوة العسكرية، سقطت أمام صمود ومقاومة الشعب السوفيتي وجيشه، على أسوار ستالينجراد عند مواجهة الغزو الألماني لها. فالفترة الواقعة بين 19 نوفمبر من عام 1942 و2 فبراير من عام 1943 وهي 76 يوما وليلة استغلت جميعها لحصار ستالينجراد، فكانت ذكرى حزينة للشعب الألماني، لما سًفك فيها من دماء ودموع غزيرة، ستذكرها أجياله اللاحقة بألم شديد.

في منتصف شهر نوفمبر 1942 تقدمت القوات الألمانية نحو مدينة ستالينجراد، وتمكنت من السيطرة على ما يقرب من 90 % من المدينة، ولكن تلك القوات كانت مترددة في إطباق الحصار عليها خوفا من المقاومة الشعبية القوية. وفي يوم 1 يناير 1943 ارتدّت خطوط الألمان الأمامية في منطقة الدون أمام هجمات الجيش السوفييتي، مسافة تتراوح بين 200 – 250 كيلومترا، وجرى حصار الفرق  الألمانية في منطقة ضيقة.

وتحت ذلك الحصار نَفذَ ما لدى القوات الألمانية من مواد غذائية، فأصبح الجنود في حالة مجاعة وازداد الوضع سوءا مع البرد القارس، وازدحمت المستشفيات الميدانية بنزلائها من القتلى والجرحى والمرضى، وأحدقت بهم الكارثة التي لا أمل لهم في النجاة منها. ومن أجل إراقة الماء بعثت القيادة السوفيتية إنذارا للألمان بالاستسلام. إلا أن  القيادة الألمانية رفضت الإنذار وأمرت قواتها بالقتال حتى آخر طلقة. فتابعت القوات السوفيتية هجومها بقوة، أدى إلى القضاء على الجيش السادس الألماني، واستسلام قائده المارشال بالوس إلى الجيش السوفييتي. 

 وبناء على أمر من هتلر طلب جوزيف جوبلز وزير الدعاية والإعلام الألماني من الصحفي (هنس شكورتر ) الذي رافق الجيش السادس الألماني المكلف بغزو مدينة ستالينجراد، كتابة قصة الجيش السادس في تلك المعركة. فقام الصحفي بتأليف كتاب عنوانه : ” أعظم كارثة عسكرية في التاريخ “.

وعندما قرأ جوبلز مسودة الكتاب قبل الطبع، وتبين له أن 22 فرقة تضم 364 ألف جندي من الجيش السادس، لم يعد منهم إلى ألمانيا سوى 5008 جنود أصيب بالذعر، لأن هذه القصة ستشكل صدمة للشعب الألماني وتصيبه بالهلع. كان الاعتقاد السائد لدى القيادة الألمانية العليا أن المعركة ستنتهي خلال أسبوع أو شهر على الأكثر، ولكنها استمرت لمدة 76 يوما وليلة، ثم رقدوا هناك إلى الأبد. ولهذا أمر جوبلز بحفظ مسودة الكتاب في القيادة العليا الألمانية، ولم يُسمح بطباعته إلا بعد انتهاء الحرب، حيث نشرت القصة المرعبة . . قصة ستالينجراد.

إن معركة ستالينجراد لم تكن ضرورة عسكرية، ولكنها كانت خطأ إستراتيجيا ارتكبته القيادة العليا الألمانية فدفعت ثمنه غاليا من أرواح أبناء شعبها ومن مكانتها في التاريخ. لكن بعد 12 عاما من تلك المعركة التي غيرت وجه العالم  وبددت  أحلام هتلر، ذهب الجيش السادس إلى النسيان، ودُملت الجراح التي أصابت أجساد  وأرواح  المقاتلين والشعب الألماني، وأعيد بناء المنازل المهدّمة، وتحولت الأفكار نحو السلام.

وفي تاريخنا العربي الحديث هناك شعب الجزائر، الذي قاوم المستعمر الفرنسي من عام 1954 – 1962 وبدأ مقاومته بمشاركة 1200 مجاهد يحملون 400 قطعة سلاح خفيف في وجه القوات الفرنسية المدججة بمختلف أنواع الأسلحة. وانظم إليهم لاحقا في المقاومة بقية الشعب الجزائري مع مساندة مادية من بعض الدول العربية. فقدم الجزائريون مليونا من الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم دفاعا عن حرية وطنهم، فطردوا المستعمر الفرنسي الذي جثم على صدورهم لمدة 132 عاما وحققوا الاستقلال. وفي عقد الثمانينات الماضي، كانت هناك المقاومة اللبنانية التي واجهت غزو العدو الإسرائيلي، والتي أسفرت لاحقا عن انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان.

واليوم نقف إجلالا وتقديرا لصمود ومقاومة شعب غزة الأبطال، الذين ما زالوا متمسكين بأرضهم وقضيتهم، يقدمون قوافل الشهداء والجرحى يوميا، من فلذات أكبادهم على حدود غزة مع العدو الإسرائيلي، بينما السلطة الفلسطينية والأمة العربية يقفون موقف المتفرج. لا بل أنهم يتآمرون عليهم ويهدمون الأنفاق التي أقاموها كشريان الحياة ووسيلة اتصالهم بالعالم الخارجي، وأحيانا يستخدمون بعضها للتسلل خلف خطوط العدو وضربه من الداخل.

 وإضافة لحصارهم في غزة ونقص المياه النقية والغذاء والدواء والكهرباء، فإن العربان الأثرياء يقطعون اليوم عنهم المساعدات المالية، ويضيّقون عليهم سبل المعيشة ليجبروهم على الاستسلام، ولكنهم واهمون ولا يعرفون قوة وعزيمة هذا الشعب الجبار.

فلو كان الشعب  الفلسطيني والأمة  العربية  بكامل طاقاتها  قد اقتدوا بما فعله السوفييت في الصمود ومقاومة الاحتلال رغم اختلاف الظروف  والمعطيات، لفرضوا على الإسرائيليين الجنوح  نحو السلام  العادل الذي يحقق مطالبهم الوطنية.

وختاما لا يسعنا إلا أن نشدّ على أيدي المقاومين أبطال غزة، ونترحم على أرواح الشهداء الأبرار الذين ضحوا من أجل الوطن، متمثلين قوله تعالى في محكم كتابه : ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ) صدق الله العظيم.

   التاريخ : 6 / 5 / 2018

الاخبار العاجلة